المعارضات والأنظمة الاستبدادية في العالم العربي تعددت الألوان والوجه واحد

في حقبة السبعينيات، حين كانت الأحلام أكثر رومانسية من أيامنا هذه، كان على المعارض في دنيا العرب، أحد خيارين، إما سنوات سجن لا تنتهي، تضعه في مرتبة القديسين في عين الغالبية الصامتة، أو منفى اضطراري، على نية أن يكون سندا حقيقيا لرفاق دربه الصامدين في الداخل و للقابعين في زنازين وسجون الاستبداد وذويهم، لا يهدأ له بال ولا يرف له جفن، هكذا كانت الحال في خطوطها الرئيسية، كان هاجس ملاحقة أجهزة الديكتاتور الأمنية تلاحق المعارض أينما حل، وما أكثر ضحايا تلك الفترة من خيرة المثقفين المعارضين على يد أذرع الأخطبوط الأمنية، في زمن كانت الأحلام أكثر رومانسية والخيارات أكثر وضوحا، حينها كنت تجد في عواصم الغرب و العرب على حد سواء، معارضين من شتى الأصناف والانتماءات، وكان لكلمة معارض رنينها وألقها في أعين الغالبية، وكانت لصفة مناضل جرسها الحالم في الآذان، يحلم بها الجميع ولا ينالها إلا الضالعون في خدمة الأحزاب والمنهكون في سبيل تحقيق برامجها، أيا كانت تلك الأحلام وأنا كانت تلك البرامج، لكنه زمن ماضٍ وما مضى لا يمكنه أن يعود.


كانت دمشق وجهة للمعارضين العراقيين على محتلف مشاربهم، ووجهة للمعارضين الأريتريين والصوماليين والسودانيين وقلة من المصريين والتوانسة والمغاربة quot; من جماعة البوليساريو وبعض البعثيين التابعين لبعث سوريا quot;، فيما كانت بغداد وجهة للمعارضين القوميين العرب السوريين وبعض رموز حركة الإخوان المسلمين، وبعض القوميين العرب من مصريين وليبيين ومغاربة وجزائريين quot; طبعا معظمهم من جماعة البعث الصدامي والضالعون في سبيل الدنانير quot; ومركزا للتجمعات الفلسطيينية المقاتلة على مختلف مشاربها، فيما احتوت طرابلس الغرب شتى الحركات quot; الثورية quot;، كما كان يطلق عليها في ذلك الحين، من الجيش التحرير الإيرلندي إلى الألوية الحمراء الإيطالية مرورا بالباسك والفارك وجبهة تحرير المورو وما خطر في بال أحد أن يعارض بلاده معارضة مسلحة إلا ووجد ضالته في جمهورية اخرى. وكان المسموح الوحيد والمشترك في تلك البلاد أن تعارض ما شئت من أنظمة إلا النظام الذي يحتضنك، في عواصم لا تسمح لسكانها بمجرد التفكيرفقط بحقوقهم.


كانت ثقة المستبد العربي بجحافل قواه الأمنية لا حد لها، لذلك لم يخش النظام السوري مثلا من أي امتداد للأفكار الثورية للحزب الشيوعي العراقي بأجنجته المتشعبة على السوريين ولا من مكتب الحزبين الكرديين، الديمقراطي والاتحاد الوطني على ملايين الكرد في سوريا،ولا صيحات الله أكبر التي تطلقها جماعات الإخوان المسلمين في بغداد كانت تترك أثرا ولو خفيفا من الخوف أو الحذر في صدر النائب الذي أمسى رئيسا صدام حسين كانت الثقة بالنفس تأخذهم إلى أبعد من ذلك، حين تطورت الأمور وباتت معسكرات التدريب على السلاح لبعض الجماعات المعارضة والمختلفة كليا مع نهج الأنظمة الاستبدادية واستراتيجياتها على أطراف العواصم، ومكاتبها في الشوارع الرئيسة لعواصمها كما حال معسكرات حركة الأخوان المسلمين على مشارف بغداد وبجانبها معسكرات الأحزاب الماركسية الإيرانية ومعسكرات حزب العمال الكردستاني في أطراف دمشق و مكاتب الحزب نفسه في وسط دمشق وتقوم بمهام الفروع الأمنية في محاكمة الكرد المختلفين مع أفكار الزعيم الأسير حاليا في سجن إيمرالي، فهل كانت الثقة بالأجهزة الأمنية هي الدافع الوحيد أمام ذلك الانفتاح الغريب للأنظمة الاستبدادية العربية على معارضات علمانية ودينية لأنظمة شبيهة لها ؟ أم أن خلف الحكاية ما خلفها ؟!

