إلي جانب الإهتمام بزيارة جورج ميتشل لتل أبيب وبدء إدارته للمفاوضات غير المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطينيى والإستعداد لوضع العقبات في طريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتمييع أى تعاون جاد معها حيال الملف النووي الذي يعرف العالم كله عنه الكثير .. استعاد الشارع السياسي في إسرائيل مرة أخري صخب العداء العربي لها وسعيه لإمتلاك السلاح النووي وعدم رغبة نظم حكمه في تطبيع العلاقات معها ، من منظور أن ما سيتمخض عن التسويف علي مستوي ملفي التفاوض والسلاح النووي سيساهم بشكل ايجابي في تعزيز مسيرة المماطلة التى يرفع شعارها رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ نحو 14 شهر ..

الشارع السياسي الإسرائيلي غاضب علي ملك الأردن عبد الله الثاني لأنه قال كلمة حق عندما حذر في واشنطن منذ عدة أسابيع من عواقب أي إنفجار محتمل في المنطقة تُرتب له حكومة نتنياهو في الخفاء سواء علي الجبهة السورية او لخلق مواجهة مع إيران او بالتحرش مع حزب الله .. لذلك عادت إلي الواجهة الإعلامية تخاريف سياسية من عينة quot; انه يتقدم بالنصيحة وكأنه لا يعلم ان دولته أقيمت عام 1921 علي الجزء الأكبر من أرض فلسطين التى وُعد بها اليهود قبل ذلك بأربع سنوات quot; ..

في اعقاب هذه الفرية ، سارع الشارع إلي مبادلة الملك الاردني بنصحية موازية من عنده ، حيث حذره مقال في صحيفة إسرائيل اليوم من quot; عدم ضمان الثقة في بقاء المملكة الهاشمية في عصر تتلاشي فيه الملكيات الواحدة بعد الأخري quot; !! .. لذلك يجب عليه ان يفكر في كيفية ان تصبح quot; الأردن دولة فلسطينية المرتقبة quot; ..

يرفض الشارع السياسي والإعلامي في إسرائيل تأييد الملك الأدرني لقيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع ، ويعمدون إلي تزييف التاريخ ليقولوا أن أرض إسرائيل الإنتدابية ndash; التى كانت تديرها بريطانيا - قُسمت في واقع الأمر إلي دولتين لشعبين quot; يسيطر هو ndash; الملك عبد الله الثاني ndash; علي الأرض التى خصصت للفلسطينيين quot; ..

محاولة ليست جديدة لتزييف التاريخ والإصرار علي لي عنق الحقائق التى يعرفها العالم وتؤيدها تقايره .. محاولة يعرف الواقفون ورائها أنها لن تصمد طويلاً أمام التفنيد الوثائقي وما تسجله المواثيق ، وبالذات لدي الدولة البريطانية التى يدعون أنها قسمت شرقي الأردن وغربه بين شعبين ، لأن قرار التقسيم لم يُشر من قريب أو بعيد للمملكة الأدنية الهاشمية وإنما دارت كل بنوده حول أرض فلسطين العربية التى استولت عليها العصابات الصهيونية الوافدة من وراء البحار ..

وكما تسعي دولة إسرائيل الغاصبة منذ عقود طويلة لشراء تاريخ اليهود وفنونهم وآدابهم من الخارج للتدليل علي لها تاريخ وحضارة ، دون أن تحقق أي نتيجة عملية علي أرض الواقع .. تحاول كلما زادت عزلتها دولياً وإصطدمت بواقعها الذي يؤكد فشلها في العيش بسلام مع جيرانها ، أن تطرح مثل هذه التخاريف السياسية لشغل الرأي العام داخلها بها ..

من ذلك ما جاء علي لسان العميد يوسي بايدتس ndash; المسئول عن دورية إستطلاع الرأي التى تصدرها شعبة الإستخبارات العسكرية - أمام لجنة الشئون الخارجية والأمن بالكنيست مؤخراً من أن تلاشي دور دول محور الإعتدال في المنطقة من شأنه أن يدفع سوريا إلي الحائط ويربطها أكثر وأكثر بأيران quot; رغم أن السوريون يريدون السلام مع إسرائيل quot;.. وتفضل دمشق من وجهة نظره quot; النموذج المصري للسلام البارد معها عوضاً عن تصبح تابعاً لأمريكا quot; علي جميع المستويات مقابل عدة مليارات كل سنة ..

