من أغرب المواضيع التي تدرسها الفيزياء الفلكية وعلم الكون هو موضوع الثقوب السوداء والثقوب الدودية Trous noirs et trous de Vers، وقد نشأ هذا التخصص مع ظهور نظرية النسبية لآينشتين La relativiteacute; geacute;neacute;rale drsquo;Einstein في بداية القرن العشرين المنصرم. فبعد فترة قليلة من نشر ابحاث آينشتين في النسبية وجد العالم كارل شفرادزشايلد Karl Schwarzschild حلاً لمعادلات آينشتين المتعلقة بفرضية الثقب الأسود حتى قبل ظهور هذه التسمية رسمياً وعلمياً حيث ساد هذا التعبير سنة 1967 من قبل العالم الشهير جون آرشيبالد ويليرjohn Archibald Wheeler بالرغم من اعتراض آينشتين نفسه. وفي سنة 1971 جاء البرهان العلمي عندما رصد علماء الفلك النجمة الثنائية أو المزدوجة eacute;toile binaire والتي عرفت بإسم سيغنوس إكس واحد Cygnus X-1، حيث وجدوا أن أحد عناصرها يبدو عليه أنه يمتلك كل صفات وخصائص الثقب الأسود كما صرنا نعرفها اليوم. وميزوها بدقة عن نوع آخر من النجوم التي سميت بالنجوم النيوترونية eacute;toiles agrave; neutrons، وتزايدت المناطق الكونية التي عثر فيها علماء الفيزياء الفلكية وعلماء الكونيات على عدد كبير ومتنوع من الثقوب السوداء، في الميكروكازارات microquasars، والأنظمة الشمسية الثنائية أو المزودوجة، وفي قلب المجرات. وبالرغم من المعرفة المعمقة والمتراكمة عن الثقوب السوداء إلا أن العلماء مضطرون للاكتفاء اليوم بالتأثيرات غير المباشرة لهذه الكينونات الكونية ويأمل العلماء قريباً بالحصول على صورة حقيقية لثقب أسود مع تقدم علم البصريات وتكنولوجيا التصوير الفوتوغرافي والسينمائي.

وبالرغم من هذا التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، فإن الكون المرئي ما يزال يدهشنا من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر، كلما تقدمنا في الكشف عن اسرار بنيته وهيكليته ومعماريته، سواء تعلق الأمر بالكواكب أو النجوم والمجرات، و الثقالة أو الجاذبية التي تسير وتتحكم بسير وعمل وتنظيم الكون الحي وتتحكم بحركاته وتطوره ومستقبله ومصيره. ويقال في الوسط العلمي الفيزيائي والفلكي أن دراسة الثقوب السوداء تعني دراسة كل المسائل الشائكة في علم الكون الكوزمولوجيا cosmologie وعلم الفلك astronomie، بعبارة أخرى أننا نرى الكون برمته من خلال دراسة هذه الظاهرة الكونية وعلاقتها بالنسبية العامة وميكانيك الكم أو الكوانتا وفيزياء الطاقات القصوى والنظريات الحديثة عن المكان والزمان أو الزمكان.