تقول أحد البديهيات الفلسفية أن المقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة حتما، وإذا قلبنا وخففنا تلك البديهية، نستطيع القول أن النتائج الكارثية ليست إلا بنت من بناتاللمقدمات الخاطئة، فمن يراهن على حصان أعرج لن يكسب الرهان أبدا إلا إذا كانت باقي أحصنة السبق كسيحة،وما نراه اليوم من حال المعارضات الأنفة ليست إلا نتيجة من أحد أسبابها ذلك الالتجاء، الذي كان في معظمه قسريا لأنظمة استبدادية عربية وسنحاول قدر الإمكان تفصيل كل حال على حدا :

الحالة السورية : حين نفذ الرئيس الراحل حافظ الأسد انقلابه في العام 1970، سارع في زج معظم قيادات الصف الأول لحزب البعث الحاكم في السجون، حيث كانت قيادة البعث حينها في غالبيتها من صف الخصم الراحل بعد مدة سجن 22 عاما، صلاح جديد، فيما ترك بعض القيادات لأسباب عائلية وطائفية بحتة، تتعلق بثقل العائلة ضمن الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس ومن ضمن هؤلاء، كان وزير خارجية سوريا قبل الانقلاب، الدكتور إبراهيم ماخوس، عضو القيادة القطرية، الذي توارى عن الأنظار مع مجموعة من قيادات الصف الثاني في حزب السلطة، بدأ العمل السري المعارض منذ لحظة إعلان الإنقلاب الثالث على السلطة ومن داخل حزب البعث نفسه quot; حيث سبق انقلاب الأسد انقلاب آذار مارس 1963 الذي أوصل البعث إلى السلطة وانقلاب فبراير شباط 1966 ومن ثم انقلاب الأسد الذي اطلق عليه اسم الحركة التصحيحيةquot; حيث كانت الأوضاع قبل استلام الأسد في حالة فوضى، وكان إمكان العمل السياسي المعارض ممكنا رغم العنف الدموي الذي مارسته ميليشيات البعث بحق خصومهم السياسيين، ولكن لم يجد ماخوس بداً من العرض الذي قدمه إليه قائد الإنقلاب، الرئيس الراحل، حافظ الأسد، وعبر القيادي الوحيد من القيادة السياسية للحزب المتبقي في صف الأسد، وهو المعارض الحالي، عبد الحليم خدام، بمغادرة سوريا إلى الجزائر تحديدا وعبر مطار دمشق الدولي، حيث كان ماخوس على علاقة جيدة ببعض قيادات الجزائر لخدمته السابقة في الكتيبة الطبية المساندة للثورة الجزائرية، فكان ماخوس أول المنفيين السياسيين السوريين في عهد البعث، وبأمر وبتدبير من الزعيم نفسه، وما زال ماخوس حياً يرزق في الجزائر وقد بلغ من العمر مبلغا ولم تعد ذاكرته تسعفه لسرد التفاصيل المؤلمة لتلك الرحلة التراجيدية والإملاءات التي فرضت عليه من قبل سلطة الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين، الأمنية، ويروي أحد قيادات البعث من المعارضين الذين التحقوا بزعيمهم ماخوس بعد سنوات من العمل المعارض داخل سوريا، وشهد ولادة فصائل المعارضة السورية وتدجين الأحزاب السياسية التقليدية هناك، في مذكراته التي احتفظ بنسخة منها، وأعتذر من ذكر اسمه لأسباب تتعلق بأمنه ورغبته الشخصيتين بامكاننا اعتبار هذه الإشارة دعوة له لنشر تلك التفاصيل المؤلمة عن ما جرى داخل سوريا وفي المنفى الجزائري، الرحلة أشبه برحلة سيزيف يروي في مذكراته الإملاءات التي فرضتها سلطة بومدين على ماخوس من حيث منعه من ممارسة أي نشاط سياسي مباشر معارض لحكم الأسد إلا بإشراف من الأمن الجزائري، وكان أحد أركان القيادة الجزائرية الحالية هو صلة الوصل والمسئول عن إيصال الإرشادات الأمنية الجزائرية لماخوس وباقي المعارضين البعثيين الذين التحقوا به هناك عبر العراق بعد أن بزغ نجم، صدام حسين، وبعد الخلاف العاصف بين الراحل ياسر عرفات والقيادة السورية على أثر دخول القوات السورية إلى لبنان، تبنى الراحل عرفات وعبر السفارة العراقية في الجزائر تمويل النشاط البعثي المعارض في سوريا، وما زالت مرتبات قيادات البعث المعارض من جماعة ماخوس والتفرعات التي خرجت منها، تصرف من السفارة الفلسطينية في الجزائر، وأنضم إليهم قيادات البعث العراقي والدبلوماسيون العراقيون الذين التجأوا إلى هناك، تصرف مرتباتهم الشحيحة من سفارة السلطة الفلسطينية هناك.

