معظم المراقبين كانوا يتوقعون أن يخرج الرئيس الأميركي باراك أوباما معلنا الحرب على سوريا، خصوصا بعد التصريحات النارية للمسؤولين الأميركيين وحلفاءهم بحتمية توجيه الضربة لنظام الأسد.. لكن خطاب أوباما كان مخيبا للآمال الإسرائيلية والخليجية وتركيا وللمعارضة السورية. اوباما قال إنه سيطرح الأمر على الكونغرس للتصويت، بالرغم من أن قرارا كهذا وفقا للنظام الأميركي لا يحتاج لتصويت من الكونغرس، يكفي أن يخرج أوباما كما فعل الرئيس السابق جورج بوش ويعلن الحرب.

صعد أوباما إلى الشجرة كما يقال، وضع خطوطا حمرا للحرب في سوريا، اتهم النظام السوري بتجاوز هذه الخطوط، لا بد من معاقبة النظام السوري كما قال مرارا. وفق التصريحات قال الأميركيون إن الضربة ستكون محدودة ولا تهدف إلى تغيير الموازيين على الأرض؛ بدا في ردود الفعل الأولية وخصوصا في تصريح لافروف بأن روسيا لن تنجر للحرب حتى لو هاجم الأطلسي سوريا بأن الروس أعطوا ما يشبه الضوء الأخضر للأميركيين بأنهم سيغضوا النظر عن الضربة الخاطفة كونها خطوة ضرورية لحفظ ماء الوجه للإدارة الأميركية أمام المجتمع الدولي، وتحافظ على ما تبقى من هيبتها كشرطي للعالم...

التطمين الأميركي للروس وللإيرانيين بأن الضربة ليس هدفها إسقاط النظام ولا تغيير المعادلات على الأرض، بل الهدف هو ردع أي نظام على استخدام هذه الأسلحة المحرمة دوليا... لكن، لماذا بدأت النبرة الأميركية تتراجع؟ ولماذا بدا أوباما بتصريحات الأخيرة مرتبكا وكأنه تورط بمواقف لم تدرس جيدا؟

ما حصل في الساعات الماضية ووفق مصادر عليمة تفيد أن الإيرانيين وجهوا تحذيرات واضحة للأميركيين بأن أي ضربة على سوريا هي بمثابة إعلان حرب سواءً كانت محدودة أو مفتوحة، وأن الرد سيكون كبيرا وقد يطال دولا خليجية، وعلى رأسها السعودية، في المقابل فإن صمت حزب الله وعدم تعليقه، وما ترافق من استدعاء لجميع وحداته الصاروخية، ووحدة ضرب تل أبيب ووحدة ضرب البارجات، بعث بإشارات حازمة بأن يد الحزب على الزناد، وأن ضرب إسرائيل بات مرجحا... كما أن النظام السوري أكد أن أي ضربة سيواجه برد كبير، وقد يكون هذا الرد ضرب صواريخ تحمل رؤوسا كيماوية على إسرائيل.

أما لماذا تصر إيران وحلفاءها على الرد ورفض العملية العسكرية الأطلسية بشكل حاسم، فيعود ذلك إلى سبب واضح، وهو اعتقاد الإيرانيين أن الأميركيين حين يضربون أهدافا محددة فإن ذلك سيؤدي إلى زعزعة النظام، فضرب الفرقة 17 مثلا في الرقة سيؤدي لسيطرة الجيش الحر على محافظة الرقة بالكامل، وضرب معمل القرميد ومعسكري وادي الضيف والحامدية سيسهل للمعارضة السيطرة على إدلب، كما أن ضرب بعض المواقع الأساسية في دمشق كالفرقة الرابعة في جبل قاسيون والقلمون ودمر ومواقع الحرس الجمهوري سيضعف القوة العسكرية بشكل كبير للنظام ويصبح من الممكن أن تتقدم المعارضة إلى قلب العاصمة لا سيما إذا ما زودت بأسلحة متطورة، كذلك الأمر في درعا وعدد من القرى والمدن. إضافة إلى ذلك، فإن الإيرانيين يعتقدون أيضا ووفق معرفتهم بالأميركيين، بأن البارجات الأجنبية قد لا تتوقف عند الأهداف التي وضعتها، بل ستتمادى أكثر إذا لم يكن هناك رد، الأمر الذي قد يؤدي إلى سقوط حليفهم أو إضعافه.

التحذيرات الإيرانية واضحة بأن المنطقة على بركان بارود، وأن الأميركيين قادرون على فتح المعركة لكن إغلاقها لن يكون بأيديهم، وأن المنطقة برمتها قد تدخل في المجهول.
هنا وبعد هذا السيل من التهديد والتهديد المضاد، بدا أن الأمر أكثر تعقيدا مما كان يرسم له الأطلسيون، وأن الأمور قد تأخذ مسارات أخرى شديدة الخطورة. أمام هذا المشهد، وجد الرئيس أوباما نفسه في وضع حرج، وضع الكرة في ملعب الكونغرس.

وبانتظار تصويت الكونغرس، فإننا على ما يبدو أمام سيناريوهين، إما أن ينكفئ أوباما بذريعة أن الكونغرس لم يوافق على الضربة، أو بذريعة أن اللجنة لم تثبت يقينا بأن النظام هو من استخدم الكيماوي، وفي كلا الحالين فإن في ذلك تدشين لحقبة تاريخية جديدة، فيها إعلان ضمني، بأن أميركا لم تعد القطب الأوحد في العالم، بل بات بوجهها أقطاب ولاعبين آخرين، وأنها لم تعد قادرة على فرض إملاءاتها على العالم، وأن ثمة محور عالمي مواز (الصين- إيران- سوريا- حزب الله- حماس فيما بعد) قادر على التصدي لها، ومضطرة للتعامل معه. أما ثاني الخيارات، فهو أن تلجأ اميركا لتأجيل الضربة إلى حين استيفاء الاستعدادات هي وحلفاءها وفسح المجال للمزيد من المشاورات بغية تدارك التداعيات، وإذا رست الحسابات على هذا الخيار فإن كل السيناريوهات ستكون مفتوحة، وسيكون جميع الأطراف والمنطقة يرقصون على حافة الهاوية.

*كاتب ومحلل سياسي