هناك أنواع متعددة من النجوم فحوالي 90% من النجوم بما فيهم شمسنا تمتلك كتلة هي أدنى من الكتلة الكبرى التي تساوي عشرة اضعاف كتلة الشمس فما فوق، فالنجوم التي تقل كتلتها عن 3.50 أو أربعة أضعاف كتلة الشمس أو تعادلها، تولد، عند انتهاء عمرها وقرب أجلها، أقزاماً بيضاء naines blanches لا تتجاوز في حجمها حجم الأرض وربما أصغر، لكنها أكثر كثافة بمليون مرة أو أكثر، في حين تتحلل أو تذوب الغازات الخارجية الكوكبية المحيطة بها. وهناك 9.9% من النجوم الباقية التي تتجاوز كتلها عشرة أضعاف كتلة شمسنا فإنها تنفجر في مسعار كبير سوبر نوفا supernovae حيث يتقلص قلبها إلى كرة لا يتجاوز قطرها 15 كلم ويتحول بعضها إلى نجوم نيوترونية eacute;toiles neutrons، يمكن مقارنة كثافتها بكثافة نوى الذرات noyaux atomiquesفي حين يكون الضغط السائد في قلبها مرتفعاً إلى درجة تجعل القوانين الفيزيائية تتعرض لمحنة أو لشبه شلل وتوقف شبه تام، مما جعل بعض العلماء يتكهن بوجود نوع آخر من النجوم سميت بالنجوم الغريبة eacute;toiles eacute;tranges، مكونة من كواركات quarks وهي قريبة في حجمها و كتلتها من النجوم النيوترونية والتي يصعب تمييز صفاتها وخصائصها المرصودة والمرئية observationnelles، وأخيراً إذا كانت كتلة النجمة تزيد على 30 ضعف كتلة شمسنا فإنها سوف تنفجر في آخر ايامها على شكل هيبرنوفا hyper novae وتظهر لنا على شكل قفزات أو نفضات شعاعية من أشعة غاما sursaut gamma وإن نواتها ستنهار على شكل ثقب أسودtrou noir نتيجة للجذب الثقالي الجبار الموجود في تلك النواة.

إن النجوم الثقيلة جداً وذات الكتل الهائلة، نادرة مقارنة بعدد نجوم الكون المرئي المعروفة ولا تتجاوز النسبة واحد بالألف. وفي مجرتنا وحدها هناك حوالي 200000 نجمة من هذا النوع من مجموع 200 مليار نجم، لذلك يمكننا أن نتوقع ولادة بضعة ملايين من الثقوب السوداء بمختلف الأشكال والأحجام، هناك حفنة منها يمكن رصده على نحو مباشر. كان لنظرية النسبية الفضل في الكشف عن وجود الثقوب السوداء نظرياً. فقد كشفت هذه النظرية عن أن الكون المرئي ليس إطاراً ساكناً وثابتاً لا يتغير تحدث فيه الأحداث بفعل قوى معينة، بل هو عبارة عن بنية أو هيكلية structure بأربعة أبعاد، ثلاثة مكانية وواحد زماني، يشوه ويحني الزمكان بفعل الكتل والجاذبية. وتشير معادلات آينشتين كيف أن درجة الإنحناء للزمكان تعتمد على تكثف المادة بما فيها كافة أشكال الطاقة. إذ أن الثقوب السوداء تنجم عن التزواج بين المادة والهندسة المكانية، بعبارة أخرى إنه يجمع ويركز كم هائل من الطاقة في منطقة مكانية صغيرة ومركزة جداً بحيث يكون كمن يحفر بئراً. فكل جسيم وكل شعاع ضوئي يلجون في منطقة حرجة محددة بإطاره أو حافته، اللامادية immateacute;riel يتم امتصاصها وتحتجز أو تسحب إلى أعماقه وهي منطقة تأتي مباشرة بعد أفق الحدث horizonne drsquo;eacute;veacute;nement.

