قال الإمام علي بن ابى طالب (كرم الله وجهه) لرجل أفرط فى مدحه والثناء عليه -والامام يدرك ان الرجل ينافق ويقول ما لا يضمر-: quot; أنا دون ما تقول وفوق ما فى نفسكquot;. وكثيرا ما سمعنا المثل القائل: quot;من مدحك بما ليس فيك فقد ذمكquot;. ومع هذا تجد بعض الناس تنتفخ اوداجهم عند سماعهم المديح الذى لا يستحقونه. والمفروض فى السيد مقتدى الصدر ان يسير على هدى جده إمام المتقين وشهيدي الأمة الصدر الأول والثاني، فلا يغره ثناء المنافقين ولا تزلف المنتفعين، بل يحاول معرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك، خاصة عندما تأتى من سياسيين عرفوا بالذكاء والفطنة وعركتهم السنين الطوال فى ممارسة السياسة من أمثال السادة مسعود البارزاني، أسامة النجيفي، اياد علاوي، احمد الجلبي، حسن العلوي، ورحيم العكيلي ومن على شاكلتهم. وهم يطلقون على السيد مقتدى لقب (سماحة السيد) وهو لم يكمل دراسته بعد، ولا ادرى لماذا لا يدرك السيد نفاقهم.
وأضحكنى كثيرا ما قاله القاضى رحيم العكيلي الذى دافع عن مقتدى حينما انتقده رئيس الوزراء السيد المالكي، فقال: ان هذا الرجل (العظيم) الذى قاوم الاحتلال لا يحق لأحد ان يتجرأ عليه!. و نسي القاضي هروب السيد مقتدى الى ايران بعد اندحاره فى جولة الفرسان فى البصرة، تاركا أصحابه من جيش المهدي لمصير مجهول.
وكذلك عندما وصفه اياد علاوي بأنه quot;امتداد حيquot; لدور اسرته فى مجابهة الاحتلال ومنازلة الطائفية السياسية المقيتة. وقال علاوي أيضا: ان السيد الصدر لم يعد ملكا لنفسه بل هو لكل العراقيين وجزء اساسي من حركة الشعب العراقي الى الأمام!. اياد علاوي يتحدث عن (مجابهة الاحتلال) وهو الذى تعاون مع الأمريكيين فى ضرب الفلوجة بمساعدة قوات البيشمركة خلال عام 2004، وكان متعاونا مع الأمريكيين فى معارك تلعفر والنجف خلال فترة رئاسته للحكومة العراقية. وبسبب الانتخابات المقبلة يحاول علاوي التملص من مسئولية ما حدث فى الفلوجة فى عام 2004 فادعى انه كان على وفاق مع عشائر الفلوجة وانه كان يساعدهم فى مطاردة الزرقاوي الارهابي الذى قتل اثناء غارة جوية أمريكية.
أما السيد حسن العلوي فقد أطنب بوصف (السيد) بعد مغادرته العراق قبل ايام واعلانه عن اعتزاله السياسة وانه سيواصل دراسته الدينية فى قم/ايران، فقال العلوي عن مغادرة السيد قطعة أدبية رائعة آية فى النفاق، ومما جاء فيها: quot; ان وقع احتجابكم عن الشأن السياسي اليومي كان لا يقل عن احتجاب الماء عن دجلة. أجل ايها الصديق القائد ان سماءنا التى احتجبت بالغمام مازالت منذ ايام وهى تدر على الثرى المكروب نعمة السماء على الأرض -وهو يقصد الأمطار التى هطلت فى تلك الأيام-. السلام عليك محتجبا بلا حاجب والسلام عليك منكشفا على زرقائها بعد صبيب الغمامquot;. حسن العلوي البعثي القديم الذى يملك قدرة عجيبة على التلون، صادق ثم عادى الكثيرين من السياسيين العراقيين، وكان كثير التنقل بين بغداد والعواصم المعادية، ولم يتفوق احد عليه بكثرة تنقلاته سوى صديقه البعثي القديم اياد علاوي.
أما السيد اسامة النجيفي رئيس ائتلاف متحدون الذى يطمح بالحصول على منصب رئيس الوزراء او رئاسة اقليم على الأقل، فهومازال لا يوافق على تجريم البعث الصدامي، فقد شكر السيد مقتدى الصدر على مواقفه الوطنية الصادقة من الاعتداءات غير المبررة (كذا) التى تعرضت لها مدينة بهرز فى محافظة ديالى وأشاد بشجاعته التى قال عنها انها تعبر عن اصالة موقفه الوطني!
وكان الصدر قد أصدر بيانا حول أحداث محافظة ديالي قائلا:( ldquo;للأسف الشديد إن محافظة ديالى الحبيبة قد وقعت بين فكين فك المتشددين (الوهابية) الذين انتهجوا الذبح والتفخيخ وبين فك جهال الشيعة الذين ينتهكون حرمات المساجد وقتل النفس المحرمة ليزعزعوا الوحدة الإسلاميةrdquo;)، وأشار ldquo;فما السني المعتدل والشيعي المنصف الا ضحية لتلك الاعمال الطفولية الهوجاء اللامسؤولةrdquo; مؤكداً على ldquo;ان من يزج اسمنا (آل الصدر) في تلك المعمعة والفتنة هم اتباع الدكتاتور من المليشيات الوقحة مستغلين بعض السذج والبسطاءquot;. ولم يوضح السيد من هم (جهال الشيعة) الذين ينتهكون حرمات المساجد وقتل النفس المحرمة!. وكانت وزارة الداخلية قد أصدرت بيانا قالت فيه: (نفذت القوات الأمنية في مديرية شرطة ديالى والقوات المساندة لها، عملية عسكرية سريعة أدت إلى القضاء على أفراد الجماعات الإرهابية في بهرز، كما نجحت القوات الأمنية في ديالى وبناءً على جهود استخبارية من إلقاء القبض على كل من تعاون مع هذه الجماعات الإرهابية او آواهم او قدم لهم دعماً بالسلاح او من أي نوع آخر).
