بدأت الحرارة بماراثونها الصيفي وفي الوقت الذي يتهيأ فيه الكثير من الناس إعداد حقائبها لقضاء إجازة الصيف يبادر رجال السياسة وزعماء القبائل والدول إضرام نيرانا جديدة في شوارع ودروب جغرافيات ما بات يدعى الشرق الأوسط.

ففي الوقت الذي يشرف فيه الفيلم التركي على نهايته الباردة دراميا والمخيبة لصاحب البطولة، رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، حيث وجد نفسه على حين غرةٍ من التاريخ ومخططات، أحمد داوود أوغلو، وزير خارجيته، والعقل المخطط لتدبيراته، عاريا أمام أمواج أكثر علواً من قامته، فلا هو أصاب خصومه، الجنرالات الترك، بحرب صراخية على إسرائيل، جرياُ على العادة العروبية الإيرانية، ولا اثبت لجمهوره من الحالمين بعودة المنقرضات إلى الحياة، بأنه الخليفة المنتظر الذي سيبث الروح في جثة الباب العالي، ولا هو بقادر على الاستمرار في دور البطولة في الأجزاء الأخرى ليكون جديرا بمنافسة نجوم الدراما التركية الغازية quot; مهند ويحي quot; لبيوتات أبناء مستعمراتهم السابقة، فمصالح الدولة التركية مع الدولة الأقوى في الإقليم، إسرائيل، أكثر أمانا من كل رهانات أوغلو المجتهد، وتقاسم كعكة الدور الإقليمي معها، ينتهي بزقاق مسدود، حاجز السد فيه هو ذاك المدعو بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وتفريخاته الجهادية الانتحارية.


هكذا يكون حكاية الاسترجال التركي قد قاربت فصولها الأخيرة، رغم المحاولات البائسة في ربط ما لا يربط من معادلات، كمحاولة رمي هزيمة الفشل على رقبة الضحية المستديمة،الشعب الكردي تحت ذريعة استهداف المسماة حزب العمال الكردستاني، واتهامها بتلقي الدعم من إسرائيل، رغم إن إسرائيل هي ذاتها من ساهمت بدور رئيسي في أسر زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، الذي غدا وبفعل الفاشية المستديمة في العقل السلطوي لأبناء الخلافة العثمانية إلى أشبه بنيلسون مانديلا الشعب الكردي بعد مبادراته السلمية المتواصلة لوقف جريمة الإبادة البشرية التي تتواصل بدم بارد بحق الأكراد.

من زاوية أخرى يرى أحدهم، أن رجب طيب أردوغان، قد تورط من حيث لا يدري، كتكرار أبدي للعنة التنفيذيين في التنظيم العالمي، خارت قواه وبات ينظر إلى المستقبل بعين ميتافيزيقية بحتة، فقد أدرات الوقائع على الأرض ظهرها له، ولم يبق له إلا أن يسارع إلى درج مكتبه القديم وتحديدا في ملفاته القديمة حين كان واليا على اسطنبول، أوراق صفراء على علاقة بمسألة فقه سد الذرائع، علها تنجيه في خطوته ما قبل الأخيرة، فموازين القوى في دولة الجنرالات تنذر ولا تعذر، كل خروج عن فقه أتاتورك quot; أبو الأتراك quot; محسوب في دفاتر أولي الأمر، والجنرال بطبعه يمهل ولا يهمل، حين تشد يرخي قليلا ولكنك حين تفقد قوتك وتتراخى، تعود إليه كل قواه الخفية والعنيفة، وأما القائمون على أوامر التنظيم العالمي، فأردوغان أدرى بأنهم جماعات مصالح ونفوذ وأموال تجري في الاتجاهات وحسب رياح البورصات والأسهم وفقه سد الذرائع الذي يعمل ليلا ونهارا ومنذ ولادته وولادتهم في صحاري العرب لصالحهم، ينبت هناك بقوة أبعد ما تكون عن الماورائيات التي لا تغني ولا تشبع مع المعدوم أو المقبل على الهاوية، صلاة السقاية ليست أقوى من توقعات النشرة الجوية في كل الأحوال، كل ذلك من جهة ومن جهة أخرى، صناديق الاقتراع في تركيا لا ترحم، أما الإعلام، تلك القوة ذي العضلات المفتولة، فهو ملك لسلاطين الزمان، حاملي الرتب والنياشين على أكتافهم وصدورهم،الثقوب في أردوغان، المدفوع بالتزاوج القسري بين العلمانية والإسلام السياسي، الطبعة التركية من الناصرية، لا تعد ولا تحصى، والمسألة لا أكثر من رؤوس أينعت وحان قطافها، ولم يساهم أحد على نضجها بقدر أندفاعها خلف نارٍ أهلكت قبله شخوص أكثر قربا منه للقضية ذاتها، وأقصد قدس الأقداس وأرض فلسطين المتصارع عليها عبر التاريخ من طرف أبناء الديانات السماوية، فقد اختبر جمال عبد الناصر الدرب نفسه، ومن بعده حاول كثيرون ولم يكن آخرهم، المحفور له، صدام حسين، حتى أن هذا الأخير اختبرها بالمال الذي يسيل لعاب التاجر التركي له وبالصواريخ التي لم ولن تخطر في بال السيد أردوغان وعقله التنظيري داوود أوغلو.

