حزب العدالة والتتنمية التركي بزعامة السيد رجب طيب أردوغان صار يحكم تركيا مايقارب من سبع سنوات. ألغى في البداية حالة الطوارئ في المناطق الكردية. بالمقابل أوقفت حركة التحررالكردية النار مرات عديدة وفي أكثر الأحيان من طرف واحد. تحسنت الأوضاع وإستتب الأمن وساد السلام الحذر لسنوات. هذه الأجواء فتحت المجال أمام حكومة اردوغان لتطورٍ إقتصادي مذهل، حيث تمكنت السلطة من القضاء على الفساد والمافيات التي كانت قد تعشعشت في جسد الدولة وفي السنتين الأخيرتين بدأت بتقليم أظافر العسكر وعصابات الدولة السرية التي كانت تمتص دم الشعب المسكين. السيد اردوغان أصابه الغرور وظن أن في مقدرته القضاء على حركة التحرر الكردية وتمادى في خطأه بإلقاء السياسيين الكرد في السجون والتضييق عليهم ومنعهم من ممارسة السياسة، ولم يحترم وقف إطلاق النار، بالعكس تماماً من وعوده المعسولة بـ quot;الإنفتاح الكرديquot; سابقاً. منذ أسبوع أو أكثر بدأت المعارك من جديد وأجهزة التلفزة تنقل يومياً مراسيم جنازات الجنود (كلهم من أبناء الفقراء وفي خلال ربع قرن من المعارك لم يُقتلْ أحد من أبناء الضباط أو الوزراء أو البرلمانيين، بل إن أحداً من هؤلاء لم يخدم في المناطق التي تقع في الشرق من أنقرة) القتلى في كل المدن التركية. الأحزاب القومية العنصرية تستغل تلك المراسيم لتوسم السلطة بالعجز والجُبنْ. همها الوصول الى الحكم ولو كان على دماء الجنود. نائب رئيس الوزراء جميل جيجك صرح اليوم وقال: تركيا تتطلع الى الدول الحليفة والصديقة لتقديم المساعدات للقضاء على quot;الإرهابquot;.! قبل فترة كانت تركيا تسعى الى حل مشكلة غزة ومعضلة البرنامج النووي لملالي طهران. اليوم تتضرع تركيا الى الغير في طلب العون وفي شأن داخلي.....يال لها من سخرية القدر. إستفحل الغرور بأردوغان وظن أنه يسوق شاحنةً ضخمة جداً وأن طرق ومواصلات الشرق الاوسط وتركيا باتت تضيق به. قفز فجأةً الى الاوتوسترادات الدولية الى جانب الشاحنات الامريكية والاوروبية والصينية......الخ معتقداً أنه سيحل قضية فلسطين رغم أنف كل العرب ودولهم، لكنه وبغمضة عين وجد نفسه راكباً يقود سيارة quot;بيك آبquot; بثلاثة دواليب ماركة هوندا. الشاحنات الكبيرة كادت تدهسه ولذلك قفل راجعاً الى بلده ولكن ليس الى أنقرة وإنما الى مدينة هكاري والمنطقة الكردية ليلعق جراحه ويعرف حجمه آثراً السكوت. (هذه الصورة أخذتها من مقال للشاعرمحمد الماغوط في السبعينات في جريدة المستقبل ولكن الموضوع كان البعث ومشتقاته). وزير الخارجية السيد داود أوغلو كان من النادر أن يبقى عدة أيام في وطنه تركيا بسب كثافة عمله في الخارج. بعض الصحف كانت تقول quot;داود أوغلو وصل اليوم الى تركيا بزيارةٍ رسمية....الخquot; كنايةً عن نشاطه الكبير كوزير للخارجية خارج البلاد. اليوم شاهدت الوزير نفسه في التلفزيون وهو كئيب ومحطم ويتكلم بصوت مخنوق. هذا ليس بالأمر الغريب لدبلوماسي ناجح هوى أرضاً واقعا من ناطحات السحاب الى وحول مستنقعات حرب داخلية ثبُتَ فشلها طيلة ربع قرن وذلك نتيجة سياسات اردوغان الخاطئة. الوزيرفي حيرة من أمره ويخجل من مقابلة الآخرين. هذه هي الصور التي تظهر فيها تركيا في حالة السلم وبالضد منها حالة الحرب. مقتل الشباب الأبرياء وهدرالدماء لن يفيد أحداً. الآمال لازالت كبيرة في عودة السيد اردوغان وحزبه الى درب الحكمة والتعقل الذي سارت عليه سابقاً. حل القضية الكردية ستعجل من تحويل تركيا الى دولةً عظمى ويستفيد منها الكرد والترك سويةً. الحل يكمن في الجلوس مع حزب العمال الكردستاني(ب ك ك) بزعامة السيد عبدالله اوجالان.ذلك الحزب الذي حاز على أصوات الملايين من الكرد في الإنتخابات. الأصوات التي تنادي بهذا الحل تزداد يوماً بعد يوم في تركيا، لاسيما في أوساط المثقفين والصحافيين وعالم الفكر والجامعات. أكثرالأسماء إثارة في هذا المجال هو إسم السيدة نازلي ايليجاك. نازلي غنية عن التعريف في تركيا. هي الصحفية التي وقفت في وجه كل الحكومات لعدة عقود غير عابئة بالنتائج. تؤمن بالفكر القومي والإسلامي المعتدل. في عالم الصحافة هي محسوبة على حزب اردوغان ولكنها جريئة في قول الحقيقة حتى لو كان ضد اردوغان وحزبه. في بث مباشرعلى إحدى القنوات التلفزيونية جرى الحديث التالي مع السيدة نازلي: المذيعة:هل أني فهمت أقوالك خطأً أم أنك تعنين الجلوس مع ب ك ك؟. المذيعة لم تصدق أذنيها وعلى الطرف الآخر للخط السيدة نازلي صاحبة الفكر القومي. نازلي:أنا أقول ذلك تماماً. إذا أردنا التقليل من عدد شهدائنا،علينا إتخاذ بعض التدابير. لقد بدا واضحاً أن لا حل بدون ب ك ك. السلاح بأيديهم ويريدون العمل في مجال السياسة، بالإضافة الى إمكانية التوصل الى إقامة منزلية أو ما شابه للسيد أوجالان بدلاً من السجن. ثم أردفت: ألم يقل السيد يشار بيوك آنت، رئيس هيئة الأركان السابق، أننا لا نستطيع الإنتصارعلى مقاتلي ب ك ك في جبال قنديل حتى لو إستعملنا كل إمكانيات الدولة. يبدو أن امريكا واسرائيل لم تعودان تزودان الجيش التركي بالمعلومات الإستخبارية عن تحركات المقاتلين الكرد، مثلما كان الامر عليه على مدى الأعوام السابقة......ولكن لا ننسى المعارك الكبرة التي دارت في منطقة (زاب) وإنتهت بهزيمة الجيش التركي بالرغم من كل المعلومات التي حصلت عليها تركيا من تلك الدولتين. رجع اردوغان ومعه الدولة التركية الى المربع الأول بكل أسف......لقد ضاع ربع قرن سدى...
إذا أردنا حل القضية الكردية في تركيا، لابد من الجلوس مع حزب العمال الكردستاني. قالت نازلي.
- آخر تحديث :
التعليقات