التأصيل الأول: ليست المصالح هي التي تحرك النوازع البشرية، إنما موضوعية التاريخي هي التي تحدد مسار وأفق المتغير. ولاشيء في هذه الحقبة من التاريخ بأقوى من دور الرأسمال المالي الذي يجاسد البنى الفوقية في الأصول النوعية لسطوة المؤسسات، ومراكز القوى، ونوايا التفاعل، وعمليات الأنتاج والتبادل، ضمن محتوى أسميه بالمتحركات الرملية في الأستراتيجيات الدولية، حيث المبتغى يتمحور حول المتغير في الأستراتيجات الدولية، لإن الثابتة منها تتآكل وفقاً لعوامل الحت التاريخي وقد تبلغ مستوى العقر والعقم، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لأنها قد أوصدت المناهل على أحتواء عوامل الجدة في سوسيولوجية التاريخي، لذا من الطبيعي أن تنمو تلك العوامل خارج هذه الأسترتيجيات التي سوف تنكمش لتندحر وتندثر، مع تدبير فكري أحترازي هو إن العلاقة ما بين موضوعية التاريخي والأسراتيجيات الدولية تتوازى في العلاقة ما بين البنية التحتية والبنى الفوقية في تأطير أصول وسلوكيات لعبة الأمم. التأصيل الثاني: لقد أدركت مراكز القوى المؤسساتية في الغرب الرأسمالي إن مبعث وطبيعة هذه الأستراتيجيات الدولية لاتستمد فحواها فقط من الشرعية التاريخية، إنما لامحيض عن إضفاء الشرعية لبعض الأحداث التاريخية كي تبان هذه الأخيرة وكأنها علل موضوعية في الأفرازات التاريخية. فهذه التماثلية المزجية ما بين الذاتي والموضوعي أو بالأحرى ما بين حدين إثباتيين هي الولاء الكيميائي في تحديد مصير أبعاد هذه اللعبة. التأصيل الثالث: إن ذهنية الرأسمال المالي تتباين في جذورها عن ذهنية الشرق الأوسط ( ذهنية ما قبل الرأسمال المالي ) في الخصائص التالية. أولاً: إن الرأسمال المالي يتلقف المجتمع في عملية هرس لامثيل لها، ويكوره ليكور معه الأسرة والفرد وإنحناءات مبعث السلوك والأدراك. ثانياً: إذا إعتمد الشرق في قرارته العظمى على سياسة البعد الواحد، وهو في الحقيقة البعد المتكسر ( الأردن، اليمن، مصر )، ليبلغ أحياناً حد الإقصاء والألغاء ( الأغتيال ) ( سوريا، حزب الله، حماس، إيران، إسرائيل )، فإن الغرب الرأسمالي يعتمد على قوة الأختراع والأبتكار والأكتشاف والتقدم العلمي. ثالثاً: إذا أعتمد القرار السيادي وغير السيادي في الشرق الأوسط على مستشارين للرئاسة لايفقهون من فحوى المسؤولية التاريخية إلا الشكل الكلامي، فإن القرارات السيادية وغير السيادية في الغرب تعتمد على دراسات متعددة ومتنوعة صادرة بصفة رسمية من مراكز البحوث الموازية، أو على دراسات لجان متخصصة سراً في مجال ( دراسة الشرق الأوسط على كافة الصعد ). التأصيل الرابع: لقد بات في حكم المؤكد إن مراكز القوى الرأسمالية، الكنيسة الكاثوليكية والشركات عابرة القارات ومنظمات عالمية، أدركت إن سياسة القطب الواحد في الشرق الأوسط يهدد بعواقب وخيمة قد تحدق بمستويات الوجود نفسه، بل قد يجمح هذا الشرق إلى الأبد، لذا، لامحيص من إعداد وتهيئة قطب ما في الشرق، قطب يناصب العداء للغرب ولايعاديه ليكمل دائرته المفتوحة، قطب في المركز الثاني، في مركز النائب، يسعى إلى الطغيان تاريخياً، ويرهق المنطقة بظلاله، أظلاف التوحش، قطب يتمتع بالخصائص الجوهرية، والصفات الأساسية لكل أعضاء لعبة الأمم ليغدو، هو الآخر، لاعباً رئيسياً فيها، فكان لامندوحة من صناعة إيران ( حيث النية، التاريخ، الموقع الجغرافي، مصادر الطاقة، المركز الثاني ). التأصيل الخامس: أعتقد البعض إن أحتلال العراق والإطاحة بصدام كان الأختصاص منه إقامة دولة ديمقراطية علمانية دستورية ( ربما هذا ما سيحدث، إذا ما أنتصرت إرادة الشعب العراقي التاريخي، العربي والكوردي )، وأعتقد البعض الآخر إنه أختص بالسلاح الكيميائي الصدامي، وأعتقد البعض الثالث إنه قواعد ثابتة في المصالح الرأسمالية، أما نحن، فإننا على يقين إن الأطراف الثلاثة أخطأت في إدراك جوهر القصد لسبب بسيط وواضح ألا وهو إن الإدارة الرأسمالية كان من الممكن الحصول على نتائج هذه (الإعتقادات ) الثلاثة دون أن تجشم مشقة إحتلال أفغانستان والعراق. والمسألة زمنياً أبعد من ذلك، إذ تعود بجذورها إلى صناعة ( أبن لادن ) المقدمة التاريخية لصناعة أيران، المقدمة الطبيعية، مابين أهداف أخرى، للإطاحة بالطالبان وصدام وثم تحرير الغول الإيراني جغرافياً ليتلقف