يري العميد يوسي أن الرئيس بشار الأسد يعرف جيداً أن مطلب إسرائيل الأساسي quot; في مقابل إستعادة الجولان quot; هو quot; طرد قيادات الإرهاب ووقف نقل السلاح إلي حزب الله وتحجيم العلاقات مع إيران إلي أدني مستوي quot; .. الأكثر من ذلك انه يؤكد quot; الأسد مستعد لدفع الثمن فوراً إذا حصل علي سلعته التى يطلبها quot; ..

هذه التأكيدات التي أتت في شكل عرض لتقرير واحد من أجهزة الأمن بإسرائيل تتوازي مع حملة تهريب سوريا صواريخ سكود إلي كوادر حزب الله التى أشعلتها حكومة نتيناهو وحفزت من خلالها البيت الابيض لكي يضغط علي دمشق ، بل هناك من ربط بين تأخير سفر السفير الأمريكي الجديد إلي دمشق وبين التفسيرات التى طلبتها واشنطن حيال هذا الموضوع .. ما يدل علي أن محاولات إستخدام ورقة العلاقات الإستراتجية بين إيران ودمشق لفصم العلاقة بين النظامين الحاكمين تأخذ مستويات متعددة ..

وهو نفس ما تمارسه تل ابيب أيضا مع المملكة الأردينة الهاشمية من إثارة لعوامل الفرقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني ، وتقديم رؤية مختلقة للتاريخ وتسريب الإختلاقات التاريخية والتخاريف السياسية التى لا تخضع للمنطق ..

من ذلك ما تردد في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً من التفتيش حول أهداف السعودية من وراء خلق بنية تحتية نووية ، بعد المرسوم الذي أصدره خادم الحرمين الشرفين لإقامة هيئة علمية مدنية لبحث وتطوير الجوانب المتعلقة بهذا الميدان .. وتشعب الأمر بينهم لدرجة القول أن فحص الرياض لكافة الخيارات المتاحة سيصب في نهاية المطاف في عدة سيناريوهاتأافضلها quot; التعاون مع باكستان في هذا الخصوص quot; ..

هذه الخلاصة قاد إليها مدير الإستخبارات العسكرية السابق أهرون زئيفي فركش ، حيث قال عام 2003 أن السعوديون يجرون إتصالات مع باكستان quot; لشراء رؤوس نووية quot; ، علي خلفية أن الرياض quot; هي التى تقف خلف برنامج تمويل البرنامج النووي والصاروخي لباكستان !! .. من ناحية أخري بلغت تحليلات الإعلام مستوي يؤكد أن الولايات المتحدة مستعدة لغض الطرف عن نصب سلاح نووي في المملكة quot; دون أن يكون في ذلك خرق للإتفاقية التى وقعت عليها السعودية في هذا الخصوص quot; وطالما أنه quot; سيكون تحت السيطرة الباكستانية في كافة الأحوال quot; .. الأكثر من ذلك أنه سيكون quot; موجه في المقام الأول لإيران quot; ..

مثل هذه التخاريف السياسية والإعلامية من شأنها أن تزيد من تطرف المجتمع الإسرائيلي في نظرته إلي جيرانه العرب وأن تُصعد من مخاوف الإفناء التي يلعب عليها اليمين المتشدد .. ومن ثم تفتح الأبواب لمزيد من ضغط الرأي العام الداخلي الداعم لعدم التفريط في الأراضي المحتلة مما يدفع حكومة نتنياهو إلي الإحتماء إلي آخر الطريق بما يفرزه ndash; هذا الضغط المصطنع - من شعارات وإدعاءات تحض جميعها علي عدم تقديم تنازلات للفلسطينيين بأي شكل من الاشكال ..

اشاعة دعاوي الوطن الفلسطيني البديل في الأردن .. وترديد تفضيل سوريا لعلاقاتها مع إيران بدلاً من بناء سلام مع إسرائيل .. التهويل من شأن إهتمام السعودية ببناء هيئة حكومة مدنية للبحث في جوانب الطاقة .. كل ذلك يتفق تخطيطاً وتنفيذاً مع نهج نتنياهو ومن وراءه اليمين الإسرائيلي المتطرف فيما يتعلق بفرض وجهة نظر إسرائيل العنصرية الرامية للإحتفاظ بما تحت يدها من أرض محتله والداعية إلي الحصول علي سلام مع الدول العربية دون مقابل ..

في شهر سبتمبر عام 2005 كتب عافر شيلح بصحيفة يديعوت quot; الإستخبارات الإسرائيلية تعمل دائماً علي الترويج أن العرب ليس لديهم منطق quot; !! وبعده كتب يارون لندن بنفس الصحيفة في يناير 2006 quot; إكتشفنا بعد سنوات كثيرة أن المفاوضيين الإسرائيليين هم الكذابون وليس القادة العرب quot; ..

استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]