قبول الائتلاف الوطني لقوى الثورة الاشتراك في مؤتمر جنيف يعتبر تحولا في الموقف العام للمعارضة السورية وتغييرا في خطابها السياسي الداعي الى عدم محاورة النظام و يعدّ قرارا قريبا الى الموضوعية لأسباب جمة منها: عدم تمتع قيادات الائتلاف أنفسهم بثقل مؤثر في الداخل, تشتت المعارضة المسلحة وضياع مراكز القرار كذلك أعاصير المحنة العنيفة التي تدمر البلد و تعصف بالسوريين وتشتتهم في كل مكان ولا ننسى طغيان الصبغة الدينية وانتشار الثقافة الراديكالية بين المعارضين المسلحين , انحراف مسار الثورة السورية وبالتالي دخولها في متاهات بات تقدير زمن الخروج منها أمر غير معلوم.

لكن بيئة الحوار حسب المعطيات التي أفرزتها لقاءات لافروف,كيري, زيارات الموفد الأممي الابراهيمي المتعددة لا تبشر بفرصة سانحة للتوصل الى تسوية سياسية مدعومة بقرار دولي يضع حدا لمعاناة السوريين وينهي الصراع الدامي الذي يزداد سوءا مع شروق شمس كل يوم جديد, لكي يتم التوصل الى ذلك لابد للأسد أن يرحل وكما يعلم الجميع فهو لن يفعل بل باق في الحكم حتى اشعار اخر ومؤتمر جنيف ان عقد سوف تخرج منه المعارضة خالية الوفاض.

من جهة أخرى فان انضمام المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف والمشاركة في المؤتمر المحتمل أمر ايجابي ولو أنه جاء متأخرا, لكن المجلس الكردي نفسه يشبه الى حد بعيد الائتلاف من خلال افتقاد قياداته للقاعدة الشعبية والثقل المؤثر في الداخل, نتيجة التشرذم الكبير لمختلف التيارات السياسية المنضوية تحت لواءه ,عدم استقلالية قراره والتي تعتبر من الأمور التي استغلها المنافس الأبرز حزب الاتحاد الديمقراطي الذي استطاع أن يحقق نجاحات ملحوظة على الأرض مستفيدا من حالة الهدنة مع نظام البعث في دمشق كون أمر اسقاطه لا يندرج في سلّم أولوياته لا في الوقت الراهن ولا حتى على المدى الاستراتيجي , من هنا نستطيع الاستنتاج بأن قرار المجلس جاء في محاولة حثيثة لخلق توازن للقوى مع الحزب المذكور الذي يزداد نفوذا وشعبية وتتطور مؤسساته العسكرية والمدنية في عموم المناطق الكردية خاصة مع تصدي قوات حماية الشعب لهجمات تنظيمي دولة العراق والشام وجبهة النصرة الارهابيتين وقدرة الحزب على توظيف ذلك اعلاميا مما ساهم في تسهيل عملية التعبئة للمزيد من الشبان والشابات في صفوفه , كما أن حزب الاتحاد بدا دائما مهيأ بخطة بديلة ( ب) وقد ظهر ذلك جليا من خلال اعلانه الادارة الذاتية في المناطق الكردية شراكة مع المكونات الأخرى كرد على اعلان المجلس الكردي انضمامه الى الائتلاف في محاولة منه لتقويض تحالف المجلس مع قوى المعارضة السورية و اظهار ضعفه وعدم شرعيته كممثل للكرد في المحافل الدولية.

السلبي في الأمر هو تعميق الخلاف الكردي الكردي وبعثرة القوى وتناقض الخطاب, أما الايجابي في ما يحدث هو وضوح المواقف السياسية للحركة الكردية ليس فقط لشركاء الوطن في المعارضة السورية بل للشعب الكردي السوري نفسه حيث مثل هاتين الخطوتين كفيلتين بإزالة الضبابية عن نهج الطرفين ويطرح السؤال الأهم برسم الرأي العام الكردي الشعبي لاتخاذ موقف و اذا كان الانفصال عن سورية لم يكن في يوم من الأيام مطلبا كرديا لا على مستوى النخبة السياسية ولا حتى على المستوى الشعبي لعامة الكرد فهذا يعني أن ارتباط مصير الكرد مع بقية المكونات السورية الأخرى أمر حتمي لذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح:
هل التخلص من الحكم الشمولي والانتقال بالبلاد الى نظام حكم برلماني ديمقراطي تعددي سيجعل من المكون الكردي شريكا فعليا في بناء البلد وأن حل الوضع الكردي مرهون بزوال حكم البعث؟
أم أن حل المسألة الكردية السورية يمكن أن يتم في ظل النظام الاستبدادي القائم ؟



مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]