نقد أدبي
عيسى الشيخ حسن في "خربة الشيخ أحمد": صور جميلة تعالج قضايا الثأر والحياة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من فيينا: في أكثر من مرة، وبرغبة شديدة، قرأت رواية الشاعر الأديب الأخ والصديق عيسى الشيخ حسن، ووقفت مطولاً عند كثير من الصور الجميلة التي شدّتني وأفرحتني، وأضحكتني في الوقت نفسه من خلال توقف الكاتب عند تصويره لجمل قصيرة رواها للقارئ بعين صادقة. عين غرفت كل شيء من تلك المنطقة التي عاش فيها الكاتب طفولته وشبابه وبعضاً من رجولته هناك، في منطقة ريفية لا يعرف أهلها إلّا الوفاء والإخلاص واحترام الناس، والأخلاق وما تتصف به بكل صورها التي يعرفها أهل تلك المدن التي يعيش أهلها اعتماداً على الزراعة وتربية الماشية والحياة البسيطة.
غلاف كتاب "خربة الشيخ أحمد" للكاتب عيسى الشيخ حسن
في تصويره للرواية، هناك كثير من الجمل راقتني حقيقة، وأوجعتني في كثير منها، وتلمّست مدى العمق الذي يقود كاتباً كبيراً وشاعر متفرداً مثل الشيخ حسن إلى أن يصوّب عينه نحو الهدف وبدقّة متناهية.
صور تحكي عن واقع معاش لمسته بصورة خاصة في أثناء زياراتي إلى مسقط رأسي قرية السلحبية الغربية في الرّقة، والتي بالكاد كنت أزورها بين فينة وأخرى، وفي فترات متقطعة، وكنت ألتقي هناك أصدقاء ومعارف، وكانت إقامتي في الرّقة، وولادتي وعملي فيها... وفي فترات الزيارة القصيرة إلى تلك القرية، ولقائي بالأقارب والأصدقاء الذين أحترمهم وأقدرهم، لأنهم يحملون في الواقع بذار الطيبة والمحبة والوفاء، كما يصوره الأديب عيسى الشيخ حسن في روايته الرائعة، فضلاً عن مدى الحب الذي يكنّونه لي، ولغيري من أصدقاء وضيوف. وفي هذه الصورة تذكرت ما سبق أن ساقه وكتبه الزميل والصديق عيسى الشيخ حسن الذي يُتقن فن لغة السرد في استعراض الجمل ومفرداتها.
في رواية "خربة الشيخ أحمد" نعيش أحداثها كحدث واقعي لا ينفّك عن واقع نعيش لحظاته اليوم وغداً كما عشناه في الماضي، ويعيشه معنا أبناء ريفنا الجميل، ووقوفهم على معاناة ترافقهم ومنذ الصغر.
في روايته يصور أحداثاً ريفية كثيرة، يستعرض بإبداع، وبلغة سليمة، وغالباً ما يعود إلى لهجة ابن المنطقة التي يعيشها ويسكنها الحاج عبد اللطيف ابن التسعين عاماً ابن قرية الصَفْرَة، وفواز وزوجته وابنته حسنة، وكذلك ياسين ابن الحاج عبد اللطيف الذي تربّى في كنفه، وعاش فترة من الشباب في أحضانه، كما توقف أديبنا عند أحد أخوال ياسين الشاب الأنيق الجميل الشاب ابن العشرين عاماً الذي حاول أن يقرب وجهات النظر بينه وبين الشاب المتهم، ابن فواز المشعل الذي حاول أن يتعرف إليه، ويتقرب إليه لا سيما أنه أخو حسنة حبيبة المستقبل الذي حاول أن يبدي لها رغبته في ملاحظاتها تجاهه، ويكون قريباً لها في كثير من المواقف. وبادر أخواله بالاحتفاء به وتدليله.
ياسين الذي وقع صريعاً نتيجة إطلاق النار عليه بالخطأ من خلال شخص أصابه بين جمهرة في المحكمة، ومكث فترة من الزمن في دار أخواله الذين تعرّف إليهم مؤخراً بعد انقطاع الصلة بينه وبينهم سنوات وبين أهله ومعارفه، وعدم معرفة أخباره وأخبار والده ووالدته الذين قضوا في حادث سير مفاجئ.
الكاتب عيسى الشيخ حسن و"خربة الشيخ أحمد"
ما لفتني صراحة إلى هذه الرواية التي كنت أسرح بعيداً، وأنا أتابعها بشغف، وأقف مطولاً عند سرد جمل باللهجة "الشّاوية"، لهجة منطقة الجزيرة السورية، وبصورة خاصة مدينة الحسكة ـ ريف القامشلي، ناهيك عن بساطة الأهل هناك، وبساطتهم وكرمهم الذي يشتهرون ويفاخرون به، ويقدمونه إلى ضيوفهم، وهذا ما أمتعنا تصويره، وجعلنا حبيسين لرؤية الكاتب وجمله القصير الرائعة التي تختزل الكثير من الأحداث، والصور التي يستعرضها بإبداع كبير. كما لا ننسى المعلم عبد العليم الذي كان يدرّس في قرية الصفرة النائية الذي تزوج فيما بعد من صالحة، بنت القرية، وأنجبت ابنهم الوحيد ياسين، وتبنّت أسرة الحاج عبد اللطيف ذاك الطفل اليتيم إلى أن كبر وصار معلماً، وبعد جهد تزوج بحسنة الفواز المشعل، بالرغم من رغبة ابن عمها جاسم الصايل أن يقف في وجهها، تلك الشابة التي كانت "محيّرة" له، أي أنها ستكون زوجته في المستقبل، كما ينقل لنا العرف ذلك، وبعد مناشدات تمكّن ياسين من كسر حاجز هذه العادة التي ما تزال قائمة، وراح ضحيتها كثير من الشابات على وجه التحقيق، الراغبات في الزواج من خارج محيط الأسرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الشباب الذين لم يتوقفوا عند الزواج بابنة العم، التي يعتبرها كثيرون وكأنها أخت لهم، وهذا ما دفع أغلبهم فيما بعد إلى الاختيار برغبتهم، بالرغم من صعوبة الموقف بالنسبة لأهل المنطقة الذي ما زال قسم كبير منهم يعيش تلك الحالة.
وكما نوهنا، فإنَّ ياسين كسر هذا الحاجز، وتزوج بحسنة التي تحبّه وترغب به كزوج، وهذا خيارها الذي كانت تبحث عنه، لأنها سيحقق لها مكاسب كبيرة، والعيش في راحة تامة، لا سيما أنه يعد من مثقفي القرية، ومن المتعلمين المعروف عنه بهدوئه وتقديره للأشياء.
يغرف الكاتب من معين الريف في روايته ويصور أحوال الناس ومعاشهم بلغتهم
ما حاولت أن أقوله في هذا السياق عن الصور الرائعة التي قدمها لنا الكاتب، وعن تعرضه لعديد من تفاقم صور العادات والتقاليد البالية كالثأر والحيار الذي حاول أن يصورهما للقارئ، والمعاناة التي يعانيها أهل المنطقة بصورة عامة.
رواية تستحق القراءة مراراً... والإفادة من لغة الكاتب التي أتحفنا بسرده وانتقاء جمله التي كتبت بها، وأمتعنا حقيقة بما تضمنته.