وكان مقتدى الصدر قد قال في كلمة له في 18 من شباط/فبراير الماضي على خلفية قرار اعتزاله السياسة -وكأن كاتبها تلميذ فى الابتدائية -:(صارت السياسة بابا للظلم والاستهتار والتفرد والانتهاك ليتربع دكتاتور وطاغوت فيتسلط على الاموال فينهبها وعلى الرقاب فيقصفها وعلى المدن فيحاربها وعلى الطوائف فيفرقها وعلى القلوب فيكسرها ليكون الجميع مصوتا على بقائه ونرى عراقنا الجريح المظلوم اليوم وقد خيمت عليه خيمة سوداء ودماء تسيل وحروب منتشرة يقتل بعضهم بعضها باسم القانون تارة والدين تارة اخرى فتبا لقانون ينتهك الاعراض والدماء وليسقط ذلك الدين الذي يعط الحق بحز الرقاب وتفخيخ الاخرين واغتيالهم). وهو يقصد بوضوح رئيس الوزراء. اما ما ذكره عن (خيمة سوداء) فالحقيقة ان عمامته السوداء خاصة وكل العمائم من كل الألوان والأشكال عامة هى التى تهدد العراق المتعدد الأديان والقوميات والطوائف وتعرضه للانهيار، ولن ينقذه سوى تنحية العمائم عن السياسة واقامة حكم علماني عادل لا شأن له بالدين والقومية والطائفية.
وقال المالكي في مقابلة صحفية مع قناة فرانس 24 يعلق على وصف الصدر له بـ(الطاغية والدكتاتور) ان ما يصدر من مقتدى الصدر لايستحق الحديث عنه وهو رجل حديث على السياسة ولايعرف شيئا عنها وهو لايعرف شيئا عن الدستور وان ضوابط الدستور غريبة عليه.
ولم يتفاجأ أغلب العارفين بمقتدى الصدر وتصرفاته الصبيانية بعودته الى العراق بعد أيام من تصريحه بأنه غادر العراق لانه قد اعتزل السياسة ولمواصلة دراسته الدينية. ومن الواضح ان عودته جاءت بعد التنسيق مع حليفه عمار الحكيم حينما التقيا فى طهران وبحثا آخر التطورات على الساحة السياسية العراقية والاستعدادات للانتخابات البرلمانية فى نهاية هذا الشهر. وربما لوح له باتفاق البارزاني والنجيفي معه على عدم السماح للمالكي بالحصول على ولاية ثالثة.
وبعد عودته قال فى مؤتمر صحافي مشترك مع النائبين صباح الساعدي وجواد الشهيلي ndash;استبعد منه بهاء الأعرجي- عقد فى النجف الأشرف: quot;ان هناك من يريد تهميش للسنة من خلال توقيت قصف بعض المدن قبيل كل انتخاباتquot; مستدركا بالقول quot; اننى على يقين بأن الدكتاتور سوف لن يفلحquot; وأضاف: quot;ان على رئيس الوزراء ان يستريح اربع سنوات quot; و quot;اعتقد ان ثمان سنوات كافيةquot;!. وحث المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الاتحادية الى عدم الرضوخ واللين امام الضغوط التى يتعرضون لها!. كل هذا وهو يدعى أنه تخلى عن السياسة وتفرغ لمواصلة دراسته العلمية!. وقال انه quot;لا يحبذ رفع صور والده وآل الصدر فى الدعاية الانتخابية quot;.
ولم يفت على مقتدى الصدر التعليق على جريمة قتل الصحافي محمد بديوي فقال: (إن تلك الحادثة لم تكن الأولى من نوعها وما أظنها الأخيرة) ورأى: (أن الغريب في البيان، أن ذوي الفقيد وأصحابه سارعوا إلى التظاهر بعد تلك الحادثة مطالبين الحكومة بالقصاص العادل، وكأنهم تناسوا أن المعتدي هو الحكومة كما اعتدت على غيره). وهذا من الغرابة بمكان، فكل المعنيون يعرفون ان القاتل هو ضابط كوردي من حرس رئاسة الجمهورية، وان المالكي أسرع وقام بنفسه بتهدئة الأمور وعدم تطورها الى نزاع عربي/كوردي وتم تسليم الجاني الى القضاء.
قبل سنتين ndash;على ما أذكر- هاجم السيد مقتدى اتباعه واصفا اياهم بـ(الجهلة) وكررها ثلاثا، وعاد قبل فترة يعنفهم على قلة الحضور لصلاة الجمعة فى المساجد، وقال عنهم ان (رؤوسهم فارغة)، والغريب أن ذلك التعنيف جعل الحضور يشعرون بالذنب ويجهشون بالبكاء ويضربون على رؤوسهم وصدورهم!. وهذه الظاهرة تؤكد لنا صدق المقولة: شبيه الشيء منجذب اليه.