إن صفات وخصائص الثقوب السوداء من الغرابة بمكان أنها اساءت لمصداقية المفهوم، ذلك لأن الثقوب السوداء تمس جوهر أو اسس مفاهيمنا للمكان والزمان وهي خصائص غريبة وشاذة ومخالفة للمألوف extravagantes. لذلك حاول بعض العلماء المتخصصين بالثقوب السوداء تقديم تفاسير لسلوكياتها المتناقضة أحياناً رغم البساطة الظاهرية التي تبدو عليها كبساطة الجسيمات الأولية ويمكن تطبيق الوصف الترموديناميكي description thermodynamique عليها أي باعتبارها كتل مضغوطة ومصغرة جداً قابلة للنمو وكذلك قابلة للتبخر كما قال بذلك العالم البريطاني ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking وقد أطلق هاوكينغ على فرضيته تسمية ظاهرة التبخر الكمومي أو الكوانتي pheacute;nomegrave;ne drsquo;eacute;vaporation quantique التي أثارت الكثير من السجالات والتساؤلات والاعتراضات مما يعكس عدم فهمنا للثقالة أو الجاذبية الكمومية أو الكوانتية graviteacute; quantique، ومما يوفر في نفس الوقت مختلف المفاهيم أمام المنظرين للتعاطي مع هذه الظاهرة، بمعنى آخر إن الثقوب السوداء تلعب دوراً جوهرياً وأساسياً لتخطي حدود الفيزياء الحالية.

إن لوي أو حني الزمكان الناجم عن تأثير ثقب أسود، مسؤول عن التواءات وإعوجاجات أو انحرافات ملفتة ومدهشة. فمعادلات النسبية العامة تسمح بحساب إنتشار الإشعاعات الضوئية داخل المجال الثقالي أو الجاذبي champ gravitationnel للثقب الأسود، وبالتالي، ومن خلال هذه الطريقة، يمكننا الحصول على صور مدهشة ومذهلة للتشوهات البصرية deacute;formations optiques التي تعزى لتأثير ثقب أسود الذي يضاعف الصور الناجمة عن مصدر واحد. في خضم محاولات رصد الموجات الثقالية أو الجاذبة ondes gravitationnelles بدت صعوبة التقاط إشارة ثقالية جاذبة بعثت إبان تشكل ثقب أسود عند أنفجار هيبر نوفا hypernovae أو أثناء تصادم ثقبين أسودين. ومع ذلك فإن التخصصات الفلكية في المجال الثقالي ستكون أحد المفاتيح لكي تفتح أمام عمليات الرصد مناطق في الزمكان لا تزال عصية على الاختراق. كانت فرضية الثقوب السوداء في البداية مجرد بناء نظري وكانت غاية علماء الفلك هي معرفة أين وكيف يمكن مراقبتها ومشاهدتها إن أمكن ذلك بعد إثبات حقيقة وجودها علمياً وعملياً. وبفضل الفيزياء الفلكية النسبوية، اي المجال الثقالي القوي أو الشديد، champ gravitationnel fort، بتنا نعرف أنه بفضل آلية الإنهيار الثقالي effondrement gravitationnel، يمكن أن تتشكل ثقوب سوداء بمختلف الأحجام والكتل، ويمكن لهذه الثقوب أن تتجلى لنا، وإن على نحو غير مباشر، من خلال تأثيراتها على ما يحيط بها وبالتالي قابلة للمشاهدة والرصد بطريقة أو بأخرى. فالثقب الأسود المنعزل سيكون بالتأكيد غير مرئي ويصعب رصده، ولكن ثقب أسود طبيعي من النادر أن يكون عارياً ومنعزلاً عما يحيط به. وعندما يسبح داخل محيط غني بالغازات والنجوم فإنه سيمتص المادة المغلفة ويتغذى عليها. والحال إن المادة المبتلعة سوف تعلن عن نفسها وتؤشر على اختفائها من خلال بعث إشعاع كهرومغناطيسي rayonnement eacute;lectromagneacute;tique وهو الأثر الدال الذي يحاول علماء الفلك رصده.

