الجزء الثاني

المسيرة التاريخية للتيارات السياسية الإسلامية والمسيحية واليهودية متشابهة، إن كانت في الشرق أو في أوروبا، لا يختلفون في كثيرة، رغم البعد الزمني الذي فصل بين ظهور منظماتهم المتطرفة، والتي تلائمت والاجواء الملائمة لإرهابها. أختلفت المذاهب في الشرق الإسلامي على السيطرة السياسية، كل جهة سخرت لذاتها مختلف أنواع التفسيرات للقرأن والأحاديث، ودعموا التطرف الفكري والمذهبي بإظهار الآلاف من الأحاديث الملفقة، ساندوا هذه الثقافة بالشكل العملي، فكل سلطة مذهبية خلقت لذاتها مجموعات خاصة بالإرهاب، ولم يتوانى البعض بأن تستأجر مجموعات متخصصة للقيام بعمليات القتل والإغتيالات المذهبية والسياسية،، تاريخ الخلافات مليء بمثل هذه الوقائع، بدءً من الخلفاء الهاشميين الأوائل إلى الأمويين والعباسيين وحتى السلاطين العثمانيين والصفويين. التراكمات المتنوعة في ثقافة الإسلام السياسي، أدت إلى بروز حكام بمفاهيم تؤمن بالتطرف والإرهاب كجزء من السيطرة، وشرائح من المجتمع تتبنى القضية عنهم، وأغرقوا الشعب في ثقافة بعيدة عن اللاهوت الديني النقي، وحجزت عنهم غيرها من الثقافات إلا النذر اليسير، علماً ان أغلب الحكام كانوا لا يؤمنون بالمذاهب ولا بالدين الحقيقي بقدر ما سخروا متبعيهم لطغيانهم، وحركاتها الإرهابية لبسط السيطرة.

تزايدت وتوسعت رقعة هذه المنظمات مع توسع قدرة الحكام الذين رعوهم في بداية القرن الماضي، سخروا لهم علماء ومعاهد دينية لإصدار تأويلات اسلامية تساند سياسة التطرف وتبرير الإرهاب دينياً، فأنكروا بفتاوي التعامل الإنساني الحضاري على بنية الإختلافات الدينية أو المذهبية وحتى القومية، والغيت ثقافة قبول الآخر بدينه أومفاهيمه المخالفة. رسخت معظم هذه المنظمات الإسلامية آراء مشوشة حول التعامل مع الثقافات الأخرى، وكثيرا ما دنسوا حالات التقارب من الحضارة الأوروبية أو الأميريكية، في الوقت الذي كانت تلك الدول منابع مصادر التغذية و الدعم بكل أشكالها الإقتصادية والعسكرية والإجتماعية.

ألتقت السلطتين الدينية السياسية والشمولية المدنية في طغيانهما على الشعب، تشاركوا وعلى مر التاريخ في الإستبداد المدني والروحاني، تلاقت مصالحهم في مجالات عديدة، نادراً ما تنافسوا على الإمتيازات، قسموها بين بعضهم، كل جهة دعمت الأخرى، وبررت التجاوزات والطغيان بتفسيرات، نشروا معاً ثقافة معينة، جمدوا بها الفكر البشري في الشرق الإسلامي وسخروا المجتمع لسلطاتهم. أستند الحكام الشموليين على مذاهبهم لنشر طغيانهم، وفي أغلب الحالات اصبغ الدولة بالمذهبية دون الإسلام الروحاني، وحشرت في دساتير الدولة فقرات لا تمت إلى الواقع العملي بشيء، مثلما هي الآن في سوريا أو إيران أو غيرهما.

وجدت التيارات المذهبية في الإسلام السياسي، سيطرة العالم الغربي الإقتصادي على العالم ومن ضمنها العالم الشرقي الغني بالموارد، البنية الخصبة لخلق المنظمات الإرهابية، واستعمال الاسلوب المرعب في السيطرة والطغيان، بدؤوا بتطبيقها على شعوبهم ونشروا الإرهاب في المجتمع الشرقي قبل الغربي، وفي الدول الفقيرة اقتصاديا وثقافيا قبل الغنية. لم تكن هناك دراسات تكتيكية للحد من سيطرة العالم الغربي على الإقتصاد أو السياسة في الشرق، بل جرفوا المجتمع إلى مفهوم الإرهاب على أنه موانع التصدي للامتداد الغربي على المنطقة، خلقوا على أثرها أجواء مسمومة في المجتمع الشرقي قبل الغربي، منها الصراعات المذهبية والدينية والإثنية بشكل واضح، وخلفوا أراء مشوهة عن الدين الإسلامي في المجتمعات الأخرى، بينوا عن وجه مغاير للإسلام الحقيقي، وخلقوا صراعات مميتة في المجتمع الإسلامي، الذي يحتضن العديد من القوميات، والمذاهب، فتحول المجتمع الشرقي إلى ساحات لقتال من جميع الأنواع، والتي أدت إلى ردات فعل سلبية في العالم، فبدأ الشرقي يدفع ثمن هذه المآسي للعالم الغربي من النواحي الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية، اصبح يرى ذاته مذنباً في كل شاردة وواردة، وفي كل حادثة عرضية، حتى أن بعض الكوارث الطبيعية اصبحت تقلق راحة المسلم، رهبة من أن يكون أرهابي شرقي قد قام بها.