المنطقة ( سورية، لبنان، والخليج ). التأصيل السادس: نحن نعتقد إن منطوق التاريخي قد تبدل ( الحيثيات الأساسية، طبيعة الأدراك، السلوك، الفكر )، وتجاوز مفهوم العسكرتاريا، القمع، الحرب المفتوحة، ليتحرر الفرد من ربقة الجماعة، وتضطر الدول إلى تحديث قوانينها وتغاير ذهنيتها السوسيولوجبة، وهذا التصور، لو أمعنا وأحدجنا النظر في كنهه الجديد، لأدركنا أن الأسباب والمقومات الحدية في أستمرارية دولة أسرائيل قد تهاوت وأنهدرت، بل لم تعد أسرائيل قادرة حتى على وعي فحوى مستقبلها، وأختلط لديها الحابل بالنابل، وستفقد السمت إلى الأبد، مالم، وفقط مالم، تصالح شعوب المنطقة لتزرع الورد محل الشوك، والسلم مكان الحرب، والوئام بدلاً عن العداوة. بل الأنكى من ذلك إن الرأسمال المالي قد أدرك هذه الحقيقة عارية، لذا بادرت الإدارة الرأسمالية في تأجيج جذوة التطرف والأرهاب الأسلاموي، لتؤوب الدفق والحياة إلى التطرف والأرهاب الأسرائيلي، لكن في هذا النزاع سيكون الغلبة، تاريخياً، للرأسمال المالي، وأنتهاء البعد الدموي في التاريخ، فلا مناص، إذن، من أن يتصالح الشعب اليهودي مع ذاته، ومن ثم مع شعوب المنطقة. التأصيل السابع: أن من أهم سمات التاريخي، هي أن الشعوب تقدح قريحتها في الأبداع، والمساهمة في معطيات التاريخ، إذا ما توفرت لديها أسباب الرخاء والتقدم، لذا فإن الرأسمال المالي يسلب من شعوب الشرق الأوسط هذه المعادلة، ليحايث أطراف التاريخ. من هنا تتصرف الإرادة الرأسمالية في أحتواء المعادلة التالية ( إرادة سورية، وجود أسرائيل، المفهوم المزيف للمقاومة لدى حزب الله وحماس ) من خلال أفتعال عاصفة هوجاء من المفاهيم ( القومية الصرفة، الشخصانية الضيقة ) التي مجها التاريخ وتجاوزها. وإلا ليخبرنا أحدكم، ما الذي جرى بين سوريا وأسرائيل في عام 1982 إبان الأجتياح الأخيرة للبنان. ثانياً لماذا أسرائيل متأكدة كل التأكد من عدم وقوع حرب أو عمليات حربية على الحدود السورية، ثالثاً لماذا كان للرئيس الأسد الأب ( إلى جانب شاوشيسكي وبرويز مشرف ) رقماً معيناً في منظمة دولية مشتركة، وهو الرقم 27. رابعاً لماذا يتهادن الغرب في قضية الشهيد رفيق الحريري، مع العلم إن التقارير الأمنية السرية لدى بعض الإدارات الغربية تؤكد ضلوع السلطات السورية في عملية الإغتيال. خامساً لماذا يتهاون الغرب في أستحواذ أيران للأسلحة النووية، مع العلم إنها متأكدة كل التأكد وأكثر من أيران ذاتها، من إن هذه الأخيرة سوف تمتلك تلك الأسلحة، بل نحن نعتقد أن الأمر قد أنتهى وأيران ملكت. سادساً كيف يمكن أن نتصور أن ( حزب الله ) أمسى أقوى دولة في المنطقة بعد أيران، وبمقدوره أحتلال ليس فقط لبنان إنما سوريا والأردن. سابعاً كيف يصرح الرئيس الإيراني بالقضاء على دولة أسرائيل، ويلتزم الغرب بالصمت، ما خلا تصريحات خجولة هنا وهناك. وثامناً وتاسعاً.. أليس هذا ما يريب!!. لكن بالمقابل، ليس الوضع قاتماً دامساً يثير التشاؤم إلى ما لا نهاية، لإن الفعلي الموجب يتصاعد وينمو، هوالآخر، ويتجلى في خمسة أبعاد أصلية حقيقية لاأرتياب فيها. البعد الأول: المقاومة الإيرانية التي تؤلف نزوعاً متقدماً في إعادة الموازين إلى التاريخي ومنعه من الأنفلاق. البعد الثاني: التجربة العراقية التي أنتصارها على الواقع المرير والأيادي الخبيثة المضرجة بالدم والعار والجريمة، هو أنتصار لكل فرد منا، أنتصار لكل شعوب المنطقة، أنتصار للعربي، للكوردي، لللآشوري، للماروني، للقبطي. وهو دحر للمشاريع المناوئة للإرادة الشرق. البعد الثالث: التطور والتقدم في ملامح الديمقراطية المتنامية في الخليج العربي، هي الدرع الحصين للحؤول دون أمتداد المشروع الفارسي وأستطالاته الديموغرافية. البعد الرابع: قوى 14 من آذار اللبنانية التي لامحيص من صمودها وديمومتها على أرضية ومعطيات أكيدة، كي يتحرر لبنان من الأحتلال الإيراني. خامساً: حل القضية الكورية في تركيا يضيق الخناق على الأمتداد الإيراني، ويمنح تركيا دوراً أعتدالياً في المنطقة. لذا نحن نعتقد، إن إدراك التكامل والتضافر ما بين هذه العوامل الخمسة هو أساس القضاء على حالة الأستلاب والأغتراب في المنطقة، هو أساس الولاء إلى شرق أوسط جديد، متصالح مع ذاته، متناغم مع أصوله وثقافته وتاريخه المشترك.
- آخر تحديث :
التعليقات