يمكن لثقب أسود ذو كتلة نجمية masse stellaire، يكون جزءاً من نظامي نجمي ثنائي أو مزدوج systegrave;me binaire أن يمتص الغلاف الغازي لنجمته المرافقة له. وقبل أن يختفي، يتسخن الغاز بعنف باعثاً إضاءة متميزة ضمن سلم أو نسق إشعاعات ذات الطاقة العالية القصوى. وهناك تلسكوبات فضائية موجودة على متن أقمار صناعية في المدار الأرضي تعمل بأشعة إكس Rayons X تبحث باستمرار عن ثقوب سوداء نجمية في أنظمة النجوم المزدوجة ذات إضاءات أو لمعانات متنوعة، وقد نجحت تلك التلسكوبات في اكتشاف مئات المصادر الضوئية بأشعة Rayons X المزدوجة في مجرتنا، البعض منها كان تائهاً أو هائماً، أي أنها تبعث ومضات عشوائية من إشعاعات إكس Rayons X لبضعة ثواني. ولتفسير هذه الظواهر طور العلماء نموذج quot; قرص التضخم الجرمي الناشئ من قوة جاذبيته disques drsquo;accreacute;tionquot; حيث يسقط غاز ساخن في حالة دوران لولبية داخل الثقب السود. يصاحب عملية السقوط إرتفاع في درجة الحرارة وإنبعاث للإشعاعات. ويقدر العلماء أن القفزات الضوئية تأتي من مناطق تقع قبل قرص التضخم النجمي disques drsquo;accreacute;tion وتكون حارة جداً ومثيرة للاضطرابات والتهيجات، وقد تم الكشف عن وجود حوالي 20 ثقب أسود من هذا النوع في مجرتنا درب التبانة La Voie lacteacute;e. وإلى جانب الثقوب السوداء النجمية، فإن نظرية الإنهيار الثقالي تسمح بوجود ثقوب سوداء وسطية trous noirs intermeacute;diaires كبيرة الكتلة massifs وضخمة أو هائلة الضخامة super massifs وكتلها تتجاوز بألف أو مليون أو مليار مرة أو أكثر بكثير كتلة شمسنا. وقد اقترح العلماء ثلاث آليات لشرح هذه الظواهر الكونية العملاقة. فهي إما أن تكون ثقوب سوداء أساسية تعود في وجودها للحظات الأولى من عمر الكون المرئي primordiaux، تشكلت من تكثف روبات كبيرة gros grumeaux في عجينة الكون المرئي البدائي قبل 13 مليار سنة. الآلية الثانية هي صيرورة تستند إلى حالة النمو الذي لايقاوم للثقوب السوداء اي أن هناك نوع من الثقوب السوداء ينحو للتضخم والنمو باستمرار لايمكن عكسه أو مقاومته. الآلية الثالثة هي حالة الإنهيار الثقالي المباشر لحشد أو تكدس من النجوم. أين يمكننا العثور على تلك الثقوب السوداء العملاقة؟ حيثما تتواجد المادة بكثافة وبالأخص في قلب المجرات أو في حالة تصادم واندماج المجرات. يوجد في مركز مجرتنا ثقب أسود هائل إسمه Sgr A وهو مصدر راديوي بامتياز يتميز بقوة تكثفه ومحاط بحشد متراص من النجوم ذات سرعات دوران مذهلة تتجاوز إضاءتها أربع ملايين مرة درجة إضاءة الشمس وحجمها هو أصغر من نظامنا الشمسي وكتلتها بين عشرة ومائة مليون مرة أكبر من كتلة الشمس، ومن هنا فإن وجود ثقب أسود هائل بكتلة أكبر بأربع مليون مرة من كتلة الشمس يسرع دوران ذلك الحشد من النجوم، هو الفرضية الوحيدة التي تتوافق مع نتائج الرصد والمشاهدة التي سجلتها تلسكوباتنا المتطورة الحديثة مؤخراً.

