مقولة ( الكلام الفاضي ) الذي أشار إليه نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية دولة الكويت في وقت سابق و الذي علق فيه على ما يدور من أحاديث عن خطورة الدور الإيراني في الخليج العربي و الشرق الأوسط يبدو أنه ذو مضامين ستراتيجية عميقة و رؤية متقدمة جدا لما يدور من ملفات سرية و تفاهمات ستراتيجية خلف الكواليس لمستقبل المنطقة التي تمثل واحدة من أكثر مناطق العالم سخونة و تميزا و تصارعا ، فما يحدث اليوم من تطورات في الخليج العربي و العراق خصوصا ماهو إلا إشارة ودلالة واضحة المعالم لإستكشاف طبيعة إدارة الصراع الدولي و الإقليمي خلال المرحلة القادمة ، فنجاح الجهود و النتدخلات الإيرانية في العراق في الإلتفاف على نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي أظهرت توجها شعبيا عراقيا عاما لرفض الطائفية قابلتها تدخلات إيرانية في إعادة عجلة الطائفية من جديد و الإسراع في تشكيل تحالف سياسي وكتلة طائفية كبرى واضحة المعالم بمساندة من الطرف الكردي الذي لا يمكن أن يتحرك بدون إشارات خضراء من الغرب و من الولايات المتحدة بالتأكيد ، فتحالف الإخوة الأعداء أي جماعة دولة القانون ( الدعوة وشركاه ) مع جماعة الإئتلاف الوطني العراقي (المجلسيون والصدريون وحلفائهم ) هو تحالف طائفي ذو هوية شيعية واضحة المعالم و الزوايا و ألأهداف قد تم برغبة و تخطيط و إرادة إيرانية صرفة في ظل حالة واضحة من التراجع السياسي الأمريكي الذي عبر عن نفسه بصيغ شتى من خلال الإصرار على إدامة خطط الإنسحاب الأمريكي أواخر الصيف القادم و تسليم العراق للراية الإيرانية المقدسة بعد أن نجحت جهود عزل التيار الوطني المضاد للطائفية و محاصرته بإتهامات البعثية و المساءلة و العدالة وغيرها من الأمور رغم أن البعثيين موجودين في كل زوايا وخلايا الأحزاب الطائفية الإيرانية ، فجماعة المجلس الأعلى الإيراني و منظمة ( شهيد المحراب ) تضم عددا مهما من البعثيين كما أشرنا في مقالات سابقة ، كما أن ( التيار الصدري ) عامر بالبعثيين بمختلف أصنافهم ورتبهم و أشكالهم و ألوانهم! ، لذلك فإن الإتهامات المثارة ضد الدكتور إياد علاوي و كتلته هي إتهامات سخيفة وواهية وتقضح حقيقة توجه الأحزاب الطائفية ، وهنالك ملف أمني مهم قدمته المخابرات الإيرانية كعربون صداقة و تفاهم ( من تحت الطاولة ) للمخابرات الأمريكية قبل الإنسحاب الأمريكي الموعود من خلال تقديم المعلومات الإستخبارية الإيرانية عن قيادات القاعدة و أنصار الأسلام وبقية الجماعات الأصولية المخترقة من قبل المخابرات الإيرانية و التي أدت لنجاحات إستخبارية في إصطياد و قتل و أسر عددا من القيادات الأصولية كأبي عمر البغدادي و أبو حمزة المصري و بقية الرهط.. ولا زالت التصفيات و الملاحقات مستمرة.. ومع تثبيت الدور الإيراني الستراتيجي في العراف تتصاعد سخونة الموقف في الخليج العربي مع إستمرار الصراع حول الملف النووي الإيراني و تصاعد هستيريا المناورات الإستعراضية الأمريكية للحرس الثوري ( الرسول الأعظم ) و للجيش الإيراني القائمة حاليا و التي وصلت إستعراضيا لحد إعلان طهران إن طائراتها التجسسية قد تمكنت من تصوير حاملة الطائرات الأمريكية ( آيزنهاور )!! دون أن يتم إسقاطها من قبل دفاعات المارينز الجوية؟ ؟ و يترافق ذلك الإعلان مع إفتضاح أمر شبكات غسيل الأموال و النجسس الإيرانية التابعة للحرس الثوري في دول الخليج العربي كالبحرين و الكويت وتصاعد التوتر الحاد بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة على خلفية تصريحات وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان حول قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة في رأس الخليج العربي منذ عام 1971 ، و الحديث عن خلايا إيران السرية في المنطقة يأتي من باب تحصيل حاصل لأن النوايا و الأطماع الإيرانية لا يمكن تغطيتها و لا فرض النقاب عليها ، فإيران الحاضر لا تختلف أبدا عن إيران الماضي فهي شرطي الخليج العربي ) و كل ما أختلف هو حجم و كمية وطبيعة الشعارات الدينية و الطائفية التي تغلف روح قومية عنصرية شوفينية واضحة المعالم ، كما أن الإستخبارات الإيرانية موجودة في كل الزوايا الخليجية وذلك من طبائع الأمور ، و يبدو أن هستيريا الإستعراضات و المناورات العسكرية الإيرانية ليست سوى تعبير عن تفعيل ملف ستراتيجي خطير يتعلق بإنتشار إيراني واسع في المنطقة و تفعيل لملف الكيان الشيعي الكبير الذي سيكون هو الحاضر بقوة على المشهد السياسي الإقليمي خلال المرحلة القادمة ووفق سياسات تقسيم و تشظي واضحة المعالم تستهدف العالم العربي بدءا من العراق الذي تم إنهاء دوره بالكامل مع تسليمه للجماعات الطائفية التي تحاول اليوم تكوين حكومة عراقية جديدة تكون برئاسة أحد قيادات المجلس الأعلى ( الإيراني الهوى و الولاء و التأسيس ) ولربما ترجح كفة السيد عادل عبد المهدي لرئاسة الوزارة أو أن تؤول الأمور لكفة فتى المجلس الأول المدلل الرفيق باقر صولاغ، وفي جميع الأحوال فإن الولايات المتحدة قد زرعت و إيران قد حصدت!! و أينما تمطر في العراق فإن الخراج يذهب لصالح إيران و تياراتها!

