جمعة الحلفي

لا يبدو أن هناك حلولا في المدى المنظور لأزمة الأنبار، لا سياسية ولا عسكرية. فالحكومة أشبه بالعاجزة عن معالجة الموقف عسكرياً، خاصة داخل المدن، لأسباب كثيرة منها:

أولاً: رفض بعض أطراف الأزمة من العشائر، أي تدخل للجيش بدعوى أنه جيش quot;المالكيquot; أو quot;جيش الشيعةquot; برغم أن الحكومة سبق أن استجابت لدعوات عدم زج الجيش في المواجهات مع (داعش) وقامت بسحبه من الأنبار في بداية الأحداث، ثم أعادته إليها بطلب من حكومتها المحلية، التي وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة هجوم التنظيمات المسلحة على مؤسسات الدولة في المحافظة.

ثانياً: استخدام هذه التنظيمات للسكان دروعاً بشرية بعد أن توغلت داخل قراهم واحتلتها بالقوة أو بالرضا، كما هو الحال في مناطق البوبالي والبو فراج والفلوجة، ما رتب على القوات الحكومية اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر من احتمال تعرض المواطنين لمخاطر المواجهات العسكرية المباشرة. ومع أن القوات الحكومية تمكنت مؤخراً من تطهير هذه المناطق ثم قامت بتسليمها للعشائر، بسبب عدم امكانية بقاء الجيش فيها، إلا أن المعلومات الواردة مؤخرا تؤكد عودة التنظيمات المسلحة لاحتلالها مجدداً.

ثالثاً: لم تتوفر للجيش إمكانات وتجارب لخوض حروب شوارع وعصابات، يبدو أن التنظيمات المسلحة خططت لها بهدف جر الجيش واستنزافه، بعد أن زرعت الطرق والمزارع بالألغام وتحصنت في أعالي المباني والمساكن مستخدمة القناصة بكثافة في مواجهة أي تقدم للجيش.

رابعاً: اتساع الرقعة الجغرافية لساحة المواجهات مع التنظيمات المسلحة وصعوبة بعض تضاريسها، خاصة في المناطق الصحراوية، الأمر الذي يشكل عبئاً إضافياً ويتطلب أعداداً هائلة من قوات الجيش، التي يصعب عليها، في نهاية المطاف، الاحتفاظ بالمناطق التي يتم تحريرها أو طرد المسلحين منها.

خامساً: في مقابل ذلك وجدت الحكومة الاتحادية نفسها أمام خيارات صعبة، فإن هي قررت المضي بحسم الموقف عسكرياً، ستواجه، لا محالة، صعوبات كبيرة على الأرض، فضلا عن إثارة المزيد من الزوابع السياسية والاعلامية، من طرف الجهات التي تتربص أي ارتكابات يمكن أن تقع فيها الحكومة، من قبيل اتهامها بالطائفية وباستهداف أبناء المحافظة، وهي أوراق جاهزة للطعن بها.

خامساً: تدرك الحكومة، مقابل ذلك، ومن دون ادنى شك، أن مرور المزيد من الوقت بانتظار أن تعالج الشرطة المحلية وأبناء العشائر الموقف، معناه منح التنظيمات المسلحة فرصة ذهبية لتكريس احتلالها للمناطق المتواجدة فيها، وتحويل هذا الاحتلال الى أمر واقع تصعب معالجته، وهو ما يعيد الى الأذهان المثال السوري، وسيطرة (داعش) على مناطق كثيرة وواسعة في شمال البلاد، والتمركز فيها، من دون رضا سكانها، فكيف سيكون الأمر في الأنبار وهناك بعض الأوساط والعشائر المتواطئة، أوالقابلة بوجود داعش في مناطقها؟