تجدر الإشارة إلى أن فكرة وجود ثقوب سوداء عملاقة قد طرحت في سنوات الستينات من القرن المنصرم القرن العشرين لتفسير النشاطات المكثفة لنوى المجرات النشطة. وترتب على ذلك اعتقاد أن أغلب، إن لم نقل جميع، نوى المجرات يمكن أن تحتضن ثقوباً سوداء هائلة حيث يتحكم بنشاطها وديمومتها توفر كميات مذهلة من الوقودالغازي، وهناك ثقوب سوداء ميكروسكوبية يمكن خلقها في مسرعات أو مصادمات الهادرون الكبيرة مثل مصادم سيرن CERN. وللمزيد من المعلومات العلمية التفصيلية والتقنية الرصينة عن الثقوب السوداء وأنواعها، يمكن مراجعة كتاب العالم الفرنسي جون بيير لومنيت jean pierre Luminet المعنون مصير الكون الثقوب السوداء والطاقة المظلمة أو المعتمة Le Destin de lrsquo;Univers : trous noirs et eacute;nergie sombre الصادر سنة 2010 وهو كتاب مهم جداً بجزئين.

أما الثقوب أو الحفر الدودية trous de vers فلها قصة أخرى ترتبط بما عرف في عالم الفيزياء بالفردنات أو الفرادات الهندسية Des geacute;omeacute;tries singuliegrave;res. فابتداءاً من عام 1916 كانت معادلات نظرية النسبية relativiteacute; geacute;neacute;rale العامة لآينشتين Einstein قد توقعت وتنبأت بأن الكون المرئي يحتوي على quot; آبار ثقالية جاذبة puits gravitationnels ذات كثافة وانحناءة للزمكان لانهائيين أو لا متناهيين ولحلول رياضية سميناها بعد عدة عقود بالثقوب السوداء. وفي سنة 1935 اكتشف آينشتين و روزين Rosen إنه باستبعادهما فرادات المجال singulariteacute;s du champ وبتعديلهما بشكل طفيف لمعادلات الثقالة أو الجاذبية، حصلا على حلول غير معقدة في حالة التناسق والتماثل الكروي المشحون والساكن في سياق توازن القوى. كان الأمر مقتصراً على تمثلات أو تجليات رياضية repreacute;sentations matheacute;matiques لكنها تمثل فضاء فيزيائي مكون من صفيحتين متشابهتين مرتبطين ببعضهما بجسيم يمثل جسراً pont. وبالتوفيق بين معادلات الثقالة ومعادلات الكهرومغناطيسية توصل العلمان المذكوران إلى نفس الاستنتاج وهو أن الصفائح المطوية على نفسها يمكنها أن ترتبط بعدد من الجسور على المستوى الكوانتي أو الكمومي. وللحفاظ عليها، لم يكن ممكناً لتلك الجسور أن تضم جسيمات محايدة بكتلة سالبة. فالجسيم المشحون الذي فكرا فيه كان عديم الكتلة masse nulle، بيد أنهما توقفا عند هذا الحد ولم يذهبا إلى أبعد من ذلك، اي لم يعالجا حالة معادلات المجالات بجسيمات متعددة.

وقد عرف هذا الترابط بجسور آينشتين روزين ponts drsquo;Einstein ndash; Rosen وسماها الفيزيائيون بالفضاءات متعددة التوصيلاتespaces multi-connexes، ولم يفكر هذا العالمان آنذاك بإمكانية تطوير تلك التوصيلات أو الترابطات بشأن الصفة أو الخاصية غير المستقرة للتقلبات الكوانتية أو الكمومية fluctuations quantiques.
في عام 1956 اشتغل العالم الشهير جون ويليرJohn Wheeler على تلك التوصيلات الفضائية المكانية وعند وصفه لخصائصها وصفاتها وسمها بالحفر أو الثقوب الدودية Wormholes أو بالفرنسية trous de vers.

وهنا ايضاً علينا أن نشير إلى وجود عدد من الحفر أو الثقوب الدودية المتنوعة وكلها كانت آنذاك عبارة عن مفاتيح رياضية أكثر من كونها أجسام حقيقية.
