العاشقُ لا يرى في الكون إلا المُكوِّن؛ فكل الأكوان إشارات تدل على المُكوِّن.

العاشقُ قارئ جيد لسيماء الوجود والموجودات لعله بقراءته تلك يفنى في الواجد !

فمن يجرؤ على قراءتها ؟ وليس بعد هذا الجواب كلام : "كلما آتسعت الرؤية ضاقت العبارة " هكذا تكلَّم النفّري..!

والعشق عبادة، والعبادة لا تصفو إلا بتوحيد المحبوب.. أو هكذا أفهم : حب بلا زمن أو مكان، أن تكون معـ الله ــه بلا علاقة.. أساسها الصفاء، ورؤيتها قائمة على العقل والقلب وعروج الروح إلى أصلها الأول؛ مع العلم أن " القلب" من المفاهيم التي أيقظت عقول الفلاسفة وأرواح الصوفية للبحث عن مفهوماته منذ ما قبل سقراط..

وليس المقصود بالقلب هنا قطعة اللحم الصنوبرية الموجودة في الصدر وإنما المرادُ به تلك اللَّطيفة النورانية الربانية التي يسقيها الرب من مدامة حبه، يقول صوفينا أحمد بن عجيبة في « إيقاظ الهمم في شرح الحكم» أي في شرح حكم الحكيم ابن عطاء الله السكندري : " القلوب جمع قلب وهو الحقيقة القابلة للمفهومات".

إنه، قلب مثل المرآة، قلب لانهائي في الفهم والتأويل والترقي في مدارجه العليا، لأنه عرش استواء تجليات الرب على مملكة الجسم، ولأنه كما قال أحمد بن عجيبة في التعريف السابق محل ' المفهومات ' أي التي لا حد لها ولا حصر من المعارف، وإن كان السر أدق وأصفى من القلب لكن الكل اسم للروح.

وتأمل أيها الواقف على هذا الكلام قول رب العزة فى حديثه القدسي : «ما وسعني سمائى ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن».

قلب هو محل النور، بصحبته، نرى الحياة والوجود والكون.. قلب يملأ العالم حبا، فكم يلزمنا من الحب لنحطم كل تلك الحدود المزيفة بين السياسة والإنسان.. وبين الإنسان والإنسان.. وبين الإنسان ونفسه!&

الحب ثقافة.. الحب أدب.. الحب عبادة.. إنه العبادة الطاهرة التي تضمن لكل منا حريته واختياره وشخصيته أيضا.

لكن الكثير منا يحاول أن يفسد طهارة الحب.. ويجعله كصوت خشن ينبعث من وراء قبور المدينة.. يجعلون الحب رفقة سجائر نتنة تستعد سرا لتنظيم مظاهرات ضد اللاشيء.. ليت العالم يتوقف عن تدخين الحب.

عالم تكاد روحه تخرج منه.. إلى الأبد، والسبب أننا نسينا كثيرا أن المحبة هي الإنسان... أليس الإنسان هو « الموجود الذي ينسى أنه ينسى »!

&