تتوارد الاخبار عن امكانية تراجع الحكومة السوادانية عن قرار قضاءها باعدام السيدة الطبيبة مريم ابراهيم اسحق، التي اتهمت بالردة، علما انها لم تعرف الاسلام دينا طيلة حياتها. وبدون مناقشة ما الذي يجعل حكومة تجيش قضاتها ومحاكمها لاجل النيل والاقتناص من شخص غير دينه بارادته، رغم ان هذه الدولة قد وقعت على ميثاق حقوق الانسان، نود ان نسأل وهل بامكان الناس كل يوم ان يقوموا بحملات ادانة لمثل هذه القرارات (الاعدام لحجة الردة) المجحفة بحق الانسان والانسانية.

سؤال اخر يتوارد من خلال هذه القضية وهو هل حقا ان القضاة لا يعلمون عن التعهدات التي قطعتها دولتهم على نفسها، واذا كانت قد قطعت مثل هذه التعهدات كيف لاجهزتها الرسمية ان تسن قانونا مثل قانون الردة، لا بل اين القضاة من العدالة الانسانية في دراسة حيثيات القضية اعلاه، هذه الاسئلة ليست موجهة للسودان بل لاغلب الدول التي تتعامل بوجهين، وجه يقول بانها مع حقوق الانسان وهو الذي يتم تسويقة في الاعلام الخارجي، ووجه يقول بان غايتها حماية الاسلام وهو الموجه للداخل الامي الفقير، المعبئ بان العالم في مؤامرة دائمة ضد الاسلام. ليس هذا بل ان الوجهة الموجه للداخل وجه مقيت مكفهر، لا يرسل هذه الرسالة بل يرسخها من خلال التربية والتعليم ومن خلال قوانين اخرى تشمل الزي والماكل والمشرب، فباي حق يتم فرض زي معين على الانسان، وباي حق يتم فرض الصيام الاجباري في رمضان على الاخرين ليس فقط المسلمين ولكن لكل من يعيش قي محيط الدولة؟ باي حق يمنع بناء معابد لديانات اخرى واحيانا طوائف من نفس الدين، ويسمح لاخر او للدين السائد؟ انها مجموعة اسئلة تتوالد من قضية واحدة ولا احد يجيب عليها ابدا، بل تستمر الامور مغطاة برداء عنوانه امر واحد وهو الدولة الاسلامية او بعبارة اخرى الدين الرسمي للدولة هو الاسلام.

في اغلب الدول الاسلامية هناك الالاف من العوائل التي تعاني من فرض الدين على افراد منها، لان والد او والدة هؤلاء الافراد اعتنقوا الاسلام، لاي سبب كان، اسر عاش ابناءها كمسيحيين او مندائيين اوازيدية او يهود اغلب حياتهم، ولكنهم يتفاجؤن انهم في القانون معتبرين مسلمين ويسري عليهم احكام الاسلام في كل شئء. وغالبا يحدث هذا حينما يضطرون لتجديد هوياتهم او لمراجعة دوائر معينة اعلمت بقرار اسلام الاولاد من اب او ام تحول الى الاسلام وهم يعيشون مع الطرف الباقي على دينه السابق. وتكاد قصة السيدة مريم تتشابه نوعا ما مع هذا الواقع، فهي مولودة لاب مسلم ترك الطفلة وامها المسيحية منذ ولادتها، وتربت مع والدتها وعلى ديانتها، فكيف تجبر او تحكم بالردة وهي لم تعرف الاسلام.

من الواضح ان قانون الدولة في الدول التي تعرف بان دين الدولة الرسمي فيها الاسلام، مصاغ ليس للدفاع عن حقوق المواطن، بقدر من صياغته كاولية اولى لحماية الدين الاسلامي من اي نقد او تشكيك او حتى الخروج من اطاره، ليس هذا بل وفرض قيمه والخضوع له وان امكن ادخال الناس فيه. وهذا كله يخالف شرعة حقوق الانسان. واحد اهم الاسس التي يجب ان تتوفر في الدول الحديثة او ان اقرارالدول لشرعة حقوق الانسان كابرز دلالة على عصرية الدولة وعدالتها. وبهذا فان الدول الاسلامية او التي تعرف تحت هذا العنوان، فعلا هي خارج العصر. بل هي تحاول ان تسحب الماضي ليفرض قيمه وقوانينه على الحاضر. وبالمحصلة فان اغلب دول العالم تحاول ان تغيير قوانينها نحو الافضل ولتلائم التطلعات الانسانية وتلائم كل المكونات والاديان والاراء والمعتقدات، اي تنظر للامام، في حين ان الدول الاسلامية تفرض قوانين مستمدة من تقاليد بدوية في الغالب مورست قبل الف واربعمائة سنة في بقعة ضيقة تقع اليوم في السعودية.

من الامثلة اعلاه والتي تدل على محاباة الاسلام ضد المعتقدات الاخرى، ندرك ان الدول المشار اليها لا يمكنها ان تكون دولة مواطنين، بل دولة دين، دولة يكون فيها الدين المنزل من الله محمي بقوانين ارضية، واديان مماثلة او غيرها محاربة ويمكن سلخ معتنقيها بدون رغبتهم، ويفرض الدين عليهم بالقانون وليس بالضمير.

نحن حينما نشير الى هذه الامثلة ليست غايتنا محاربة الاسلام، ولكن غايتنا هي تحصين حقوق المواطن، واعلا شأنه وترسيخ العدالة الانسانية التي لا تفرق بين انسان واخر. ولكن من جانب اخر ندعو كل القوى المحبة للعدالة وللاستقرار والتطور العمل جميعا من اجل وضع مظلة قانونية شاملة يشعر الجميع تحتها انهم متساوون في الحقوق والمكانة والكرامة. فهل ستكون قضية مريم صرخة للعمل من اجل التغيير الشامل وليس تغيير الاشخاص والاتيان بنفس القوانين؟&