هناك الثقب الدودي لشفارشايلد Schwarzschild وهو ثقب يستحيل اختراقه حسب هذا العالم لأنه في مركز توجد فرادة singulariteacute;. وهناك الثقب الدودي راسنير نورستروم Reissner Nordstrouml;m أو كير نيومان Kerr Newmann، الذي يمكن اختراقه واجتيازه ولكن باتجاه واحد فقط. وهناك الثقب الدودي للورنتز Lorentz ذو الكتلة السالبة masse neacute;gative، ويمكن اختراقه واجتيازه بالاتجاهين.

في سنة 1988 طلب العالم الفلكي كارل ساغان Carl Sagan من العالمين كيب ثورن Kip Thorne وريشارد موريس Richard Morris في جامعة كالتيش Caltech لكي يقدما له حلاً لاستغلال ثقب دودي على المستوى الماكروسكوبي بغية استكشاف الكون المرئي بسرعة تفوق سرعة الضوء وذلك من أجل استخدامه في روايته الشهيرة من الخيال العلمي quot; إتصال Contactquot; والتي أعدت للسينما في فيلم سينمائي جميل من بطولة جودي فوستر، وفي إطار بحثهما عن حل علمي مقبول إكتشفا أن من الممكن إبقاء ثقب دودي مفتوحاً بشرط استخدام مادة غريبة matiegrave;re exotique أو طاقة عالية جداً لا يعرفها البشر اليوم أو مادة سالبة matiegrave;re neacute;gative على سبيل المثال لكي يبدو الحل منطقياً. فلو حاولنا صنع ثقب دودي من مادة موجبة matiegrave;re positive فإنه سينفجر إلى اشلاء بسبب كثافة طاقته العالية. ولكي يكون للثقالة أو الجاذبية قوة طاردة أو نابذة force reacute;pulsive يتعين على هذا الجرم الفضائي أن يقدم قوة ضغط سالبة كما هو الحال مع ضغط النابض الميكانيكي tension drsquo;un ressort وبالتالي يجب أن تتجاوز هذه الكمية كثافة الطاقة للمحافظة على تناسق أو اتساق المادة. ولو وجدت مادة سالبة يمكننا من الناحية المبدئية نظرياً، خلق ثقب دودي ثابت وساكن statique بمراكمتنا لتلك الكتل حول الفتحة.
تجربة الثقالة الجاذبية الكمومية أوالكوانتيةExpeacute;rience de la graviteacute; quantique

بما أن المادة، داخل فرادة ما، تخضع لكثافة قصوى وتقلص إلى مستوى بلانك eacute;chelle planck مكانياً، لم يبق سوى خطوة لامتناهية في الصغر يجب تجاوزها لإخضاع هذا المحيط المادي لتقلبات الطاقةfluctuations drsquo;eacute;nergie في نظرية الجاذبية أو الثقالة الكمومية أو الكوانتية theacute;orie de la graviteacute; quantique. وهكذا دعم بعض الباحثين فكرة إن الفرادات يمكن أن تصب في نوافير بيضاء fontaines blanches أو ثقوب بيضاء trous blancs تنساب منها المادة المحررة. وكان آينشتين وروزين قد اقترحا بجدية أن الصفائح المنطوية على نفسها للزمكان المرتبطة ببعضها بجسور كوانتية أو كمومية يمكن أن تقودنا إلى مناطق أخرى من الكون المرئي، أي إلى أماكن أخرى في الفضاء والزمان. بعبارة أخرى إمكانية السفر وبلوغ النجوم القريبة والمجرات المجاورة بسلوكنا للثقوب الدودية. وقد صرح العالم جون ويلير أن بإمكان فرادتين أن يرتبطا في الفضاء الأقصى hyperespace بواسطة الثقب الدودي. المشكلة أن لا أحد من البشر لحد الآن قادر على التعامل مع مثل هذا الممر ومنحه حجم على المستوى الماكروسكوبي الكوني. فمن الناحية النظرية، إن هذا الجسر في الفضاء الأقصى hyperespace هو على مستوى بلانك يساوي 10-33 من السنتمتر إلا أنه غير ثابت وغير مستقر وينغلق على نفسه في فضاء خلال 10-43 من الثانية ولو حاولنا تكبيره فسوف يدمر نفسه فكما وصفه الفيزيائيون إن الثقب الدودي ينتمي إلى الرغوة الكوانتية eacute;cume quantique ويخضع لقوانين الاحتمالية.
