ما زالت حماس وأنصارها في قطاع غزة وبعض الدول العربية يحتفلون بما يسمونه الانتصار، وهو في الواقع انتصار وهمي، إذ ستظهر الحقيقة في وقت لاحق، ويقول الفلسطينيون كلمة الحق في وجه الطغيان الذي ساد القطاع وقاده إلى هذه النكبة التي نجمت عن مغامرة السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
لقد صنعوا أغاني تمجد حماس وتحتفل بانتصارها وتفتخر بما أسمته إحدى الأغاني دحر الاحتلال، مع أن الاحتلال لا يزال في وسط قطاع غزة ويصول ويجول فيها كما يريد. ادعاء الانتصار مع هذه النتائج من الدمار والقتلى والخسائر المادية الفظيعة يعد تهريجاً وأضحوكة. حتى جماعة الإخوان المسلمين في البلدان العربية ركبت الموجة لتحتفل بالانتصار الوهمي ولتدعي أنها الحاضنة الحقيقية لحماس ومقاتليها.
كيف تحتفل حماس بنصر لم يحدث؟ أي نصر؟ أي نصر هذا وأكثر من ثمانين بالمئة من مباني غزة وإسكاناتها وعماراتها مدمرة، وشوارعها مجرفة، ومؤسساتها معطلة؟ من المؤسف أنَّ أكثرية التعليقات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي مصدقة وداعمة ومؤيدة لنصر حماس، ولا ترى أبداً أن حماس في مغامرتها تسببت في نكبة جديدة للشعب الفلسطيني. أحدهم كتب أن غزة حررت الأسرى الفلسطينيين، فهل يحلم هذا المعلق؟ ما تم عبر الصفقة هو تحرير مجموعة معتقلين فلسطينيين، حتى وإن كانوا ألفين أو ثلاثة، فهل كان الأمر يستحق أن يُدمر قطاع غزة ويُقتل خمسون ألف فلسطيني في القطاع، بينهم عشرون ألف طفل، لكي يتم تحرير بضعة آلاف فلسطيني من سجون الاحتلال؟ أي ثمن بخس هذا لحياة الفلسطينيين؟
تفاخرت حماس أنها ليست مسؤولة عن حماية المدنيين، ودم هؤلاء لا شك أنه في ذمتها بالدرجة الأولى قبل أن يكون في ذمة جيش الاحتلال. وبهذا برهنت الحرب في غزة وبشكل قاطع كم هو رخيص الإنسان في عقلية هذه الهيئات والمنظمات التي تركب موجة الوطنية والمقاومة بدون تفكر وبدون تدبر.
ظلت حماس تتوسل وقف إطلاق النار والهدنة، فجاء الاتفاق لمجرد وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وكأن خمسين ألفاً من الأرواح الفلسطينية دُفعت ثمناً لمجرد وقف إطلاق النار المؤقت وإطلاق المخطوفين. ومع أن حماس وأنصارها ادعوا أنهم هم الذين فرضوا الاتفاق، لكن الحقيقة ليست كذلك، فالاتفاق يخلو من أي شرط مفروض على إسرائيل أو كان من أهداف المغامرة التي سموها "طوفان الأقصى". فلم يشترط الاتفاق وقف اقتحامات الأقصى أو وقف الاقتحامات في الضفة الغربية واستهداف الفلسطينيين، ولم يطالب الاتفاق بوقف الاستيطان مثلاً أو يطلب تعويضات من إسرائيل أو يدعو إسرائيل إلى المشاركة في علاج المصابين من أهل غزة.
أحد أنصار حماس كتب في وسائل التواصل الاجتماعي أنه مشهد يثلج الصدر حين نرى ساحة تبادل الأسرى في غزة تعج أو تغص وتزدحم بالمقاتلين الأشداء الذين ظهروا يحملون بنادقهم. لكن هذا المعلق لم يتساءل أين كان هؤلاء المقاتلون عندما دخلت قوات الاحتلال كل مناطق غزة ومستشفياتها ومدارسها، ولماذا لم يستطع هؤلاء المقاتلون صد تلك القوات ومنعها من الدخول؟
كان ملفتاً ما قاله شاب فلسطيني لإحدى وكالات الأنباء بعد سريان الهدنة بأنه ليس لدينا أدنى فكرة أين كان هؤلاء المقاتلون خلال الحرب؟ أظهرت الصور والفيديوهات أن مقاتلي حماس خرجوا من مخابئهم بكامل أناقتهم، مخبئين وجوههم خجلاً من مواطنيهم، محتفلين بانتصار لا وجود له وفوز لم يقع، محتفلين بعقلية عربية ترى الهزيمة نصراً بمجرد أنها بقيت موجودة، تماماً مثلما كان غرور بعض القيادات العربية إثر هزيمة حرب حزيران (يونيو) 1967. بعد إعلان الهدنة والاطمئنان لتوقف القصف، ظهرت أسلحة حماس ورجالها الملثمون.. فأين كانوا طوال أيام الحرب؟ لماذا لم يخرجوا من مخابئهم للدفاع عن شعبهم ووقف زحف قوات الاحتلال؟
من الواضح أنه طوال أيام الحرب لم تقاتل حماس، وبقي مقاتلوها مختبئين في الأنفاق، يخرج منهم أفراد بلباس مدني يقومون بمحاولة أو اثنتين، وإعلام الترويج ينشر فيديوهات ربما تم إنتاجها بالذكاء الاصطناعي في استوديوهات احترافية، ومحللين أصحاب خيال واسع.
يتساءل الضمير العربي: ماذا أنجزت عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) التي وصفتها حماس بأنها "طوفان الأقصى"؟ ماذا أنجزت للأقصى أو للقدس؟ لم يتغير شيء على الأقصى أو على الاستيطان أو حتى عن موقف الحكومة الإسرائيلية من الشعب الفلسطيني؟ ما الذي دافعت عنه حماس واستطاعت إنقاذه بعد تلك العملية المغامرة التي تسببت بوقوع نكبة ثانية للشعب الفلسطيني؟
افتعلت حماس عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) مطالبة بالإفراج عن السجناء الفلسطينيين، وكان عددهم في الحد الأقصى سبعة آلاف معتقل، لكن تلك المغامرة جعلت أعدادهم تفوق الخمسة عشر ألفاً. ومبادلة مئة مختطف بألفين أو ثلاثة آلاف أسير فلسطيني ليس ثمناً عادلاً أبداً لكل تلك الضحايا البريئة التي سقطت في غزة وكل ذلك الدمار الذي وقع نتيجة مغامرة غبية وعرجاء قام بها قادة حماس نزولاً عند رغبات حليفتهم إيران.
التعليقات