جيروم كوزاك كان وزير الخزانة للحكومة الفرنسية. وفي البرلمان أتهم بأن له حسابا ماليا في الخارج اخفاه عن دائرة الضرائب. انكر علنا وكذب وفي ما بعد استدرك واعترف. ومؤخرا جرت محاكمته فحكم عليه بالسجن الشديد لمدة ثلاثة أعوام فبكي علنا... أن يكون وزيرا للخوانة ويلعب مع دائرة الضرائب فهذا كثير ومحاسبته قانونيا كانت ضرورية برغم قساوة الحكم حيث انه لم يسرق ولم ينهب حتى يوروا واحدا. أما في عراق الأحزاب الطائفية والهيمنة الإيرانية فالنهب حلال وإن كان بالمليارات، فضلا عن نهب الأراضي والقصور وغيرها من الممتلكات العامة والخاصة.

إن الفساد العراقي ليس له من عقاب علما بان القضاء العراقي نفسه هو في قفص الاتهام. جيروم سجين ولكن عراقيا ابن مسؤول كبير اخذ معه للخارج مليارا ونصف المليار وهو يعيش اليوم في بذخ واطمئنان ووالده يحكم علنا ومن وراء ستار إيراني... ليس هذا وحده ما يجري في عراق اليوم فها هم نواب السيد عمار الحكيم يتقدمون الى البرلمان بمشروع قانون يضمن الحصانة القانونية لميليشيات الحشد الشعبي وعددها 81 ، أي منحهم حرية الاعتقال والتعذيب والنهب والقتل وخطف دعاة الإصلاح حتى في قلب النجف مركز المرجعية الشيعية ومدينة عمار الحكيم الذي هو رئيس الأحزاب الشيعية. دعاة إصلاح يخطفون ويعذبون لأسابيع ولا من شاف ولا من درى.

في فرنسا وغيرها من الدول الديمقراطية برلمان حقيقي ورأي عام متنور يحاسب ويراقب وقانون يسري على الجميع. وفي البلدان الديكتاتورية ومنها بلدان الإسلام السياسي فلا سيادة للقانون ولا ضمانات ضد الغش والنهب والقتل. وثمة برلمانات تشكل هي نفسها مشكلة بحد ذاتها، تساهم في تدهور الأوضاع وتجويع الجماهير.

إن عراق اليوم قد خطفته والفاسدون وقاسم سليماني والجهل والطائفية إلى جانب داعش، والقانون نفسه مُختطَف ودعوات الإصلاح تذهب أدراج الرياح، وقيادات الأحزاب الدينية تنشر التخلف وتؤجج لمشاعر المذهبية والدينية وبحجة محاربة داعش هناك حرية القتل والنهب. أما الحكومة المبجلة فإنها لا ترى ولا تسمع أو هكذا تتظاهر. فهي نفسها جزء أساسي من كبريات المشاكل العراقية.

لقد كان قرار اسقاط النظام السابق بالقوة مشروعا ولقي في حينه ارتياح أكثرية الشعب العراقي ولكن ما يجب أن يقال هو عدم التفكير جديا في البديل والاعتقاد بان مجرد سقوط النظام سيجلب معه الديمقراطية تلقائيا، فإذا النتيجة عكسيا من فوضى وازمات... هذا ناهيك عن أن إيران كانت منذ اليوم تتربص وتعمل لإجهاض كل تحول ديمقراطي في العراق. إن الديمقراطية لا تأتي مرة واحدة وعدا تجربة العراق فإن تجارب أكثرية دول الربيع العربي تبرهن هي الأخرى على هذا.

في عراق اليوم لا توجد دولة ولا أمل في الإصلاح الحقيقي ما لم تتغير الطبقة السياسية كلها عقلية وممارسة وما لم يرتفع وعي الجماهير وتنتشر بقوة إرادة التغيير، وما لم تُحل الميليشيات برمتها وفقا للدستور نفسه بحيث يصبح الدفاع عن الوكن أمرا بيد الجيش الوطني والحكومة والبرلمان.