سكن الانسان الأول فى كهوف المنطقة الجبلية فى شمال العراق منذ نحو من ثمانين ألف سنة، وبحكم موقعه الجغرافي ومياه أنهاره وخصب سهوله كان مسرحا لعدة أمم وشعوب، ومن أقدم الأمم التى عاشت فيه quot;السومريونquot; وهم من الأمم الآسيوية غير السامية إستوطنوا جنوبي العراق 3800-6500 قبل الميلاد، وأنشأوا مدنا عظيمة منها الوركاء وآثارها اليوم فى مركز ناحية الخضر قرب مدينة السماوة، واخترعوا الكتابة، وأقاموا المعابد، واستعملوا العربات ذوات العجلتين، وصنعوا الأسلحة من النحاس الأحمر، وصنعوا الأكواب والأوانى الذهب، والقيثارات المطعمة بالأحجار الكريمة.

تبعهم الأكديون الذين نزحوا الى العراق من جزيرة العرب 2400 ق.م. وتحضروا بحضارة السومريين وتعلموا منهم أصول المعاملات التجارية والقياسات والأوزان والمكاييل والنحت والنقش، وتركوا العيش فى الخيام وابتنوا المساكن والقصور من الطابوق. وبرز من بينهم الملك ساركون الأكدي الذى وحّد دويلات المدن الى مملكة واحدة وضم اليها اراضى قبائل زاغروس فى شمال العراق وشرقه، ثم رجع جنوبا الى البطائح شرقي دجلة واستولى على لكش واتخذ الوركاء عاصمة له، ثم استولى على اور، ثم وجه جنوده نحو بلاد العيلاميين فى الشرق المعروفة اليوم بـ(عربستان) و (خوزستان)، وأرسل أسطوله فمخر الخليج العربي، و بحر عمان وبحر العرب، وضم جزرها الى مملكته.

والعموريون حكموا (1830-1530 ق.م.) وبرز منهم حمورابي الذى استولى بالتتابع على دويلات العراق، واشتهر بأعماله السياسية والحربية والقانونية، وأعظم ما خلّد مجده المسلة القانونية العظيمة وهى من حجر أسود نقش فيها بالخط المسماري جميع الشرائع السومرية القديمة والقوانين العادلة، ومد جسرا على الفرات يصل بين جانبي بابل التى أصبحت قبل ما يقارب ألفي سنة قبل ميلاد المسيح من أغنى المدن والعواصم التى عرفها تأريخ العالم قديمه وحديثه.

وظهر الآشوريون فى المنطقة الجبلية شمال العراق، وأكثر المؤرخون يذهبون الى ان الآشوريين هم من الأقوام الساميين الذين كانوا فى جزيرة العرب ثم طلعوا فى حدود الألف الثالث ق.م. الى هذه البلاد التى نسبت اليهم قديما. وظلت لآشور السيادة على بلاد العراق الى سنة 612 ق.م. كان الآشوريون محبين للحرب وأصبحوا أعظم قوة حربية رآها العالم القديم، وكانت قوتهم تعود الى مهارتهم باستعمال الحديد لأول مرة فى العالم، وماهرين بالرماية بالسهام، واخترعوا الكثير من من الآلات الحربية للهجوم على المدن المحصنة.

والكلدانيون هم قبيلة كلدى الصحراوية التى استقرت حول رأس الخليج العربي منذ النصف الثانى للألف الثانى ق.م. واشتهر من ملوكها نبوخذ نصر (604-561 ق.م.) وقد عد جماعة من المؤرخين عهده من العهود المجيدة فى التأريخ البشري، وأظهر مقدرة حربية هائلة، فلما ثارت عليه مملكة يهوذا حاصر أورشليم (القدس) وفتحها عنوة وعاد الى العراق بالأسرى ومنهم (يهوياقين) ملك يهوذا وذلك فى السبي الأول، وحصل السبي الثاني عندما رفض الملك (صدقيا) دفع الجزية فقتله نبوخذ نصر مع حاشيته وهدم هيكل سليمان، وسبى زهاء اربعين الف مقاتل الى بابل وأصبحت حدود الانبراطورية البابلية الكلدانية تمتد من خليج العرب جنوبا حتى تخوم مصر غربا. وبلغ الرخاء فى عهده فى البلاد منتهاه، فقد أعاد بناء المعابد حيث كانت تعبد الآلهة البابلية، وبنى بوابة عشتار والجنائن المعلقة التى عدها الاغريق من عجائب الدنيا السبع، وأصبحت بابل فى عهده أعظم مدينة فى معمور الأرض.

