وضعت تطورات الأحداث في الأنبار، وخاصة في مدينة الفلوجة التي وقعت بيد التنظيمات الارهابية المسلحة في غفلة من الجميع، الحكومة الاتحادية وقوات الجيش أمام خيارين صعبين ومصيريين، يتراوحان بين الاستمرار في تجنب اقتحام المدينة عبر قوات الجيش، وانتظار أن تقوم عشائر المدينة بهذه المهمة، وبين الحسم العسكري وتولي الجيش تنفيذ عملية طرد هذه التنظيمات الارهابية من المدينة.
وبلا شك لكل من هذين الخيارين تبعاته وآثاره السلبية والايجابية فقرار رئيس الوزراء نوري المالكي عدم اقتحام المدينة عن طريق الجيش، يهدف الى تجنيب المدنيين تحمل خسائر معركة دامية، وتفادي اعطاء مزيد من الذرائع للجهات والأطراق التي تبحث عن الحجج لكي تضفي على المعركة الدائرة مع الارهاب، طابعاً طائفياً. فضلا عن أعطاء العشائر، في الفلوجة وخارجها، وكذلك حكومة الأنبار المحلية، فرصة معالجة الموقف بنفسها وطرد التنظيمات الارهابية من المدينة.
لكن هذا القرار، الذي وصف بالحكيم، قد ينقلب بالضد من الأهداف المرتجاة منه، في ظل مراوغة العشائر وترددها في مواجهة (داعش) وبقية التنظيمات، وقد يمنح هذه التنظيمات فرصة ذهبية لتعزيز وتكريس احتلالها للمدينة وتحويلها الى مركز انطلاق لأعمالها الارهابية.
لقد كشفت أحداث الأنبار، منذ انطلاق العملية العسكرية لمطاردة التنظيمات الارهابية في الصحراء، حقائق ناصعة لا يريد البعض الاعتراف بها، في مقدمتها أن (داعش) والتنظيمات الارهابية الأخرى، لم تهبط من الفضاء ولا هي خرجت من باطن الأرض، إنما جاءت ونمت وترعرعت ووجدت لها ملاذات آمنة في داخل مدن المحافظة وبين أوساط بعض عشائرها، وتقدم الفلوجة دليلاً لا يدحض عن اختضان بعض العشائر لهذه التنظيمات الارهابية، وهو الأمر الذي يتكشف اليوم من خلال امتناع هذه العشائر عن مواجهة (داعش) ومحاولة منع التحرش بها من قبل قوات الجيش أو العشائر التي تريد تخليص المحافظة من شرورها.
ومن دون القفز على الأسباب والعوامل التي حرضت وشجعت على مثل هذا التواطؤ مع تلك التنظيمات، وهي أسباب وعوامل بعضها موضوعي كرسته فترة طويلة من الإهمال والجفاء الحاصل بين بعض سكان الأنبار وعشائرها وبين الحكومة الاتحادية، إلا أن كل ذلك لا يستدعي ولا يوجب السماح لأفاعي الارهاب والتكفير، بالتسلل والتوغل في أوساط أبناء المحافظة، الذين سبق وأن ذاقوا مرارة السموم التي تجرعوها في سنوات ماضية، عندما عاثت القاعدة أيام ولاية المجرم الزرقاوي، فساداً وقتلاً وإذلالاً وترويعاً لأبناء العشائر وشيوخها ووجهائها، الأمر الذي اضطرهم لحمل السلاح وتشكيل الصحوات لمقاتلة القاعدة والخلاص منها.
إن قبول عشائر الفلوجة لتجريب المجرب، مرة أخرى، وتعريض محافظتهم وعوائلهم الكريمة وأملاكهم، لويلات معارك دامية وحروب طاحنة، ستعود بشرورها حتماً على العراق برمته، لا يمكن عده غير عملية انتحار، الرابح الوحيد من آثارها المأسوية، هو تنظيمات الارهاب والخراب والجريمة.
فليهب أبناء الفلوجة لطرد (داعش وأخواتها) ومنع خراب مدينتهم، ولينظموا الى أخوتهم أبناء عشائر الرمادي وعموم الأنبار، الذين يقاتلون بكل بسالة لقطع رأس الأفعى ومنعها من بث سمومها في أوساطهم.
التعليقات