هناك خلط كبير في العلاقة بين الشيعة في العالم العربي وإيران. إذ يرى السنة أن للشيعة العرب ولاء خالص لطهران. ربما صح ذلك على مستوى طبقة سياسية محددة، أما على المستوى الشعبي العام، فلا مجال للقبول به. فللعربي هويته الخاصة أيا كانت طائفته. ونحن بقولنا ان الشيعي العربي مسلوب تجاه إيران، لا نجرده من عروبته فقط، بل نعريه من شخصيته.
حدثونا في طفولتنا عن الغزو الثقافي والفكري الذي يواجهنا به الغرب. قالوا إنه اخطر من الغزو العسكري، لأنه يمحو هويتنا وتاريخنا. يجعلنا تابعين لا مستقلين. ونحن ان سلمنا بخطورة التأثير الثقافي، سنرى ان إيران، ومع ما حققته من مكاسب سياسية في المنطقة، قد فشلت في تحقيق اي اختراق ثقافي للعقلية العربية، والشيعية تحديدا، رغم كل ما اظهرته من وجه صبوح لها.
هل سمعتم عن شيعي يمني يستمع لأغنية فارسية؟
هل سمعتم عن شيعي سعودي يحفظ الشعر الفارسي؟
هل سمعتم عن شيعي لبناني او عراقي، وهما الاقرب لإيران، يتحدثان الفارسية او يكتبان بالفارسية، ولو كلمة واحدة منها؟
هل سمعتم عن شيعي عربي واحد يريد الهجرة الى إيران؟
أبو بكر سالم بالفقيه (بحكم اصوله اليمنية) مطرب اليمنيين الأول، شيعة وسنة. الرصافي والجواهري والسياب شعراء للعراق كله. جبران خليل جبران هو أديب كل اللبنانيين شيعة وسنة ودروز وموارنة. فأين شعراء ايران وكتابها وموسيقاها وفنها من العالم العربي؟ أين هو تأثيرها الثقافي؟ لا وجود لذلك حتى في اكثر العقليات الشيعية العربية تشددا.
لا أقلل أبدا من عمق الثقافة الإيرانية وثرائها. لكني اقول انها لم تستطع بما تحمله من ارث تنافسي ضد العرب، التأثير على ثقافتهم. لست ايضا اتحدث عن ايران كشعب جار وصديق، بل كسلطة، ونظام يسعى للتوسع في المنطقة مستعينا بالشيعة فيها. مع هذا، فلم يكن شيعتنا هم ادواته، بل إهمالنا بحقهم هو ما ساعد ايران على تحقيق امتدادها. حالة الغربة التي خلقناها، نحن السنة، للكيانات الشيعية في مجتمعاتنا، كانت خير معين لخصمنا. فقد تركناها منسية مهملة. من اليمن الى لبنان، مرورا بالعراق. نحن من اعطى ايران الفرصة كي تقول لشيعتنا: انتم المحرومون وأنا المعطي. انتم المظلومون وأنا عدالتكم. لذلك فعلاقتهم بإيران هي علاقة مستنجد بطامع به، لا علاقة متمرد ثائر على وطنه. وحتى في علاقة الاستنجاد تلك، أخفقت إيران في زرع ولو جزء ضئيل من ثقافتها في نفس أي عربي، وشيعي على وجه الخصوص.
ربما سيشكك كثيرون بما اقول، مستشهدين بمغزى مرجعية الشيعة العرب لمدينة قم الإيرانية. وأرد على ذلك بأن حتمية الولاء الديني لقم كمدينة مقدسة، لا يعني الولاء لطهران كنظام سياسي بالضرورة. تماما كما هو الماروني اللبناني يعتمد مرجعية الفاتيكان الدينية، فهل يلغي ذلك ولاءه للبنان؟
الإيمان بحق الشيعة في مواطنة عادلة، من المحيط الى الخليج، محاربة فقرهم، تنمية مجتمعاتهم، دفعهم للإنصهار العادل في اوطانهم، هو ما سيهزم أي تأثير اجنبي عليهم.
تنمية اليمن قد يحقق انتصارا لا تحققه المدفعية. تنمية الجنوب اللبناني تنصرنا على طهران اكثر من مواجهتها. تنمية العراق سيعيده لعروبته أكثر من معاداته وتخوينه.
الشيعة جزء من المنظومة الثقافية العربية، وهي عصية على الاختراق. ودورنا، ان نؤمن بوطنيتها، ونقف معها، ندعمها وننميها، لا أن نشكك فيها ونعزلها، لأن ذلك تحديدا هو ما تريدنا إيران ان نفعله.
هل يعني ذلك ان تتحول مجتمعاتنا العربية الى العلمانية؟
اقول أن عليها التحول الى المدنية بكليتها، سمها علمانية او ما شئت. فمثل هذه الدولة المدنية قادرة على احتواء الجميع. فهناك اقباط في مصر. مسيحيون في الاردن والعراق. لماذا لم نتهمهم بالعمالة مع الغرب؟ ولماذا الغرب ليس قبلتهم؟ لأننا لم نقصيهم، وإن لم ننصفهم بالمطلق. ولأن اقتصادياتهم افضل. والسبب الأهم، هو انهم كالشيعة تماما، وطنيون رغم كل شيء.
[email protected]