مطاع بيل.. أو المعروف سابقاً أيضاً بلقبه الفني "نابليون".. كان أحد أشهر مغنيي فن "الراب" في أميركا، وصديقاً مقرباً لأشهر مغنيي الراب في تاريخ أميركا، الفنان الراحل/ توباك شكور، والوحيد الذي طلب منه توباك أن يكتب له كلمات بعض أغانيه. مطاع أو نابليون حينها.. استطاع حتى بعد مقتل صديقه توباك من أن يحافظ على نجوميته، ويدير فرقة توباك من بعده، ويحقق معها نجاحاً فنياً ضخماً يقدر بمبيعات 40 مليون نسخة حول العالم من ألبومات الفرقة التي كانت تدعى ب "الخارجين عن القانون – The Outlaws".

"نابليون" أو مطاع بيل، وهو الاسم الذي اختاره لنفسه بعد اسلامه قبل أكثر من 15 سنة.. والذي أفخر بمعرفته كأخ وصديق حبيب وغالي لما يقرب من عشر سنوات، اختار أن يستقر في المملكة العربية السعودية لأكثر من عقدٍ الآن، فبعد زواجه من أمريكية يمنية الأصل، أراد لنفسه وعائلته الاستقرار في بلدٍ اسلامي يبعدهم عن ماضٍ جلب له التعاسة منذ طفولته، بدءاً من مقتل والديه أمام عينيه في منزلهم – وهو في سن الرابعة حينها - من قبل عصابة في الحي الذي كان يسكنه، وحكى لي بأنهم بعد أن قتلوا والده أمامه، صوّب أحد أفراد هذه العصابة مسدسه نحوه وأخيه، فما كان من والدته إلا أن احتضنتهما لتقيهما من القتل، وقد أطلق عليها هذا القاتل 13 رصاصة قبل أن يلوذ ومن معه بالفرار، وظل هو وأخوه لأكثر من يوم مع جثتي والديهما، قبل أن تداهم الشرطة المنزل – بعد فوات الأوان!-، وتم إعطاء حضانتهما بعدها لجدتهما من أبيهما... هذا الموقف المؤسف البشع جداً، زد عليه العنصرية التي كانت تلاحقه منذ طفولته في أميركا.. كلها عوامل شكّلت شخصية "نابليون" بعدها، في الانخراط في عالم العنف والضياع وموسيقى الراب، وأضفت عليه السمة التي عُرف بها في شوارع وأحياء أميركا، وهي سمة الغضب، حتى أن "توباك" نفسه كان من أطلق عليه لقب "نابليون"، نسبة إلى "عقدة نابليون"، التي بحسبها يكون فيها الشخص القصير سريع الغضب والانفعال غير المحسوب.

يصف مطاع نفسه في فترة "نابليون"، بأنه كان يملك الملايين من الدولارات وعدة قصور تقدر بملايين الدولارات في عدة ولايات، والنساء والشهرة وعروض من عدة شركات موسيقى لانتاج ألبوماته من موسيقى الراب، ولكنه كان يشعر بالخواء، وبأنه بحسب وصفه كان كجثة تمشي على الأرض بلا مشاعر وهدف وسعادة.. واليوم وهو مسلم، ولأكثر من 15 سنة.. ومع خسارته لثروته والشهرة.. إلا أنه وبحسب وصفه، وجد في الاسلام وبدون مقابل السعادة والسكينة والرضا، والأهم بأنه تخلص من "عقدة نابليون" مباشرة بعد اعتناقه للاسلام، وبات يتحلى بالحِلم والأناة والرحمة في قلبه، لدرجة أنه حكى في كذا مقابلة له – تجدونها على موقع اليوتيوب-، بأنه في بدايات اسلامه، اتصل بأخيه "مزمل" – الذي أسلم بعد مطاع بسنوات-، أحد اصدقائه الذي كان يقضي فترة عقوبة في أحد سجون أميركا، وأخبره بأن قاتل والديه هو من يتشارك معه في نفس الزنزانة، وبأنه قد اعترف له بجريمته النكراء بالتفصيل، وأن صديق "مزمل" هذا على استعداد للانتقام له ولأخيه مطاع بقتل قاتل والديهما، فنقل مزمل لمطاع هذا العرض، فما كان من مطاع إلا أن رفض رفضاً قاطعاً، بل وقام بالاتصال بأحد ضباط هذا السجن ممن تجمعه صداقة معه، وأخبره بأن حياة هذا القاتل في خطر، ويجب أن تبادر سريعاً ادارة السجن بنقله إلى سجن آخر، وهو ما تم.. وعند سؤال مطاع من قبل أخيه وغيره.. عن دافعه وراء هذا التصرف النبيل والعفو عن قاتل والديه.. ذكر بأن ردة فعله هذه استمدها من قوله تعالى: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، ومن سيرة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.

