الأحلام البسيطة صعبة المنال وعصيّة على التحقق في بلادنا. هي قابلة دوما للتلاعب والتأويل والتحريف. الكوابيس تترصّد بساطتها وتبتلع ألوانها قبل أن تحيل معها الطيف الشمسي برمّته الى الأبيض والأسود. وأحيانا الى الأسود فقط. الفقر سُلّم الثروات ومخزن الخديعة. منه وبه واليه يكون كل شيء. تخدير العقول يُوقظ المشاعر الدفينة في توازن وجودي مُربك. آلية ماكرة للبقاء والإستمرار.&

&للكابوس أقنعة بلا وجوه، وله سلطان وصولجان وعمائم ملونة. وله عربات وتيجان ذهبية تمتصّ فصول العام في الشهيق، وفي زفيرها ليس هنالك سوى الموت والعتمة وكآبة الشتاء. الكابوس يداعب الأحلام الصغيرة قبيل الإلتهام. صرخات الضحايا مكتومة في زمن مجنون ومتوحش. متى بدأ الزمن؟. بُعد إفتراضي إخترعناه ليأكلنا. عقارب الساعة تلدغ الفقراء والأمنيات بعيدة كالمسافة بين الفقير وساحة التحرير,

الفقراء وقود المعارك والحروب التي لا تنتهي، والسعير ينادي أبدا على الوقود: هل من مزيد؟. الأنذال مدلّلون في بلادنا. لهم الدين والدنيا ولنا تأجيل الحلول والأحلام المنخورة بالكوابيس. هل ستنقلب المعادلة يوما؟. رهان البشر كان دوما على ذلك. الفقر ليس رجلا لنقتله كما تمنّى امام الفقراء يوما. وليست امراة، بل هي فكرة وظروف ومعان ومصادفات وولادات يمكن تصحيح مسارها عن طريق تدخّل البشر. مَن يَصنع لنا التاريخ؟. ما بين الفقر والغنى ضاعت معانينا وضاع الإنسان وتاه الفقير بين معايير الغنى. الفقراء عندنا يتبادلون نخب العذاب في كؤوس من صنع جلّاديهم. الجلّاد والضحية من قماشة واحدة في أغلب الأحيان. مَن يصنع لنا الديكتاتور ما لم نستدعيه نحن بأنفسنا ومن بيننا؟. ثورة القيم قبل كل شيء آخر. ما عدا ذلك هراء ونظريات فارغة.&

لم يعد الناي كافيا لكي نغني الألم يا سيدتي. الغناء مصباح الروح. هو كالعين تماما. بدونه الظلام والجمود كالعيون المفتوحة للجثث. الألم هو خبرة الضحية وادراكها لمكامن الجرح. الجُرح في الجُرح أكثر ايلاما. هكذا هو تاريخنا مع الجراح. وهكذا كانت أغانينا الحزينة يا سيدتي. للفقراء أيضا خطاياهم مالم يتعلموا الغناء. أبشع الديكتاتوريات هي التي تأتي من الحفاة والمعدمين الذين يكرهون الغناء. حروب الفقراء في ما بينهم هي أكثر الحروب ضراوة وشراسة. الأغنياء حياديون فيها حتى اللحظة الأخيرة. المصالح المجنونة تلعب دور العقل ودورالحاكم والحكم.&

يا عزيزي كلّنا مذنبون بحقّ هذا الوطن النحيل الجميل الذي يكاد يتسرب من بين أصابعنا كالماء. حينها قد ندرك الفوارق بين الهدم والبناء. فما بين الصبر والإنتظار الطويل والصلوات والدعاء على ضفاف دجلة والفرات، وما بين أنياب الكابوس التي تنهش في لحم الفقراء وتسمّم ساعاتهم وتحيل أيامهم الى جحيم لا يطاق، ثمّة أمل لبقاء هذا الوطن على قيد الحياة رغم أنوفهم.

&

[email protected]