ما وراء سياسة التراجع الأمريكية؟

ما يدور من أحداث و تطورات في الخليج العربي و الشرق الأوسط من إنحسار واضح و مريع للدور ألأمريكي ومن تقديم تنازلات مهينة للإندفاع العسكري و الإستخباري و السياسي و الإيراني يذكر المراقب المتمعن بفترة تاريخية سابقة هي أواخر الستينيات من القرن الماضي و التي أعلنت فيها حكومة هاورولد ويلسون العمالية البريطانية خطة الإنسحاب البريطاني من شرق السويس إعتبارا من عام 1968 و المتغيرات البنيوية و الستراتيجية التي أعقبت ذلك و تمثلت في إعادة حزب البعث العراقي للسلطة في العراق في صيف ذلك العام و حسم ملف الحكم الضعيف في العراق و قيام حكومة بعثية تكون بمثابة الضد النوعي و المشاكس لقيادة جمال عبد الناصر في مصر التي كانت تعيش أيام الغروب و الإنحسار!! ثم ما أتبع ذلك من تسليم إيران الشاه لمجموعة الجزر الإماراتية العربية الثلاث قبل أيام من إعلان إستقلال دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 و تسليم بريطانيا للجمل بما حمل للإدارة الأمريكية الجمهورية أيام ولاية الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون ، و من ثم سلسلة التطورات التراجيدية في المنطقة بدءا من حرب أكتوبر عام 1973 مع إسرائيل و إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان عام 1975 والتي سبقها تفاهم إيراني/ عراقي أدى لتصفية الجيب الكردي المتمرد في شمال العراق في مارس/ آذار عام 1975 ، قبل أن تأتي مرحلة الثمانينيات لتغير خارطة الأوضاع والتفاهمات بالكامل ، فالمنطقة تغيش اليوم على إيقاع متغيرات ما بعد مرحلة الحرب على الإرهاب و إحتلال العراق و تحطيم كيانه الستراتيجي و السوقي و إنهائه بلعبة الطائفية و العمل على تقسيمه على مراحل لدول ( سنستان و شيعستان و كردستان )! خصوصا و إن العراق بظروفه الحالية و بجزره الطائفية و بتمكن حزب الدعوة و المجلس من السيطرة عليه هو في حكم الساقط عسكريا وجنوب العراق لا يحتاج سوى لوجود قوات الحرس الثوري بشكل ظاهري ليكون محمية إيرانية وهو جزء من الخطة الستراتيجية الإيرانية التي تتوسع أيضا لتشمل السيطرة العسكرية على شمال الكويت و تهديد المنطقة الشرقية من السعودية بل و العمل على تقسيم المملكة العربية السعودية وهو الهدف النموذجي و المقدس للقيادة الإيرانية ، وفي ظل ذلك السيناريو الإرهابي الإيراني الطموح يبدو تراجع السياسة الأمريكية تحصيل حاصل ، فلن تكون هنالك ضربة عسكرية من أي نوع لإيران التي ستتقدم نوويا وكل الضجيج الدولي القائم حاليا ليس سوى ( كلام فاضي )... و ستراتيجية ( الكلام الفاضي ) الموجه ضد طهران هي سر قوتها و قد أثبت الشيخ الدكتور محمد الصباح عن علو قامة و تمكن و حرفنة في فهم محاور اللعبة و مقاصدها... وقد قضي الأمر الذي فيه تستفتيان... وويل للعرب من شر قد إقترب.