هذا هو بلدى العراق الذى أطلق عليه الغربيون اسم: مهد الحضارات

Cradle of Civilization

الذى ورثناه عن اولئك الأفذاذ المبدعين الأبطال والذى أفتخر به وبمن يحمل جنسيته مهما كان دينه او قوميته او أصله او جنسه، وأشعر بأننا جميعا داخل حدوده كعائلة واحدة تجمعنا هويتنا العراقية. أبتلينا فى العراق كما ابتلى كل العالم الاسلامي بتشظيهم الى مذاهب متعددة بسبب اختلاف تفسير الآيات القرآنية من قبل المفسرين الذين كانوا يمارون حكام زمانهم ففسروا الآيات طبقا لرغباتهم، وتلاعبوا بالأحاديث النبوية فزادوا فيها أو أنقصوا منها. كما قاموا برفع بعض قادة المسلمين الأوائل الى اعلى عليين أو انزلوهم الى اسفل سافلين، ونسبوا اليهم خرافات لا تتقبلها العقول السوية لقاء ما كانوا يستلمون من الحكام من أموال، وورثنا نحن أبناء هذا العصر تركة ثقيلة من متناقضات لا أول لها ولا آخر، وخلقوا بيننا خلافات قد تستمر الى ابد الآبدين.

من المؤلم حقا أن يظهر بيننا فى العراق سياسيون او اشباه سياسيين يتنافسون بشدة وعنف على المناصب، وينضم اليهم دجالون يدعون بالدين معرفة ويصدرون فتاوى عجيبة غريبة، منها المضحكة ومنها المبكية، مثل جواز الزواج بخمسين امرأة ونكاح الجهاد، ويخدعون السذج والمغفلين لكسب أصواتهم الانتخابية، و يحجّبون البعض منهم (كالنساء) ويدفعوهم الى مقاتلة أبناء وطنهم بحجة الجهاد فى سبيل الله، فيسفكون دماء الأبرياء اينما وجدوهم، فى البيوت و فى المدارس والمستشفيات، لا فرق عندهم بين شيخ كبيروطفل صغير ورجل وامرأة، ولا يسلم من فتكهم حتى المصلون فى بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه، طامعين بما وعدهم به الدجالون من جنات تجرى من تحتها أنهار من خمر وعسل مصفى وحوريات عين وغلمان مخلدين. هؤلاء المجرمون الآتون من من كل جهات الأرض الى بلدنا لقتل أهلنا، يساعدهم فى التسلل الى عقر ديارنا السياسيون وأصحاب العمائم الذين باعوا أنفسهم للشيطان من أجل الحصول على الأموال والمناصب. وما يحدث الآن من قتل ودمار فى الفلوجة والرمادى هو من صنع أياديهم القذرة، قاموا به بعد أن أخرجوا عوائلهم وأحبابهم الى الأردن وبلدان أخرى كانوا قد هرّبوا اليها أموالهم مسبقا، وتركوا أهل الفلوجة والرمادي الشرفاء عرضة للقتل والجوع والمرض. ويدعى هؤلاء الطغام كذبا وافتراءً أنهم يدافعون عن أهل السنة (المهمشين) كما يدعون، وعن عرض النبي (ص) وعن عمر الفاروق (رض) وأبو بكر الصديق (رض) وغير ذلك من الترهات التى قد تجوز على البسطاء.

أنظروا الى ما فعله هؤلاء الأوغاد من القاعدة والداعشيين فى سورية التى قام أهلها بثورة عارمة ضد حزب البعث المجرم وبشار الطاغية ابن الطاغية، فتغلغلوا بين الثوار وقلبوها من ثورة على الظلم والاستبداد الى تناحر طائفي دموي قتل العباد ودمر البلاد، وأدى الى تشريد نصف السوريين الى البلدان المجاورة و النصف الآخر يعيش حالة رعب وجوع ومرض ولا يدرى ما يخبؤه له الغد، مما دفع الأوروبيين والأمريكيين الى التوقف عن ارسال المعونات العسكرية خوف سقوطها بأيدى القتلة السفاكين.

إن العراق يتعرض اليوم الى خراب ودمار قد يفوق ما حصل فى سورية، ولا ينقذه من ذلك إلا تكاتف شعبه، وخاصة من سكان محافظة الأنبار، ويلفظوا الدخلاء الغرباء لفظ النواة، وتقديم من عاونوهم وسهلوا دخولهم الى العراق من أهل المحافظة وغيرها الى المحاكم لينالوا جزاءهم على ما فعلوه من إجرام بحق أبناء شعبهم المظلوم. يقول أحد الأمثال: quot;عندما يشتد الظلام تظهر النجومquot;، ونحن بالانتظار.