يقول مطاع، لطالما جذبني الاسلام إليه، ولا زلت اتذكر موقفاً ل "توباك" أثّر فيني كثيراً، وهو عندما عُرض عليه مبلغ كبير من المال لأجل تمثيل دور تاجر مخدرات مسلم في فيلم من انتاج هوليوود، فرفض رفضاً قاطعاً، معللاً بأنه ليس هناك شيء اسمه "تاجر مخدرات مسلم".. وللعلم قصة موقف "توباك" هذه موجودة في مقطع فيديو على موقع اليوتيوب، ويرويها هو بنفسه.. وعلل مطاع موقف توباك هذا بأنه يرجع إلى كون هناك من أهله من كانوا على الاسلام، والشاهد اسما "شكور وعمر" في بقية اسمه.. وقد أدرك من خلالهم تعاليم الاسلام السمحاء وصورته الحقيقية.

قبل أيام تداولت وسائل التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لمطاع بعد حادثة مقتل "جورج فلويد" الشنيعة في أميركا من قبل رجل شرطة التي هزّت العالم، تحدث فيه مطاع كيف أنه نفسه عانى من عنصرية وتسلط وعنف رجال الشرطة في أميركا خاصة ضد "السود"، وقارن فيه بين وحشية تعامل هذا الشرطي الأميركي، وقصة حدثت له في السعودية في بدايات استقراره فيها، حيث حكى بأنه في أحد الأيام كان يقود سيارته، ووصل إلى نقطة شرطة في أحد شوارع الرياض، فاقترب من سيارته رجل أمن سعودي، وما أن أنزل نافذة سيارته حتى بادره رجل الأمن هذا بابتسامة دون أن يطلب منه أن يترجل من سيارته، وسأله عن وجهته ورخصة قيادته، وما إن انتهى رجل الأمن من التحقق، حتى ودعه بنفس الابتسامة والدعاء له بالحفظ والسلامة. يقول مطاع هذا الفرق بين أميركا ودولة مسلمة كالسعودية، ولمثل هذا السبب أردت لنفسي ولعائلتي الاستقرار فيها.

أخي وصديقي مطاع ذكر لي بأن أكثر ما يحزنه اليوم هو الانجذاب الكبير للشباب المسلم لكل ما هو هابط ويأتي من أميركا، وبخاصة ما يعرف ب "موسيقى راب العصابات".. وما يتعلق بها كمثل.. الكلام البذيء، وتلك السلاسل التي تطوّق أعناقهم ونقش الوشوم في الجسم، وتقليعة التسريحات، وما تراه من لباس بعضهم عندما يمشي في الطرقات ببنطال جينز يرتخي من عند بطنه كلما مشى حتى أنه قد يصل لركبتيه!.. بحجة "الموضة والتقدم"!

قبل الختام، هذا المقال عن أحد من فروا بدينهم وأرواحهم من كابوس "الحلم الأميركي" الذي ما فتأت أميركا بترويجه – داخلها وخارجها – على أنه "نهاية التاريخ" و"الغاية" و"أسلوب الحياة الأمثل"، وذلك وفق برمجة اعلامية مدروسة وتنويم – حرفي - للعقول في صالات السينما وعبر الوسائل الاعلامية المختلفة.. وبأن نقيضه من حياة، وخاصة أسلوب حياة الاسلام هو تقييد للحرية (الحرية هنا في قاموسهم تعني إطلاق العنان للشهوات!)، ورجعية!.. ويحضرني هنا قول للكوميدي الأميركي الأشهر/ جورج كارلين: "السبب في أنهم يطلقون عليه "الحلم الأميركي"، هو في أنه يجب عليك أولاً أن تكون نائماً، لكي تؤمن به!".

ختاماً، مرحى لأسلوب حياة في المفهوم الأميركي.. فيه "رجعية وتقييد للحرية".. جذب له من أميركا.. بكامل اقتناعه.. من أمثال "محمد علي كلاي" رحمه الله، الذي بعيداً عن بطولاته في حلبة الملاكمة، تعلّم من الاسلام كيف أن يرفض المشاركة في قتل الأبرياء عندما طُلِب منه أن يلتحق بالجيش الأميركي للقتال في فايتنام.. وتبين بعدها للعالم بأنه والاسلام من كانا على حق!.. ومالكولم إكس – أو الحاج مالك شباز- رحمه الله، أحد أشهر شخصيات القرن العشرين ومناضلي الحقوق المدنية في تاريخ أميركا.. ومطاع بيل أخي وصديقي وبطل مقالي.. من وجد في الاسلام.. سعادة ويقظة لروحه.. لم يجدها في "الحلم الأميركي".

يكفينا من أمثال هؤلاء.. ولتأخذ أميركا من تشاء من بيننا.. من عشاق النوم في "عسل الحلم الأميركي"!

ملاحظة للقراء "الأذكياء جداً".. هذا المقال لا يحمل نَفَساً فيه ترويج لصحة فكرة الأميركي هانتنغتون "صدام الحضارات".. بل فيه ترويج لصحة فكرة استاذه المهدي المنجرة "تلاقي الحضارات".. عبر أولاً، احترام الانسان أيّما كان أصله وجنسه ولونه ودينه، وترسيخ قيم العدالة الانسانية.