لايمکن إعتبار أن کل ثورة تقوم بها الشعوب يجب لها أن تنتصر، وهذه حقيقة مستخلصة من التأريخ القديم والحديث ولامناص من الاقرار بها، ولکن في نفس الوقت فإن فشل ثورة أو عدم تمکنها من تحقيق هدفها أو أهدافها لايعني بأن الشعب قد مني بالهزيمة وإنما قام بإيصال رسالة مکتوبة بالدماء للنظام الاستبدادي مضمونها إن الشعب يرفض هذا النظام والظلم الذي يرتکبه بنهجه الديکتاتوري. وعلى مر التأريخ کانت هناك أنظمة سياسية واجهت ثورات ولم تستوعب الرسالة وإستمرت على نهجها حتى سارت على طريق نهايته الزوال والفناء فيما کانت هناك أنظمة أخرى إستوعبت الرسالة وبادرت بعد فترة من تلك الثورة الى إجراء تغييرات تدريجية في نهجها الاستبدادي بما يکفل العديد من الحقوق والمکاسب للشعب ويتيح له فضاءا ومساحة مناسبة من الحرية والحقوق الاخرى المناسبة.

على ذکر تجربة النظام السوري الذي واجه ثورة شعبية عارمة لم تحقق الانتصار لأسباب وعوامل متباينة لعل من أهمها التدخلات الخارجية وبشکل خاص التدخلات الايرانية والروسية والترکية والتي کانت کلها تصب بصورة أو أخرى في صالح النظام السوري مع الاخذ بنظر الاعتبار إن هذه التدخلات کانت تحرص على المصالح الخاصة لها وتستخدم النظام کمجرد دمية أو ناطور خضرة من أجل أهدافها(هذا الى جانب الدور السلبي للمعارضة السورية بصورة عامة ودخولها فيما يمکن تسميته بمعارضة الفنادق)، غير إننا لو نظرنا الى التجربة الايرانية ووضعناها على بساط البحث، فإننا نجد هناك حالة خاصة تستوجب البحث فيها بعمق ودراية، فالنظام الديني المتطرف الذي أعقب نجاح الثورة الايرانية، قد واجه ثلاثة إنتفاضات عارمة ويواجه يوميا تحرکات ونشاطات إحتجاجية شعبية، لکن النظام باق ومستمر من دون أي تغيير في نهجه المشبوه سواءا على الصعيد الداخلي أم الخارجي، بل وإن الذي يلفت النظر کثيرا هو إن هذا النظام يصر على نهجه ويتمسك به ويتوعد ليس مخالفيه فقط وإنما الشعب برمته ولاسيما بعد تأکيدات بأن النظام وفي حالة قيام إنتفاضة ضده فإنه يستقدم الميليشيات التابعة له في بلدان المنطقة ليقمعها!

مع الاختلاف الکبير بين الحالتين السورية والايرانية فإن هناك أيضا مايجمعهما خصوصا وإن النظامين يعتبرا شعبيهما ألدا عدوين لهما، لکن هناك ثمة حقيقة مهمة جدا يجب الانتباه لها جيدا وأخذها بنظر الاعتبار والاهمية، وهي إن النظام السوري والنظام الايراني وبعد تمکنهما ولأسباب وعوامل مختلفة لانريد تکرارها من الامساك بزمام الامور والبقاء والاستمرار، فإن الشعب السوري والشعب الايراني نجحا في إيصال أهم رسالة للرأي العام العالمي والانسانية وتجلت وتتجلى في إثبات حقيقة إن النظامين هما أکثر النظم کراهية في العالم وإن مايعتبره النظامان من إنتصار لهما هو في منطق وعرف التأريخ بمثابة هزيمة قاسية سيبقيا يحملان عارها وشنارها الى حين سقوطهما وأجد نفسي مغالطا للمنطق وللحقيقة والتأريخ لو وجدت خيارا غير السقوط بإنتظار النظامين ولايهم کيف سيکون شکل ومضمون السقوط.

التجربة الايرانية بنظري مهمة جدا لکونها تجربة لها جوانب وآثار وتداعيات مختلفة ليس على داخل إيران فحسب وإنما حتى على خارج إيران، والذي يجب ملاحظته جيدا هو إن سقوط النظام السوري وإن کان له تأثير إيجابي على المنطقة ولکنه سيکون محدودا بفعل العامل الدولي الذي سيبقى يلعب دوره في سوريا لفترة غير محددة، لکن سقوط النظام الايراني سيکون له تأثير نوعي ليس على الشعب الايراني وإنما على المنطقة بشکل خاص والعالم بشکل عام، وهذا الامر صار الجميع يدرکونه ويستوعبونه جيدا وحتى إن النظام بنفسه يعرف ذلك لکنه وبسبب من نظرته الدينية المتطرفة وإعتبار نفسه ممثلا عن السماء فإنه يعتبر العالم کله بما فيه الشعب الايراني نفسه على خطأ وضلال وإن الحق والصواب معه فقط، ولعمري ليس هناك في العصر الحديث من نظام ديکتاتوري في العالم کله يفکر بهکذا اسلوب.

السٶال الذي يطرح نفسه بقوة هو؛ من سيحسم الامر في إيران لصالحه في النتيجة، الشعب الايراني أم نظام ولاية الفقيه الذي فرضه الخميني على الشعب الايراني؟ من دون شك فإن الاجابة على هذا السٶال لايمکن أن يكون على عجالة ومن دون تمعن فيه خصوصا وإن هناك من يعتقد بأن هذا النظام قد حسم الامر لصالحه وصار أمرا واقعا يجب على الشعب الايراني ليس القبول وإنما الاقرار به أيضا، ولاسيما بعد عدم تمکن 3 إنتفاضات کبرى من إسقاطه، لکن هل إن الشعب الايراني قد إستسلم وقبل بالنظام کأمر واقع؟ سٶال مهم جدا يحتاج إجابة شافية ووافية وللموضوع صلة.