حين أعلن الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية نيته للترشيح لرئاسة الجمهورية في مصر بشرط تعديل الدستور علق عليه المصريون أمالا كبيرة، وحرصت معظم التيارات السياسية على دعمه، وبات محط أنظار وسائل الإعلام الدولية بوصفه الفارس الذي سيقود حراكا سياسيا قد يخلص مصر من نظام استمر ثلاثة عقود، لم ينجح في نقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة،على الرغم من حرص الرئيس مبارك على تعزيز الاستقرار الذي تنعم به مصر طوال هذه الفترة.

الظروف إذن كانت مهيأة للبرادعي ليقود حراكا جماهيريا يسعى إلى الإصلاح وينتشل مصر من الغرق بعد طفح الكيل بالبشر وسط حالة من الجمود نجم عنها فساد وفوضى وسلب ونهب وتصور المصريون أنهم وجدوا ضالتهم في رجل مسلح بالفكر والعالم حاصل على جازة نوبل للسلام وقلادة النيل ومعروف على المستوى الدولي وكلها مقومات لزعيم إصلاحي يقود البلاد لفترة انتقالية تتم فيها مراجعة وبث الروح في دولة متهالكة ضعفت وضعف معها العالم العربي.

ما حدث بعد تكوين الجمعية الوطنية للتغيير هو أن الخلافات بدأت تدب بين أعضاء الجمعية إلى حد دفع منسقها العام دكتور حسن نافعة إلى التلويح بالاستقالة لشعوره أنها تتراجع لغياب البرادعي عن مصر وفشل أعضاء الجمعية في إقناعه بعدم السفر والتفرغ لمعركة الداخل في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، وتحولت أحلام الملايين من أبناء مصر إلى سراب ما أثار علامات استفهام من قبيل: هل لم يكن البرادعي جاهزا حين أقدم على اتخاذ هذه الخطوة؟ وهل كان الرجل حالما بشكل أدى إلى اصطدامه بواقع مرير؟ ودفع ذلك بعضهم إلى التساؤل عن برنامجه الهادف إلى معالجة مشاكل مصرية مزمنة.

ويبدو أن البرادعي قد وقع في أخطاء أهمها عدم وجود رؤية واضحة للخروج بمصر من الوضع المتردي وبدت تصريحاته في كثير من الأحيان متناقضة فهو يوجه الدعوة لقادة الأحزاب للانضمام إليه ودعمه، على الرغم من انه يرى أنها أحزاب صورية تفتقد إلى الجماهيرية وليس لها وجود في الشارع، ويطالب بإقامة دولة مدنية ويتقرب إلى الإخوان الذين يرغبون في دولة دينية، ويؤيد حق الإخوان في إنشاء حزب سياسي يمثلهم كقوة سياسية، هاجم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وأثار حفيظة الناصريين، دعا إلى إلغاء نسبة الخمسين في المائة من العمال والفلاحين في البرلمان ما أثار غضب عمال مصر وفلاحيها، ثم تصريحاته الأخيرة بان مصر يمكن أن تتغير بين يوم وليلة وانه سياسي هاو وليس محترفا.

هذه الأمور دفعت بعض الصحف الدولية والمجلات المتخصصة مثل فورين بوليسي الأمريكية إلى القول: quot;أن البرادعي رجل حالم لا يصلح لقيادة مصر وان جمال مبارك يفتقد الشعبية والكاريزماquot;، والسؤال هو: كيف يمكن أن تدار دولة بحجم مصر تمتلك كل مقومات النهوض بواسطة سياسيين هواه، لقد دفع حماس الشباب للبرادعي الأمن تعذيب بعض مريديه أثناء جمع التوقيعات المطالبة بتفويض البرادعي لتعديل الدستور وهذا يتطلب من الرجل الالتحام بالجماهير في وقفاتها الاحتجاجية على غرار ما قام به مؤخرا في الإسكندرية احتجاجا على مقتل خالد سعيد على يد مخبرين في الشرطة.

على البرادعي أن يقود النضال في شوارع العاصمة والأقاليم ليعيد الثقة إلى من علقوا عليه الآمال قبل أن تتحول آمالهم إلى سراب.
إعلامي مصري