تشهد أسعار النفط الخام استقراراً نسبياً ضمن نطاق يضيق تدريجياً. حيث يتراوح متوسط سعر خام برنت، منذ 2 نيسان (أبريل) 2023، عندما أعلنت منظمة أوبك بلس عن أولى جولات خفض الإنتاج، حوالى 82.70 دولار للبرميل، وهو ليس ببعيد عن المستويات الحالية. يسلط هذا الضوء على دور جهود ضبط الإنتاج التي تبذلها منظمة أوبك بلس في تحقيق استقرار نسبي في الأسعار، وإن كان على مستويات أقل مما كانت تتوقعه المجموعة في البداية، حيث تحتاج العديد من الدول الأعضاء إلى أسعار تقارب أو تزيد عن 90 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في موازناتها.

وكانت أسعار النفط قد شهدت انتعاشاً خلال الأسبوع الماضي، بعد الانخفاض الحاد في أوائل حزيران (يونيو) نتيجة عمليات بيع مكثفة من قبل صناديق التحوط، تزامنت مع تراجع المخاطر الجيوسياسية وإعلان تحالف أوبك بلس عن خطط للتراجع التدريجي عن تخفيضات الإنتاج الطوعية الإضافية الذي فرضه العام الماضي، على أن يبدأ سريان الخفض اعتباراً من أكتوبر بشرط استمرار ظروف السوق السائدة. وخلال الأشهر الأخيرة، حال ضعف الطلب وزيادة العرض من خارج منظمة أوبك بلس دون تشديد السوق بالقدر الذي يسمح بإعادة ضخ الإمدادات إليها.

كما كشفت تقارير سوق النفط الشهرية الصادرة الأسبوع الماضي عن منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية اتساعاً ملحوظاً في الفجوة بين توقعات كل منهما بشأن نمو الطلب على النفط في عامي 2024 و2025. ففي حين تمسكّت منظمة أوبك بتوقعاتها بزيادة قدرها 2.2 مليون برميل يومياً هذا العام، واصلت وكالة الطاقة الدولية خفض توقعاتها، لتصل حالياً إلى أقل من مليون برميل يومياً وسط استمرار التباطؤ في الأسواق الرئيسية، ولا سيما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث يعكس ضعف كبير في وقود السولار ظروفاً صناعية صعبة. وتتوقع الوكالة استمرار التوقعات الضعيفة حتى عام 2025 مع زيادة متواضعة قدرها مليون برميل يومياً، تعكس ضعف النمو الاقتصادي وتوسع أسطول السيارات الكهربائية وتحسين كفاءة المركبات.

من ناحية أخرى، حافظت منظمة أوبك على توقعاتها بتعزيز الطلب على النفط في النصف الثاني من العام وسط استمرار النمو الاقتصادي في الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة. وأشارت إلى أن تحالف أوبك بلس سيحتاج إلى ضخ 2.7 مليون برميل يومياً إضافية في الربع الثالث، مما يترك مجالاً واسعاً للتراجع المعلن عن تخفيضات الإنتاج. ومع ذلك، من الواضح أن اتجاه أسعار النفط الخام في الأشهر المقبلة سيعتمد على صحة أي من التوقعات. ومع انقضاء نصف العام بالفعل، من غير المعتاد أن نرى مثل هذه الفجوة الواسعة بين مؤسستين ينبغي أن يتوفر لديهما نفس القدر من البيانات والمعلومات.

إقرأ أيضاً: حان وقت التأمل في 2023

وشهدت أسواق النفط العالمية أسابيع من ضعف الأسعار تزامنت مع انحسار المخاطر الجيوسياسية وتراجع توقعات الطلب للربع الثاني بوتيرة أسرع من المتوقع، وذلك بعد أداء قوي للطلب خلال الربع الأول. دفع هذا التراجع صناديق التحوط إلى الخروج من مراكزها طويلة الأجل في العقود الآجلة لكل من خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت. وبلغت هذه الظاهرة ذروتها في الأسبوع الذي يبدأ في الرابع من حزيران (يونيو)، عقب إعلان تحالف أوبك بلس عن زيادة الإنتاج. حيث انهارت صافي العقود الآجلة طويلة الأجل لخام برنت إلى أدنى مستوى لها في عشر سنوات، لتستقر عند 46 ألف عقد فقط (46 مليون برميل). وعند الجمع بين صافي العقود طويلة الأجل لكل من خامي برنت وغرب تكساس الوسيط، فقد انخفض إجمالي صافي العقود طويلة الأجل إلى ما دون مستوى 200 ألف عقد، وهي مستويات لم تُشاهد إلا مرتين خلال الاثني عشر عاماً الماضية: الأولى خلال جائحة كوفيد-19 عام 2020، والثانية قبيل هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

إقرأ أيضاً: توقعات سوق النفط في 2024

بالرغم من أنَّ الاتجاهات التاريخية لا تُعد بالضرورة مؤشراً قاطعاً لما سيحدث مستقبلاً، إلا أننا شهدنا تحركات تصحيحية قوية في الأسواق في مناسبات سابقة تزامنت مع انخفاض مماثل في المراكز طويلة الأجل. ويعتمد تكرار هذا الأمر بشكل كبير على مدى دقة توقعات كل من وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك بشأن نظرة الطلب على النفط على المدى القصير. ومع ذلك، نتوقع ارتفاعاً موسمياً في الطلب مع زيادة حركة التنقل خلال عطلة الصيف وزيادة الطلب على أنظمة التبريد بسبب موجات الحر التي تجتاح الشرق الأوسط وآسيا والجنوب الأوروبي.