لأنني ليبرالي احترم العقل والعلم والمعرفة.. اشعر ان محاربة كرة القدم واجب اخلاقي على العقلاء الذين يرفضون اختلال موازين القيم ومنطق الحياة ومنح الأهمية للأمور الهامشية التي لاقيمة فعلية لها.

بدأت علاقتي بكرة القدم قبل حوالي 37 عاما لاعباً في الفرق الشعبية ثم مشجعاً مهوّوساً وبعدها تحولت الى كتابة المقالات والتعليقات في منتديات كرة القدم بشكل شبه يومي وبأسماء مستعارة، ولم أكتف بالمشاهدة والكتابة فقط، وانما تصاعد الأمر الى قراءة الكتب والمقالات المتخصصة في كرة القدم، وللأسف اشغلتُ فكري ووقتي بعشرات اسماء اللاعبين والمدربين والفرق والاحداث والتواريخ التي اخذت مني الشيء الكثير من دون أدنى ضرورة أو سبب منطقي!

ومثلما أكثركم يقوم بالتدخين بسبب الادمان وفي نفس الوقت يكرهه.. أنا ايضا مدمن على كرة القدم وفي نفس الوقت أكره الأهتمام بها، وادعو الى محاربتها ليس من باب الانسجام مع افكار القوى الظلامية الدينية المتخلفة، ولكن من باب أحترام العقل والعلم، فجنون كرة القدم لعباً وتشجيعاً تجاوز طور الترفيه عن النفس، ودخل طور التعدي على الموازين الاخلاقية والمعايير الحقيقية التي يجب ان تسود في الحياة.

ومن أهم مظاهر الخطر الذي تشكله كرة القدم على المجتمعات هي:

- صعود بعض المراهقين الصغارمن ابناء الشوارع فشلوا في التعليم ولايمكون ادنى ثقافة... صعودهم الى سلم المجد والشهرة ويدفع لهم عشرات الملايين من الدولارات، واصبح ما يتقاضاه اللاعب الواحد من اموال يفوق رواتب عشرات العلماء والمفكرين!

- خطورة ان يصبح لاعب كرة القدم نموذجا وقدوة للشباب.. تصوروا حجم الكارثة ان بعض لاعبي كرة القدم من ابناء الشوارع الذين فشلوا في كل شيء، وبعضهم تلاحقهم الفضائح الاخلاقية وادمان المخدرات وغيرها.. تصوروا خطورة ان يصبح هؤلاء قدوة يحاكي سلوكهم الشباب المراهقين ويتمنون ان يصلوا الى مستواهم في ترك الدراسة والعلم والمعرفة والتسكع على امل ان يصبحوا نجوماً في كرة القدم.

- ربط سمعة الوطن بأقدام اللاعبين.. فقد وصل الأمر الى درجة ان يعزف السلام الوطني للفرق وتربط سمعة وكرامة الوطن وتاريخه وحضارته بأقدام اللاعبين لدرجة ان دولة عظمى مثل فرنسا تهتز وتستفز كرامتها بسبب خسارة فريقها في كأس العالم ويدعو البرلمان الى جلسة عاجلة لمناقشة هذا الحدث، ونسيت فرنسا ان عظمتها الحقيقية في ما تملكه من حضارة وعلم وآداب... وليس في أحذية لاعبي كرة القدم!

- المشاعر العدوانية التي تنتجها مباريات كرة القدم.. فكل فرحة بمناسبة الفوز هي فرحة بهزيمة الفريق الخصم واحزانه، ولاأدري ما هي ضرورة هذا الشحن الجماهيري الجنوني والمشاعر العدوانية التي تصاحبه في قضية بائسة مثل كرة القدم؟!

لهذه الأسباب وغيرها لابد للعقلاء من محاربة كرة القدم وتحجيمها، واما بخصوص اهتمام ملايين الناس بها فهذا لايعني انه الخيار الافضل لهم، فقوانين علم الاجتماع تقول: ان السلوك الجمعي هو سلوك غير عقلاني... ولابد من ترشيده وتوعيته بالنقد والاجراءات العملية.

أكتب هذه الكلمات من باب النقد الذاتي الى نفسي أولا، وأكرر مثلما ان الأدمان يدفعكم للتدخين رغم كراهيتك له، فأنا ايضا ادماني على كرة القدم يدفعني لمتابعتها للاسف الشديد!

[email protected]