لم يعد سرا منذ سنوات تكرار لقاء حكام ومسؤولين عرب مع نظراء لهم من إسرائيل حتى مع عدم وجود علاقات دبلوماسية بين دولهم وإسرائيل. ولم يعد سرا كذلك وجود جدية لدى بعض الحكام العرب بضرورة استغلال الإدارة الأمريكية لحالة الضعف العربي غير المسبوق، والانقسام والتشتت الفلسطيني من اجل انهاء قضية فلسطين. كما يستغل هؤلاء الحكام حقيقة ان العرب (نظما وشعوبا) مشغولون بدرجة كبيرة بشؤونهم الداخلية الضيقة سواء تلك التي كانت من تبعات الربيع العربي، او من تبعات ظهور التنظيمات الإرهابية المختلفة، هو ما سمح بتلاشي الاهتمام الشعبي والرسمي بالشأن الفلسطيني، أو حتى بمستقبل القدس.

يؤمن هذا التيار بأنه لا يجب الانتظار لحل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كي تحل بقية قضايا وصراعات الشرق الأوسط، ويعتقدون ان اصل الصراع وقلب المشكلة هو عدم الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية مستقلة. ويرون ان عملية السلام تجري منذ اتفاق كامب ديفيد (17سبتمبر 1978) بدون نجاح، ويبدو ان الهدف هو التسليم الكامل لإسرائيل والقبول بهذا الواقع لعدم وجود صراع مباشر معها من الأساس.

رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لم يتعهد في اتفاق السلام المبرم بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية، والمزمع التوقيع عليه يوم الثلاثاء 15 من الشهر الجاري في البيت الأبيض، بأنه لن يضم المستوطنات، بل أجل تنفيذ قرار الضم لوقت آخر، وقد أكد على هذا بشكل واضح لا لبس فيه. ومن يعتقد، سواء في دول الخليج او الدول العربية الأخرى، ان إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل سوف تعود بالفائدة العلمية والاقتصادية على الدول المطبعة حيث ان الدولة العبرية متطورة في هذين المجالين فهو واهم. إسرائيل ليست بهذا الغباء لتسمح لأي دولة عربية ان تنافسها في هذين المجالين، وحادثة تدمير المفاعل النووي العراقي الذي كان قيد الإنشاء في السابع من شهر يونيو 1981م خير شاهد على ذلك.

على العكس من ذلك، سوف تكون إسرائيل هي المستفيدة من التطبيع لأنها سوف تتمكن من الحصول على النفط الذي تحتاجه من دول الخليج، وسوف تفتح الأسواق الخليجية (51 مليون نسمة) المتميزة بالاستهلاك بلا قيود أو ضوابط.

كما ان هذا التطبيع يلبي حاجات لدى إدارة ترامب، والحكومة الإسرائيلية، على حد سواء، تتمثل في تحسين الظروف الانتخابية "لدونالد ترامب" من أجل الفوز بولاية رئاسية ثانية. أما رئيس الحكومة الاسرائيلية "بنيامين نتنياهو" فيبحث هو الآخر عن طوق نجاة أمام تراجعه السياسي نتيجة محاكمته في ملفات فساد، وتراجع تأييد اليمين له مما يضعف وضعه في الائتلاف الحكومي، إضافة للاحتجاجات الشعبية بسبب أداء حكومته الضعيف في مواجهة جائحة كورونا. لذا هو يسعى بجد لإقامة علاقات مع بعض الدول العربية المستعدة للتطبيع، لإخراج دولة الاحتلال من عزلتها في الشرق الأوسط وتعزيز موقفه السياسي داخليا.

لا نعرف ماذا استفادت مصر التي طبعت مع إسرائيل في 17 سبتمبر 1978، والأردن التي طبعت مع إسرائيل في 26 أكتوبر 1994م، فالاقتصاد الأردني يعيش أسوأ أيامه، والدين العام وصل الى 42 مليار دولار.

كما ان الاقتصاد المصري لا يزال يعاني من خلل بنيوي، والدين العام وصل الى ما يقارب 250 مليار دولار. صمت بعض العرب ورحب آخرون، لكن لا أحد ندّد.

يظهر ان الصف العربي اصبح مهادنا هذه المرة لحالة تطبيع جديدة هي الثالثة في تاريخ النزاع العربي-الإسرائيلي، فأيّ خيارات تبقت عند الفلسطينيين؟

ما تنحو إليه البوصلة الإسرائيلية في اتفاقات التطبيع يتلخص في اتجاهات عدة، أولها الاستحواذ على المكاسب الأكبر من استثمارات اقتصادية، وهيمنة سياسية، إضافة لضمان التفوق العسكري في المنطقة، وهو ما سعى لتأكيده "بنيامين نتنياهو" خلال مؤتمره الصحفي الأخير مع وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، حين قال بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستضمن تفوق إسرائيل العسكري بنفس الطريقة التي قامت بها واشنطن بعد توقيع اتفاقات السلام مع مصر والأردن.

أختم بالقول: إذا كان هذا التطبيع بهدف مواجهة التهديدات الإيرانية كما يعتقد البعض، فينطبق على المطبعين ودعاة التطبيع القول المأثور: "كالمستجير من الرمضاء بالنار".

آخر الكلام: أعرب وزير خارجية لوكسمبورغ "جان أسلبورن" عن شكوكه بأن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات سيجلب الاستقرار للمنطقة، كما اكد ان الاتفاق المذكور لم يبرم خلال الشهرين الماضيين، مشيراً إلى أن هذا التقارب كان ملحوظاً خلال العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية.