في تطور سريع، متوقع، وغير مستبعد، بناءً على تكرار مبادرات سابقة، إنطلقت من نفس المصدر، تعلن حركة حرية كردستان، بلسان فصيلها المتقدم quot;حزب العمال الكردستانيquot;، عن مبادرة سلمية جديدة، بهدنة مشروطة، تبدأ من 13 أغسطس/ آب 2010، وتمتد حتى 20 سبتمبر/ أيلول 2010، بمناسبة حلول شهر رمضان، لوقف بحار الدم التي يصر الحكم التركي، وآلته العسكرية، على تدفقها، بشكل عبثي، عاماً بعد عام، ودون الوصول إلى أهداف واضحة، أو ممكنة، ودون تبلور أي مؤشرات، تنبئ عن أن هذا الإصرار، على العنف الدموي، من جانب الحكم التركي، قد ينبئ عن نتيجة واضحة، سوى الدم، وأشلاء القتلى، من الجانبين التركي، والكردي، ودون عائد واضح لمصلحة الشعبين.

تنطلق مبادرة جديدة، مدوية، كان لصوتها، وسيكون لأثرها، ما يفوق دوي قذائف الأوبيس التركية، وما يتجاوز طنين طائرات السيكورسكي، والكوبرا، التركية، الموجهة إسرائيلياً، لضرب المدنيين الكرد، وتدمير الطبيعة الكردية، دون عائد.

نعم، تنطلق من جديد هدنة، من جانب قوات الدفاع الشعبي الكردستاني( الجناح العسكري للعمال الكردستاني)، بدعوة واضحة، من جانبها، إلى الحكم التركي، والبرلمان التركي، والجيش التركي، والمثقف التركي، دعوة جديدة لتحكيم العقل، ولغة المنطق، لتغليب الحوار الحقوقي الديموقراطي، بالكلمة، على حوار البنادق، وطلقات الأوبيس، التي طالما فرضها الحكم التركي، على الشعبين التركي، والكردي، على حدٍ سواء، سعياً وراء مكاسب عابرة، تتعلق بالحكم، وتسحق في طريقها آمال شعب، وتدمر مستقبل أمة.

يأتي انطلاق هذه الهدنة، لتؤكد، كسابقاتها، على أن حركة حرية كردستان، إنما تنشد، في المقام الأول، حل الصراع الدائر في شرقي تركي، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، على قاعدة الحوار الديموقراطي، فتنطلق المبادرة الجديدة لتؤكد إمتلاك حركة حرية كردستان، لبرنامج، وإرادة سياسية، لا تلين، من أجل فرض حل ديموقراطي سلمي، في حين يفتقر الطرف الآخر لإرادة مماثلة، بل يصر الحكم التركي على فرض محددات للصراع تحتكم للعنف الدموي والعسكري، مخلوطاً بمؤامرات، لا تنتهي، بين الجهاز العسكري التركي، وأطراف المنظومة السياسية التركية، خليطاً لا يسفر سوى عن الدمار.

أما آن للحكم التركي أن يغلب لغة العقل على لغة السلاح؟ أما آن الآوان ليتوقف العقلاء في تركيا، في أروقة الحكومة، وأوساط المثقفين، للتساؤل عن نتائج حملات عسكرية متواصلة، منذ الإعلان السابق عن وقف إطلاق النار، من جانب قوات الدفاع الشعبي الكردستاني في 15 إبريل 2009 وحتى الآن؟ بل فليتوقف العقلاء في الجانب التركي وليتساءلوا عن نتائج الحملات العسكرية التركية ضد الشعب الكردي خلال الفترة من أول يونيو/ حزيران 2010 وحتى 13 أغسطس/ آب 2010 فقط؟ حملات عسكرية استنزفت ما يتجاوز المائة قتيل من شباب الجيش التركي، وعشرات القتلى من الشباب الكردي، مدنيين، ومقاتلين، غير إحراق الجيش التركي لمئات الدونمات من الغابات، وتدمير البيئة، ومواردها الاقتصادية، وتضييق الأرزاق على المدنيين الكورد، وإفزاعهم ودفعهم قسراً للهرب خارج ديارهم من نيران قصف وقنص الجيش التركي، خلافاً لما ترتب على تلك الحملات من ردود أفعال من جانب المقاتلين الكورد، الأمر الذي أفضى لخسائر اقتصادية بمئات الملايين من الدولارات؟

لقد بات واضحاً أن الصدامات العسكرية، التي أصر الجيش التركي على فرضها، طوال الخمسة وسبعين يوماً المنصرمة، وحتى 13/8/2010، لم تسفر سوى عن استنزاف طاقات ومقدرات الجيش التركي، لم تسفر عن أي مكاسب عسكرية، أو سياسية للجانب التركي، فيما أكدت أن حركة حرية كردستان نجحت، من جديد، في التأكيد على فشل الخيار العسكري، من الجانب التركي، لفرض حل أحادي عنيف للصراع الدائر شرقي تركيا، كما أكدت تلك الحركة على جديتها في فرض توجهها السلمي الديموقراطي، نحو الحل، المرتكز على عدد محدد من النقاط، أفصحت عنها، تلك الحركة، مجدداً، في إعلانها الصادر يوم 13 أغسطس 2010، بخصوص الهدنة المعلنة، من جانبها، ولنا أن ننتظر رد الفعل التركي، آملين إعلاء لغة العقل، والمنطق، فوق لغة السلاح، آملين أن تنتهج الحكومة التركية، سياستها المعلنة دولياً في quot;تصفير المشاكلquot;، لتطبق هذه السياسة فيما يتعلق بالصراعات الداخلية، في تركيا، والتي تقف فيها الحكومة، ذاتها، موقف أحد طرفي الخصومة، فquot;تصفير المشاكلquot;، داخل تركيا أولى، وأهم، من تصفيرها في خارجها، وإن كان كلاهما هام، لتقدم المنطقة عموماً، وازدهار مصالح أبنائها.

كما نأمل من أصدقاء تركيا المخلصين، خاصة في دمشق، وطهران، أن يدفعوا بالنصح، لحكومة أنقرة، بتبني منطق الحوار السلمي الديموقراطي، حقناً للدماء، واستنزاف مقدرات البلاد في تركيا، كما نناشد رجال الدين الأفاضل، في هذا الشهر الكريم، بأن يتوجهوا بالنصح لحكومة أنقرة، بتبني منطق الحوار السلمي، والتفاوض، عملاً بالآية الكريمة (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)، عوضاً عن أن يذهب quot;بعضهمquot;، لاستعداء أحد طرفي الصراع، على الآخر، وكلاهما quot;مسلمٌquot;!

بين الرجاء، والانتظار، يحدونا الأمل، لنرى بصيصاً من النور، في نهاية النفق المظلم.
إن غداً لناظره قريب.
وكل عام وأنتم بخير.

كاتب ومحلل سياسي مصري

القاهرة