بدأ الصدام بين سلطة الفريق الأسد والنخبة السياسية السورية منذ الأيام الأولى لعهده وكان محور هذا الصدام لا شرعية حكمه من جهة ودمويته مع رفاق دربه، توجه الأسد للألتفاف حول هذه المعارضة التي كانت حتى بداية السبعينيات تشكل رقما صعبا في الداخل السوري، فأطلق مشروع ما يسمى الجبهة الوطنية التقدمية نسجاً على منوال الجبهات الحاكمة في المحفور لها، دول المعسكر الشيوعي، فاستطاع شراء ود بعض قيادات الأحزاب من شيوعية وناصرية وصاحباتهم، إلا أن القسم الأكبر من قيادة الحزب الشيوعي السوري لم تقبل بهذا الاستتباع، فانقسمت على أثنين، فيما بقيت جماعة الإخوان المسلمين بعيدة عن حوارات تشكيل الجبهة لاعتبارات طائفية من الطرفين، السلطة والجماعة، وبقيت بعض المجموعات الأخرى خارج إطار جبهة توطيد السلطة، كالناصريين من جماعة الدكتور جمال الأتاسي ولم يدعى السياسيين الكرد وأحزابهم إلى أية وليمة سورية انطلاقا من اعتبار سلطوي بعثي مفاده لا وجود للأكراد في سوريا، وتأسست تنظيمات جديدة في العقد الثاني من السبعينيات على أرضية الفراغ الهائل الذي أحدثه الأسد بتأسيسه لجبهة فارغة من أي محتوى، إضافة إلى تفريغ حزب السلطة نفسه، حزب البعث، من كل معنى له، ربما كعقاب من الأسد للبعثيين لوقوفهم مع القيادة السابقة التي قضى معظمهم نحبه في السجون فيما بعد، حيث وقفت جل قواعد وقيادات حزب البعث مع قيادة، المرحوم صلاح جديد، والمرحوم المغتال عبد الكريم الجندي، رئيس أركان الجيش بعد هزيمة حزيران يونيو 1967 والتي وجهت أصابع الاتهام بأنه لعب دورا كبيرا فيها، لوزير الدفاع حينذاك، حافظ الأسد، بإيعازه للجيش السوري بالانسحاب الكيفي، دون أن يكون ثمة مبرر للأمر، مما أدى إلى هزيمة الجيش السوري هزيمة نكراء وخسارته لهضبة الجولان المتنازع على بضعة أمتار فيها حتى الآن في المفاوضات الماراثونية بين سوريا وإسرائيل.