الثورات التي تجتاح العالم الشرقي، كانت ثمرة المفاهيم المناهضة لهذه الثقافة الشاذة في مجتمعهم، لكن القوة الشبابية الثورية الواعية التي حملت شعارات نوعية في البداية لا تزال غير كافية للسيطرة رغم قيادتها وحملهم لراية الريادة، لكن في المنظور القادم، المجتمع الشرقي سيدفع الثمن أغلى مما يتوقع، والدمار بدء بها السلطات التي كانت تحتضن هذه التيارات الإرهابية وتغذيها، وهم يقومون بنفس المهمة التي قام بها في القرن الماضي الدكتاتوريات التي دمرت أوروبا عن بكرة أبيها، قبل ان يتبنى الشريحة الفكرية الثورية عملية بنائها على اسس ثقافية نوعية ديمقراطية إنسانية تتلائم والتطور الحضاري، فالشرق اليوم يكرر المسيرة، والدمار بدء يتوسع جغرافيته، على الأرض ومثلها بين القوميات والمذاهب والطوائف الدينية، ولا يخفى أن القوى الغربية تساند هذه التغيرات النوعية، وسوف تعمل الكثير للحد من الطفرات الإرهابية، والمنطق الإنساني والحضاري يبرر معظم التدخلات الدولية في المنطقة لإزالة بؤر الفساد النابع من السلطات الشمولية والدمار والذي تخلفه المنظمات الإجرامية.

هلك الملايين من البشر على يد دكتاتوريين وسلطات شمولية، كإنعكاس لسياسة الإرهاب التي بثوها في الوطن والعالم، فهم كانوا وراء أنزلاق المجتمع الشرقي إلى هوة التخلف وظهور المجموعات الإرهابية، ومن ثم الدمار والمجازر البشرية، ولا قوة حتى اليوم تستطيع إقافه، قد يتمكن البعض من تغيير مسار السقوط، والعالم الغربي شاهد يراقب ويتدخل بتخطيط، لأنه طرف فاعل في هذا التغيير القادم، على خلفية الإرهاب الذي صدر إلى العالم، وأثرت بشكل مباشر على الدول الأوروبية وأميريكا.

إنها عملية جدلية، أندرجت صراعهم مع الإرهاب الإسلام السياسي، والديمقراطية التي يجدونها السلاح الآخر للقضاء على الإرهاب وحاضنيها، مع الصراع التاريخي حول التعامل والتلاقي أو التنابذ الثقافي. فالتمهل وعدم تدخل الدول الكبرى في الصراع السوري الحالي تنبع من هذه الحقيقة، وتعتمد على المنهجية الخاصة بالتعامل مع الشرق المصدر للإرهاب، ولا يستبعد تخطيط لتكتيك ما قبل التدخل، وهو انتظار اللحظة التي ستجتمع فيها على الأراضي السورية بشكل واضح وعلني معظم اطراف االمنظمات الإرهابية السنية والشيعية مع القاعدة والسلطة الإيرانية المغذية والمحتضنة لبعضها، إلى حينها سيستمر الغرب بتقديم الدعم المتوازن للجميع وبالتساوي، ليقوم الكل بالقضاء أو إضعاف بعضهم أو الإتيان على نهاية تهديداتهم وإزالة خطرهم عن العالم، وعليه فتصريحات حزب الله وأيران حول تدخلهم بشكل علني مؤخراً في الصراع السوري كان من ضمن المخطط، فالصراع سيحل بالقضاء على السلطة السورية ومن ضمنها ستضعف شوكة إيران وحزب الله، أو إدخالهم في إطار الصمت الفعلي، إما بجغرافية وحدود مطوقة أو بتغيير كلي في قوتهم.

القادم من الصراع، بعد زوال النظام السوري والأطراف المؤيدة لها الداخلة في الهلال الشيعي، سينتقل إلى أعماق الجزيرة العربية، والتي تبينت وبشكل واضح على أنها حاضنة المذهب الوهابي بؤرة معاهد نشر ثقافة الإسلام السياسي، والتي خرجت ولا تزال تخرج المجموعات المتتالية، وحيث السيطرة شبه المطلقة لقوى العشيرة والعائلة، إلا أن التغيير الكلي، بالنسبة للعالم الغربي والقوى الديمقراطية، لا بد منه، فالإرهاب يجب أن يقضى عليه، مثلما قضي عليه في المجتمع الأوروبي أو في العمق المسيحي سابقاً والذي أمتد على مدى قرون، وما يظهر من دمار للاوطان والإنسان في الشرق، هي نتيجة لمسيرة طويلة في بناء تركيبة مغايرة لروحانية الدين الإسلامي الحقيقي، ومن مخلفات تسخير قوى الإسلام السياسي الدين لغاياتهم. على أمل ان لا يكون الثمن بحروب مشابهة للحربين العالميتين، رغم ما يجري اليوم في سوريا وما تقوم به السلطة والمجموعات المساندة لها من المنظمات الإرهابية الشيعية لا تقل فظاعة عن الجرائم الكبرى ضد الإنسانية والتي حدثت في الحربين العالميتين وما بعدهما.

الولايات المتحدة الأميريكية

[email protected]