وبعد بضعة سنوات استعار العالمان ستيفن هاوكينغ من جامعة كمبردج وكوليمان coleman من جامعة هارفارد، مفهوم ويليرWheeler باقتراحهما أنه يمكن للزمكان أن يخضع لتأثير النفق effet tunnel مستخدمين الفكرة التي تقدم بها سابقاً العالم هيوغ إيفيرت Hugh Everett. وعلى غرار الالكترونات التي يمكنها القفز من نقطة إلى أخرى في المكان يمكن للكون أن يفعل نفس الشيء فتأثير النفق يخلق فتحات في رغوة الزمكان التي تقود إلى أكوان أخرى وهي الأكوان الجيبية أو الأكوان الجيوب Univers culs-de-sac وكلها بشساعة كوننا المرئي ويمكن التوسع في ذلك بالتوغل في ثنايا وأسرار الكوزمولوجيا الكمومية أو الكوانتية cosmologie quantique. وهو ماسنفعله لاحقاً.
من جانب آخر لايمكننا، في حدود إمكانياتنا الحالية، تطبيق تأثير النفق على كيانات ماكروسكوبية، وبالتالي يستحيل علينا حالياً استغلال الثقوب الدودية للسفر في أكوان أخرى بل فقط اختصار المسافات داخل كوننا المرئي. ولو كان هذا حلاً ممكنناً لتخطي الفرادة فإن تأثير النفق لا يطبق على الكيانات أو الكينونات الماكروسكوبية، في حين ثبت إحصائياً وجود فرصة مفتوحة على اللانهاية كي يتمكن جسم مألوف في حياتنا اليومية من الانتقال آنياً من مكان لآخر، وبالتالي فإن الصعوبة الحالية هي ذات طبيعة تقنية تكنولوجية وليس استحالة علمية عملية. اي علينا أولا إيجاد طريقة تقنية وتكنولوجية قادرة على تفتيت مكوناتنا المادية الجسيمية وإرجاعها إلى حالتها الأولية مادون النووية ومن ثم نقلها آنياً وبأسرع من الضوء teacute;leacute;porter باستغلال تأثير النفق أو أية طريقة نقل أخرى، ومن ثم إعادة تجميعنا وإعادة بناء جسيماتنا ومكوناتنا المادية إلى الحالة السابقة لعملية التفتيت والنقل teacute;leacute;portassions، أو إعادة نسخنا في مكان آخر من الكون المرئي بصورة فورية وهذا ممكن علمياً ومستحيل تقنياً في الوقت الحاضر. يبحث العلماء بفضل الفيزياء الكوانتية أو الكمومية عن جسيمات جديدة قادرة على إبقاء الثقوب الدودية مفتوحة. وكان العالم لورنتز صرح أن الثقب الدودي يتطلب مادة غريبة أو غير معروفة وغير مألوفة exotique لكي يبقى مفتوحاً لأنه يحتاج إلى طاقة أقل من الفراغ الذي يشكل حالة الطاقة الدنيا. وقد يتمثل ذلك بالطاقة أو المادة السالبة أو المادة المضادة antimatiegrave;re التي تبقي حنجرة الثقب الدودي بعيداً عن أفق الفرادة المركزية la singulariteacute; centrale. في دراسات لاحقة سوف نتحدث عن صناعة أو خلق الثقوب الدودية وتداعياتها الفلسفية والفكرية وتطبيقاتها التكنولوجية.
يتبع