بسيط كابن بلد، وصاحب نكتة كأي صديق خفيف ظل، هكذا كان نصر حامد أبي زيد عندما التقيته، ونحن نحضر للقاء تلفزيوني، استمر ساعة ونصف الساعة كان نصر حامد أبي زيد، ابن الحياة...

quot; قال له المصور: أستاذ يجب أن تغير القميص وربطة العنق، لأنهما لا يلاءمان الاستديو عندنا...!
ضحك وقال له: ناوي تخرب بيتي ستشاهدني المدام وتقول: أين بدلت قميصك وربطة عنقك؟ وتبئى الحكاية معئدة.... قلنا له نتشفع لك عند المدام لا تخفquot;
لا تعجرف المثقف، ولا إدعاء المفكر...كان كما يقول شاعرنا السوري الراحل رياض الصالح الحسينquot;
بسيط كالماء واضح كطلقة مسدسquot; هكذا تلمست نصر حامد أبي زيد..

يقول نصر حامد أبي زيدquot;الكارثة الآن أنّ الدولة، بنظامها السياسيّ الديكتاتوريّ القمعيّ، تتبنّى نفس النهج؛ فتزعم أنها دولة إسلامية، وتحرص في صياغة قوانينها على الحصول على موافقة المؤسسة الدينية. بل وتتبنّى في نظامها الاقتصادي مفاهيم quot;الاقتصاد الإسلاميquot;، الذي يحتلّ ركنا خاصا داخل كلّ البنوك. وصار هناك الزيّ الإسلامي، والشعار الإسلامي، والبرامج الإسلامية، في الإذاعة والتليفزيون، وصار بعض الناس يحملون لقب quot;المفكّر الإسلاميquot;. الخطر هنا في هذه الأسلمة، التي لا هدف وراءها سوى سحب بساط احتكار الإسلام من تحت أقدام المعارضة. يمكن القول باختصار أنّ النظام السياسيّ يسجن نفسه في خندق المعارضة الإسلامية، وهو يظنّ أنّه يحاربها. لقد انتصرت بأسلمة المجتمع والدولة، دون الوصول إلى السلطة. وهذا يفسّر حالة التراوح في تقديم برنامج سياسي لخوض الانتخابات من جانب المعارضات الإسلامية. إنّ شعار quot;الإسلام هو الحلّquot; كاف ما دام النظام السياسي يحوّل الشعار إلى سياسةquot;

جدلية السلطة والإسلام السياسي، لم تكن غائبة عن منظور أبي زيد، كانت عنوانا وحدثا، يحتاج إلى تفكيك ونقد مستمرين..هذا ما ميز نصر حامد أبي زيد عن علمانني المنطقة، وخاصة الجدد منهم، محورية دور السلطة السياسية في إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع على شاكلتها، وإن لم يكن على شاكلتها فأقله مجتمع يضمن استمرارها كسلطة عيانية، لم يركب نصر حامد أبي زيد موجة، إدانة المجتمعات الإسلامية وتبرئة سلطها السياسية.
في هذا المقطع يوضح نصر حامد ابي زيد علاقة السلطة بمصر، بالإسلام الراهن كمنتج سياسي أولا وأخيرا... وهو بات منتج سلطة..ويعمم الحالة عربيا تقريبا، لأنه كان يدرك أيضا أن السلطة السياسية في عالمنا العربي لادين لها، ولا قانون..هكذا باختصار، لأنها سلط ديكتاتورية مع حفظ الفارق بين سلطة وأخرى، في آليات إنتاجها للإسلام سياسي متوافق مع حصانتها...لهذا لم يكن الإرهاب الإسلامي بالنسبة له وليد ثقافة مجتمعية، بل هو وليد شرط سياسي منتج سلطويا...

أعتقد ان خطأ نصر حامد أبي زيد، هو محاولته الدخول على خط التفسير التأويلي أو التأويل التفسيري لبعضا من النص القرآني، مستلهما شيوخ النهضة الحداثية في مصر، ومحاورا لتأويلات راهنة لهذا النص، لدى كثر من المفكرين الذين لازالوا أحياء..فهل كان مطلوب من ماركسي في عمقه أن يصبح شيخ دين معاصر حتى يتسنى له أن يصل إلى مريديه، أم أن الهم النقدي أخذه نحو حقل التأويل هذا...؟

كان يصر أبي زيد على الشرط الاقتصادي الاجتماعي للسياسة ولمنتجاتها عربيا. ويصر أكثر على دور السياسية في إنتاج وإعادة إنتاج هذا الشرط الاقتصادي الاجتماعي المولد لكثير من الظواهر بما فيه ظاهرة الإرهاب الإسلامي.

كان يدرك أكثر أن معركته لم تكن مع إسلام تقليدي متوارث، بل مع جاهزية سياسية راهنة، وهذا ما أعطى لتجربته النقدية ميزة، في تناوله لإشكالية العلمانية من منظار، دور السلطة السياسية في تشويه العلمانية ودورها في إنتاج مفهوم للدولة والمواطنة، وبالتالي مأسسة للدين غير خاضعة لفساد المستوى السياسي.
لهذا بقيت السلطة السياسية تمثل بؤرة الحدث النقدي بالنسبة له، لأنه كان مقتنعا، بأن لكل فكر سلطته، ولكل سلطة ثقافة تناسبها، لدرجة أنه كان يتحسس من quot; السلطةquot; أية سلطة...!

كان يدرك تماما أن الغرب ليس لحظة حرية فقط، وليس لحظة ضدية او تفاعلية مع الإسلام السياسي أيضا، بل هو جملة من المصالح التي لا ترحم في أحيان كثيرة لاشعوبا ولا حضارات.
هذا بعضا مما تلمسته لدى الراحل وأرجو أن أكون أمينا لفكره في تلمسي هذا.
سيكون لنا عودة...