لم تلتجأ المعارضة السورية بدايةً إلى المنافي، إذا استثنينا جماعة البعث التي أشرنا إليها سابقا، حيث كانت الثقة في عدم قدرة حافظ الأسد على حكم سوريا كبيرة جدا، فلم يسبق أن استتبت الأمور في سوريا لأي حاكم أكثر من خمس سنوات، كانت الجموع على يقين تام بأن الأسد ليس إلا سحابة صيف عابر، إلا أن المعادلات الدولية التي استطاع الأسد اللعب عليها بحرفية عالية إلى جانب ممارسته لأعنف أشكال الاستبداد في مواجهة خصومه جعل من أمر اللجوء إلى الخارج أمرا لا مفر منه، بدأ الأمر مع قيادة البعث، جناح صلاح جديد، ومن ثم التحقت بها جماعة الإخوان المسلمين بعد أحداث العنف التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري وخاصة بعد استباحة مدن حماة وحلب في مطلع ثمانينيات القرن الماضي على يد ميليشيات ترأسها شقيق الرئيس الراحل، فلم تجد جماعة الإخوان بداً من اللجوء إلى المنافي وكانت البوابة العراقية التي فتحها صدام حسين للمعارضين السوريين هي الوجهة المفضلة للغالبية، فيما كانت البوابة اللبنانية على صعوبتها، أحد المنافذ التي يتسلل منها بعض المعارضين السوريين، الذين سيلاقون المصير الأسود نفسه لو أختاروا البوابة العراقية ومعظم الذين التجأوا إلى لبنان إما قضوا حتفهم في اقتتالات الفصائل اللبنانية والفلسطينية التي احتصنتهم أو تم تسليمهم إلى أجهزة الأمن السورية ليقضوا سنواتا في معتقلات النظام وقلة قليلة استطاعوا التسلل إلى المنفى الأوروبي ليكونوا ظهيرا جيدا للمعارضين في الداخل، وهذه شهادة تسجل لهؤلاء دون غيرهم، حيث اختفى تماما صوت المعارضين الذين احتضنتهم الأنظمة العربية وتحولوا إلى أثر بعد عين بل على العكس تحول بعضهم إلى تنفيذ العمليات الإرهابية في الشوارع كما حصل في حادثة الأزبكية التي نفذها متسللين من تنظيم الإخوان المسلمين تلقوا تدريباتهم في بغداد أو تفجيرات أخرى لم تفعل شيئا سوى بث المزيد من الرعب في قلوب المواطنين والمزيد من العنف في سلوك أجهزة القمع.

احتضان الديكتاتوريات العربية لبعض فصائل المعارضة السورية، كانت إحدى الضربات القاسية للحالة السياسية في الداخل السوري، إضافة إلى أن ارتهان هذه المعارضات اللاجئة إلى دنيا الاستبداد لإملاءات الانظمة التي احتضنتها، ترك أثرا بليغا على الفكر السياسي في الدول التي استقبلت المعارضة وعلى الداخل السوري، وجعلت من مستقبل هذه المعارضات مرهون بأنظمة لا يمكن أن تخون شبيهاتها إلا في حدود اللعب البدائي الخفيف ولأن المعارضة السورية أغلقت عليها الأبواب كلها وزج بمعظم نشطائها في السجون ولمدد طويلة، فأن تواريخ المعارضات العراقية والليبية والسودانية ستكون من الوضوح أكثر في حديثنا عن أثر اللجوء إلى أنظمة فاسدة وقمعية على الحالة السياسية للمعارضات في العالم العربي.

الحالة الكردية في سوريا : لا بد للمتتبع للشأن السوري فصل الحالة الكردية في سوريا حين الحديث عن المعارضة السورية لعدة أسباب يمكن أن نذكر بعض منها :
أولا : أن جل المعارضات السورية وحتى سقوط نظام صدام حسين، اتفقت مع رؤية النظام السوري في تغييب القضية الكردية في سوريا عن برامجها ونهج تفكيرها بذريعة الحل الأممي لدى الشيوعيين والديني لدى الإخوان والإدماج القهري لدى القوميين، إذا استثنينا من ذلك جماعة حزب العمل الشيوعي، الذين يسجل لهم لفتتهم المبكرة لوجود قضية كردية في سوريا التي لا يمكن تجاهلها ولا يمكن السير خطوة إلى الأمام في سوريا بدون حلها فكان شعارهم السباق quot; حق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا quot;.
ثانيا : أن الحراك السياسي الكردي في سوريا، جزء من الحراك السياسي الكردي في عموم أجزاء كردستان، ولأن الحركة السياسية الكردية في العراق وتركيا استثنينا أكراد إيران للعلاقة الوطيدة التي تربط النظام السوري بنظام الملالي منذ وصول الملالي إلى الحكم وجدت ملاذها في سوريا، بسبب العلاقات المتوترة طوال حقبة حافظ الأسد مع النظامين التركي والعراقي، فأن الحركة الكردية في سوريا في معظمها ارتأت التضحية بمشاريعها السياسية وتأجيلها كرمى لعيون الأجزاء الأخرى من كردستان والتي كانت تتخذ من سوريا مقرا لها في ثوراتها المسلحة، إلا إذا استثنينا أحد أقطاب الحركة الكردية في سوريا، صلاح بدر الدين، الذي اختار المنفى العربي.