حركة حماس الحاكمة في دشرة غزة، المحاصرة بها ولها، طارت فرحاً بربع الخطوة التركية وفسرت الماء بعد الجهد بالنفط، جريا على الخلط المفاهيمي في الجغرافيات الممتدة في تلك البقاع، كاد المستريب يقول هذا أنا فخذوني، سرعان ما خرج زعيمها خالد مشعل ليقلد أحمدي نجادي بحرق إسرائيل وبدأ فيلم التغني بالانتصارات على العادة الناصرية، التنظيم العالمي برجالاته المقتدرين بنفثون في رماد الجثة الفلسطينية، فالاسهم والبورصات بدأت بالتحرك، ولكل شيء ثمن، وإذا كان رجالات الحزب الحاكم في مصر قد أغلقوا النوافذ على المتنفذين في التنظيم وكادوا أن يخنقوا الأرقام والحسابات واتجاهات اسهم البورصات بذريعة الحدود الشرقية ومعبر رفح وميناء العريش، فأن الكبش التركي وفي نظر أولي أمر التنظيم العالمي، حلال أكله إذا تم ذبحه على الطريقة الإسلامية وما على المؤمنين هنا إلا أن يصلوا على روح الميت، والصلاة واجب وفرض كفاية ومنبع دعاية لا تنضب في هذه الحال، حتى إن كان على ظهر الكبش التركي المذبوح بأناقة اللامرئيين من رجالات التنظيم، ورقة إحلال الولد في محل الوالد، والتوريث في الفقه حلال غير مشكوك فيه، ذكرته الكتب الأولى، ولنا في الأولين قدوة حسنة، وما على أبناء المشجب إلا الصبر والسلوان وإن الله مع الصابرين وطالما أشبعتهم الشعارات، ولكل جواد كبوة سيكون مبررهم بعد فوات الأوان دونما أي اعتبار لامكانية الشك في الغارق في النهر ذاته وفي المكان نفسه بأنه مدمن للغرق غير مدفوع عليه، أما الحليف الإيراني فمعذور بانشغاله هذه الأيام فعبئه ثقل وبات أكثر من طاقته على الاحتمال، وما على حماس إلا البحث عن مصدر بديل ولو مؤقتا، ومن الممولين رجال التنظيم العالمي منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

بينما تجد حركة حماس بديلا عن الذين يبدلون وجهة سيرهم حسب اتجاه حركة البورصات عبر البحار والحدود، يحاول الشريك المستتر والمنافس العلني لرجالات أعمال التنظيم العالمي في قاهرة المعز، أن يلملم أوراقه جيدا بعدما حصل على نصيبه من جرعات القوة على حساب ضعف المنافسين الإقليميين الإيراني والتركي، لكنه وكعادته لا يريد استثمار جرعات القوة الإضافية في أعمال تؤدي إلى إصلاح الحال الداخلية وتعزيز موقعه الإقليمي في المنطقة الأكثر توترا في العالم بل اتجه عكسا إلى استثمار اللحظة لإجهاض أي حراك داخلي وتأطير كل جهودها من أجل الوصول إلى غايته في تسهيل عملية انتقال السلطة من الأب إلى الابن بعد رحيل الأول.

كل الأوراق الإقليمية تقع في هشاشة التقديرات رغم مرور السياسة الإسرائيلية في أحد أكبر أزماتها بفعل ليبرمان العاجز عن تحقيق أية خطوة ولو في سبيل الدعاية وذر الرماد في العيون في طريق توضيح أحقيتها في الوجود كدولة قائمة وسط مستنقع من شبيهات الدول.