ساءتني مظاهر الابتهاج والفرح بموت إريال شارون ليس من حزن على وفاته ولكن حزنا وألما على عدم استحياء الفرحين بموته من أن يعبروا علانية عن مشاعر الكره والحقد نحو ذلك العدو. لقد أكد هؤلاء على ضعفهم وخذلانهم ليس في ساحة المعركة ولكن في نظرتهم الضعيفة نحو أنفسهم. لم يقبل هؤلاء بانهزامهم أمام شارون وجيوشه في ساحة المعركة فذلك أمر طبيعي، ولكنهم فضلوا أن يأثر لهم عزرائيل من القائد السابق لجيش الأعداء. ولكن عزرائيل لم يأخذ روح شارون انتقاما للشعوب العربية والإسلامية. ثقافة التطبيل لمصائب الأقوام هي أدنى درجات احترام الانسان لذاته بل أنها لا ترقى إلى أي من درجاته. فالظاهرة الطفولية السائدة هذه الأيام هي أن تُرى المصائب أو العواقب غير المرغوبة بها التي تقع في الغير بأنها quot;عقاب من اللهquot; وإنتقاما لأفعالهم الشريرة، أما تلك التي تقع فينا وعلى من نحب فهي quot;اختبار من اللهquot; وامتحان ليرى مدى مقدرتنا على الصبر كي يجازينا خيرا في الآخرة - ما أبسط ذلك التعليل الملون بسذاجة التعالي وعقلية الانسلاخ من الواقع.
من كان الإسلام نبراسه فليتذكر أن الرسول الكريم زار جاره بعد أن افتقد القاذورات التي كان يضعها أمام باب منزله دون انقطاع. فوجد جاره مريض فوجبت عيادته ولم يرى مرضه جزاء من رب العالمين له ولما كان يكيله له. كيف يتجاهل الناس هدي الرسول المصطفى ويستسلمون للشيطان ووسوساته مهللين بالمصائب ومرحبين بالمساوئ؟! وإن كانت تلك القصة لا تؤكد على كيفية تعامل المسلم مع عدوه فلا ننسى صلاح الدين الأيوبي ولقائه بعدوه رتشارد قلب الأسو في حروبه الصليبية، حين أدرك مرضه فأرسل له طبيبه وأعطاه فرسين لعجز حصانه. عجبا! ألم يخطر ببال صلاح الدين أن المرض ربما يقضي على عدوه وبالتالي لا يحتاج إلى مواجهته في أرض المعركة؟ من المؤكد أن ذلك كان جزءا من حساباته ولكن محاربة العدو في أرض المعركة لا يعني تجرد الفرد من إنسانيته. لم يختلط الأمر على الأيوبي فكان تعامله مع عدوه في ساحة المعركة من خلال جيشه وسلاحه وأما تعامله خارج ذلك فكان في إطار إنسان مقابل آخر حتى وإن كان ندّا له. إنسانيته قد أوجبت عليه أن يتجاهل حقارة الغدر وأن يبقي على رفعته واحترامه لذاته فبدونها لكان قد اندرج إلى النجاسة والخسة. لقد أدرك أن احترام العدو هو أول خطوة نحو النصر فإن خسر المعركة على الأرض فيبقى احترام الذات منارا ينير الدرب إلى المعركة القادمة.
إن كان الاحتفال بموت شارون هو الخطيئة الوحيدة للفرحين وأن الله عفو رحيم فأذكرهم بأن إسرائيل قد انتصرت في حروبها المتتالية ابتداء من إعلان الدولة الإسرائيلية عام ١٩٤٨ ومن بعدها في ٥٦ و ٦٧ و ٧٣ و ٨٢ وفي غيرها من المعارك. بالإضافة إلى انتصاراتها العسكرية هناك انتصاراتها الدبلماسية بالتودد إلى حملة مفاتيح القرارات الدولية خاصة الولايات المتحدة ومراوغاتها السياسية التي قطفوا ثمارها عبر السنين. الخسارة في هذه المعارك يجب أن لا تحولنا إلى وحوش مصابة بداء الكلب تعوي وتهاجم أيا كان دون فكر ولا غاية.
الدرس الذي يجب أن نتعلمه هو أن استراتيجية الانتظار إلى أن تحل المصيبة في العدو ليست بالاستراتيجية الحكيمة ولن تؤدي إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما أننا نعي جميعا أن الخيار العسكري لن ينتهي بالإنتصار ولن يعيد الأراضي الفلسطينية بل أن خسارة أراضي إضافية هي نهاية حتمية إذا نظرنا إلى جميع المعارك الماضية. من دون نضج فكري وحكمة دبلوماسية وتكتيك سياسي يسعى إلى المصالحة الداخلية والى اتفاق الحل النهائي السلمي مع اسرائيل فلن يكون هناك أي تقدم من أجل فلسطين ويكون بالإضافة إلى خسارة المعركة الحربية والمعركة الدبلوماسية نكون قد خسرنا أنفسنا وانهزمت إنسانيتنا فالخير لن يولد من رحم الكراهية.
التعليقات