أثناء أحداث معلولا قررت أن لا أكتب أي شيء عن هذا الموضوع وعن المعارك الجارية في قلب هذه المدينة التي تعتبر رمزا مسيحياً في سوريا وفي الشرق الأوسط، لكي لا نُتهم من بعض الأطراف باستعمال هذا الرمز المسيحي التاريخي، كمادة لترويج الخطر المحتم على الوجود المسيحي في سوريا أو في الشرق الأوسط، كما كنت متأكدا بأنها لعبة جديدة من أطراف النزاع الملطخة أيديهم بدماء السوريين، لاستدراج المسيحيين مرة أخرى في لعبتهم وإدخالهم إلى عش الدبابير.
ومن طرف آخر، إن نظرنا من الناحية الاستراتيجية، فنجد أن هذه المدينة لا تقع في منطقة تعد مفصلية أو نقطة الحسم وقلب الموازين في الصراع، وليست محطة لا بد من المرور عليها والقتال فيها لتغيير كفة طرف على حساب الآخر، مع الأخذ بعين الاعتبار أهميتها السياسية والدينية والتاريخية، فقد تم استعمال هذه المدينة ذات الرمز الديني الكبير عند المسيحيين واستخدام سكانها من قبل الفرقاء، ورقة من الممكن أن يستفيدوا منها سياسياً وأمام الرأي العام الدولي، وعلى رغم بعدها عن خط النار والمعارك الجارية بين الطرفين، لكنها ليست بعيدة عن خط تقاطع الطريق الذي يربطهم بحمص.. على كل الأحوال، هذه العملية لا تعمل على جلب أي منفعة أو فائدة عسكرية ميدانياً إلى أي طرف من الأطراف المشتركة في هذه المعارك.. إذن، اللعبة واضحة و مكشوفة، وليست إلا زيادة في أعداد القتلى، وتوسيعاً لدائرة التدمير، وحقناً للطائفية.
مع ذلك، وعلى أساسها، تم الدخول إلى معلولا وعلى سكان معلولا، ليبدأ مسلسل تقاذف التهم ما بين الأطراف، ويستكمل مسلسل الموت السوري، فتضررت مناطقهم وانتهكت أعراضهم وهُجروا وعُذبوا.. فحالهم من حال جميع السوريين من جميع الطوائف والمكونات، وليسوا أفضل من باقي السوريين الذين اصابهم ما أصاب أهل هذه المدينة، وعليهم ما على غيرهم من اخوانهم السوريين، فهم ليسوا حالة استثنائية لكونهم مسيحيين، ولكن يصبحون حالة استثنائية عندما يهاجمون ويتهمون بخيانة الوطن والعمالة والانحياز للنظام أو لحلفاء هذا النظام أو إلى أطراف خارجية غير سورية وغيرها من التهم... وبما أننا نتكلم عن جهات خارجية، سأذكر بعض الوقائع التي نسيها البعض ويتناساها البعض الآخر، وسأتكلم عن الدعم الخارجي وعن ارتباط الطوائف السورية بأطراف خارجية منذ بداية الصراع وقبله أيضاً، سياسياً، اقتصاديا، عسكريا.. إلخ... وليسامحوني الأخوة في باقي الطوائف إن نسيتهم سهواً أو لم أّذكرهم.. وعليكم أن تقرروا إن كانت هناك خيانة أم لا..
الطائفة السنية: مدعومة من قطر والسعودية وأمريكا وتركيا وأوروبا ودول أخرى كثيرة حسب الولاءات والانقسامات...
الطائفة العلوية: من إيران ومن روسيا ومن الصين ومن أطراف لبنانية ومن دول أخرى...
الطائفة الشيعية: من إيران ومن أطراف لبنانية ودول أخرى..
الكورد: من إقليم كردستان ولهم أطراف داعمة أخرى...
الدروز: لهم أطراف داعمة في لبنان...
أما المسيحيون: من هم المسيحيون في الأساس؟؟.. من هو الطرف الداعم لهم؟.. من وقف إلى جانبهم؟.. من هم الدول التي ساعدت ودعمت هذه الفئة؟
لم يأخذ المسيحيون سوى الخطابات الكاذبة من أفواه الكاذبين الذين يتكلمون عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات.. فليذكر لي أحداً دولة أو طرف أو منظمة أو حركة واحدة قامت بدعم ومساعدة المسيحيين السوريين، مع كل هذا لا تتوقف الأفواه عن اتهامهم بالعمالة والتخوين والانحياز جهاراً ونهاراً..