ثالثا : لم يجد الحراك الكردي منفذا ولو صغيرا للجوء إلي الخارج رغم الضغوطات الهائلة والقمع الممنهج، الذي تعرض إليه داخل أراضيه على المستوى الشعبي طبعا في سوريا التي تحولت إلى سجن كبير للجميع، وحيث أن الحدود التي تحد المناطق الكردية في سورية تتجاور والدول التي لا تريد حل قضية أكرادها، فأن لجوء الكرد السوريين إلى المنفى العراقي أو المنفى التركي كان ضربا من المستحيل في عهود البعث الصدامية في العراق وأما تركيا فحدث ولا حرج حتى وقتنا هذا.

رابعا : لم يسجل تاريخ الكرد موجة نزوح أياً كانت الأسباب، حتى النزوحات الإرغامية التي اضطروا عليها جماعيا بسبب بطش الأنظمة في العراق وتركيا طول القرن العشرين كانت تنتهي بعودة سريعة حين تهدأ الأحوال ولو قليلا وهذا ما نراه في مثال الكرد العراقيين في منتصف السبعينيات عندما انتكست ثورة البارزاني بعد اتفاق الجزائر والذي بموجبه تنازل صدام حسين لشاه إيران عن الأهواز وعربستان مقابل تلقي العراق مساعدة في القضاء على الثورة الكردية في العراق، الهجرة ليست جزءا من الثقافة الكردية وإنما وافد حديث وقد تحددت الوجهة إلى أوروبا تحديدا، لذا تجدها في حال نشاط دائم.

خامسا : الحركة الكردية في سوريا جلها حديثة المنشأ حيث يعود تاريخ أقدمها quot; الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا البارتي quot; إلى نهاية خمسينيات القرن الماضي وكانت مرتبطة فكريا وعضويا بالحركة الكردية في العراق حتى أن جل حراكها السياسي كانت تأتي عبر أوامر تأتيها من قيادة الحزبين الكرديين الكبيرين في العراق quot; الديمقراطي والاتحاد الوطني وفي ثمانينيات القرن العشرين حين قدم إلى سوريا كلا من الكردي العراقي، سامي عبد الرحمن، والكردي التركي، عبد الله أوجلان، وجدا رواجا وتشجيعا كبيرا في صفوف الكرد السوريين ورضىً من النظام يفوق أي تخيل حتى باتا مصدر إزعاج للمعارضة السورية الجذرية وقاموا بأدوار بالنيابة عن المخابرات السورية، كما حصل في مظاهرة نوروز 1986 حين أدانت معظم التنظيمات الكردية هذه المظاهرة المطالبة بحق من حقوق الكرد ألا وهو الاحتفال بالعيد القومي للأكراد في 21 مارس آذار، باستثناء حزب المنفي صلاح بدرالدين الذي تبنى إلى جانب حزب العمل الشيوعي هذه المظاهرة مما أدى إلى حملة اعتقالات في صفوف الأخيرة ولم تنته إلا بالقضاء على قواعد الحزب في سوريا وزجها جميعا في السجون، وأما المضايقات الأخرى بحق الكرد فهي بحق الشعب الكردي فيما بقيت حالة قيادات التنظيمات الكردي أقرب إلى موظفي صوامع الحبوب، يتذكرون السياسة في المواسم وتمر عليهم سنوات القحط بدون حراك ولا هم يحزنون.

وأخيرا سنعود إلى آثار اللجوء إلى الديكتاتوريات العربية بعد الحديث عن معارضات أخرى في تلك الجغرافيات الموعودة بالخرائب ولنبدأ بالأقربون لكونهم quot; أولو بالمعروف quot; ولتكن الساحة العراقية هي الجارة العزيزة، التي تحصد نتائج المنفى الخاطئ هذه الأيام ومن ثم ننتقل بعدها إلى جماهيرية الكتاب الأخضر حيث حال المعارضة يتقاطع مع حال المعارضة السورية في أغلب تجلياتها مع فارق بسيط له علاقة بالعمر، حيث المعارضة السورية تملك تاريخا لا بأس به رغم كل البؤس فيما لا تملك المعارضة الليبية كل ذلك العمر والتجربة ولكنها تشترك بنفس البؤس.