لماذا المسيحيون دون غيرهم؟
بالله عليكم قولوا لي، من يجب أن يتهم من؟
أريد أن أقول لمن يتعامل وينظر للأمور من منطلق عاطفي، أو لمن يحاول المتاجرة بهذه الفئة أو بهذا الجزء الذي لا يتجزأ من الشعب السوري.. ارجع للتاريخ قليلاً لكي ترى الأمور من وجهتها الصحيحة، فالتاريخ كفيل بأن يشرح ويوضح لمن يشك في وطنية وموقف هؤلاء من الوطن، فالمسيحيين في سوريا ليسوا بحاجتي أو بحاجة غيري للدفاع عنهم، مواقفهم وصمودهم ووطنيتهم وحبهم وانتمائهم للوطن عبر التاريخ تكلم عنه المسلمين قبل المسيحيين.
نعم هناك خوف على التواجد المسيحي في سوريا وفي الشرق الأوسط أيضاً، وليس فقط على المسيحيين فحسب، لا بل على المسلمين أيضاً بجميع مذاهبهم وطوائفهم، والخوف الأكبر هو على الإسلام، الخوف من أن يتغير موقف المسلمين تجاه الإسلام جراء ما يجري اليوم باسم الإسلام وهو بريء منه ومنهم..
نتكلم وندعي أن هناك أقلية quot;المسيحيينquot; منحازة للنظام، ولا نتكلم عن أكثرية ساعدت النظام على البقاء صامدا إلى يومنا هذا، وإن أجرينا عملية استطلاع بسيطة سنرى أن الأكثرية، من اخواننا من quot;الطائفة السنيةquot; هم مع النظام وفي النظام، وكما ذكرت هم الأعمدة الأساسية في استمرار هذا النظام، والصورة واضحة كما أظن أمام كل متابع للوضع السوري..
هل عندما يحاول الشعب، أو تحاول طوائف بعينها بما فيهم جزء ليس بقليل من الأخوة في الطائفة السنية على ردع العدوان عن بلادهم، والوقوف بصف واحد مع اخوانهم من المكونات السورية الأخرى ليقولوا لا للولايات المتحدة الأمريكية ولا للتدخل العسكري الذي سيأخذ البلاد إلى تقسيم حتمي وإلى المزيد من القتل والتشريد وتدمير ما تبقى من سوريا.. تكون هذه خيانة !؟.. عندما يصرخون بquot; لا quot; لأميركا، لهذه القوة التي أصبحت عظمى بالمتاجرة بالشعوب وصعدت لتتربع على العرش بخيرات الشعوب وعلى أكتاف الشعوب والتي هي أيضاً تاريخها يشهد لها، فليس هناك من داعي للكلام.. فهل يكونون مجرمين باعوا الوطن؟
هل قامت الثورة وبدأ الحراك لكي يُستبدل النظام باحتلال، وهل ستكون أمريكا منقذ الشعب السوري؟
وهل سيكون أوباما وأسطوله الحربي، أحن على الشعب السوري من الشعب السوري نفسه؟
نحاول الهروب من الحقيقة ومن الواقع الذي اصبح بوضوح الشمس، وندور في دائرة فارغة نبحث عن حل يخرجنا من ما نحن عليه، بإلقاء اللوم على غيرنا من الذين أصبحنا نعتبرهم اليوم ليسوا منا لا بل علينا، ولا نبحث عن الحل وعن نتيجة إيجابية، بل نحاول تعقيد الأمور ونعمل على حقن الطائفية أكثر وأكثر مما هي عليها..
ناهيك عن تجار البشر وتجار الحروب، ففي كل المجتمعات نجدهم متواجدين، وبالأخص في الصراعات والنزاعات، يتكاثرون وينتشرون مثل حالة مرضية من الصعب القضاء عليها، فهؤلاء ليسوا إلا من اصحاب النفوس المريضة من كل الطوائف والمذاهب، الذين يتاجرون بالوطن وبأبناء الوطن وكل شيء يحيط بالوطن، وهدفهم أن نصل إلى ما وصلنا إليه في سوريا خاصة وفي المنطقة عامة..
لنكتفي من استعمال هذه المصطلحات، فلا توجد أقلية ولا أكثرية، هناك سوريين، سوريين عاشوا وتعايشوا وتقاسموا quot; الحلو والمرquot; في هذا البلد بغض النظر عن دينهم وطائفتهم ومذهبهم وعرقهم ولونهم، سوريين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل بلادهم في الماضي وفي يومنا هذا..
فأنا مسلم وأنا مسيحي وأنا يهودي، أنا إنسان.. المهم أنني سوري.
فليكن ديننا واحداً، وطائفتنا واحدة، ووطننا واحداً.. سوريا.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات