إيلي الحاج من بيروت: يبحث مجلس الوزراء اللبناني في الجلسة المقررة عصر اليوم الثلاثاء بغياب الوزراء الشيعة المستقيلين في إحالة مشروع قانون المحكمة ذات الطابع الدولي، لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، إلى مجلس النواب بعدما انتهت مهلة التوقيع عليه المعطاة دستورياً لرئيس الجمهورية إميل لحود الذي رفض مشروع القانون، معتبراً أن الحكومة غير دستورية ومكرراً ملاحظاته على المشروع، ولا سيما منها تجاوزه لصلاحيات رئيس الجمهورية في التفاوض على عقد المعاهدات.
لكن المشكلة التي يواجهها مجلس الوزراء أن رئيس مجلس النواب وحركة quot;أملquot; نبيه بري يعتبر، هو أيضا،ً أن الحكومة فاقدة للشرعية الدستورية والميثاقية ولا يعترف بقراراتها وسيرفض تسلم الإحالة منها. وبالتالي لن يوجه بري دعوة الى عقد جلسة لمجلس النواب قبل حل الأزمة بين الغالبية الحكومية والنيابية وquot;حزب اللهquot; .
وتؤكد أوساط quot;حزب اللهquot; أنه يشترط في الاتصالات الساعية إلى تسوية بقيادة الأمين العام للأمم المتحدة عمرو موسى الذي وصل اليوم إلى بيروت آتياً من نيويورك، أن تتراجع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عن إقرارها مشروع قانون المحكمة الذي دفع النواب الشيعة إلى الإستقالة، وأن تعيد مشروع القانون هذا تالياً إلى طاولة الحوار، ثم طاولة مجلس الوزراء في حال نجح الحوار، وذلك للبحث في تفاصيله.
في المقابل ترفض قوى الغالبية هذا الطرح وتصر على السير بمشروع القانون وتشكك في نيات الحزب الإلهي وحلفائه وترى أن هؤلاء مرتبطون بالنظام السوري، المتهم الأول لا بل الوحيد في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وبقية الإغتيالات السياسية في لبنان. وهو النظام الذي يضع شرطاً ضمنياً، وفق المصادر الحكومية، أمام كل جهود التسوية العربية واللبنانية المتعلقة بالأزمة الحالية في بيروت، هو التخلي عن المضي قدماً في مشروع إقامة المحكمة quot; التي تشكل بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت quot;.
وتقول الغالبية الحكومية إن عدم إبرام لبنان الاتفاق على إنشاء المحكمة ونظامها بالطرق الدستورية والقانونية قد يؤدي إلى قرار بإنشائها يصدر عن مجلس الأمن الدولي بمعزل عن لبنان. وتوافق عواصم عربية وغربية تتابع الوضع اللبناني على أن مسألة المحكمة تشكل إحدى عقدتين رئيستين تجعلان حل الأزمة اللبنانية بالغ الصعوبة. أما العقدة الأخرى فهي مسألة سلاح quot;حزب اللهquot; الذي تصر طهران على ضمان عدم البحث في المس به، مهما تكن الظروف والأوضاع والقرارات الدولية المتعلقة بلبنان.
وستكون الضمانات في شأن المحكمة والتي سيطلبها كل من الطرفين من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في بيروت للتفاوض على حل، نقطة مركزية في الإتصالات بالوساطة بين فريق الغالبية وquot;حزب اللهquot; وحلفائه الذين يعلنون موافقتهم على مبدأ المحكمة ويتشبثون ببحث التفاصيل، في حين لا ينفك أقطاب quot;قوى 14 آذار /مارسquot; المناهضة لسورية عن ترداد أن quot;شيطان العرقلة يكمن في التفاصيلquot;، ويلفتون إلى أن الوزراء الشيعة قاطعوا مجلس الوزراء سبعة أسابيع في المرة الأولى عندما قررت الحكومة توجيه طلب إلى الأمم المتحدة لتشكيل المحكمة والمساعدة في كشف مرتكبي الإغتيالات، واستقالوا في المرة الثانية عندما أقرت مشروعها وقانونها، ما رفع درجة الحذر والشك في نياتهم quot;فعمّن يدافعون؟ وما الذي يقلقهم في هذه المحكمة؟ quot;.
وقد أجاب قادة quot;حزب اللهquot; تكراراً بأنهم موافقون على المحكمة لكن اعتراضهم يتركز على المشاركة في مناقشة كل ما يتعلق بها، علماً بأن الحزب يشك بدور في خلفيات تحرك مجلس الأمن في كل ما يتصل بلبنان ويعتبر أنه منحاز إلى إسرائيل وتسيره الرغبات الأميركية . وذهب أحد حلفاء الحزب الداعية الإسلامي فتحي يكن في أحد خطاباته في المعتصمين وسط بيروت إلى اعتبار أن المحكمة هي quot;أداة صهيونيةquot;.
وأعرب دبلوماسي غربي في بيروت لquot;إيلافquot; عن اقتناع يتزايد لديه يوماً بعد يوم بأن موضوع المحكمة الدولية هو صلب المشكلة اللبنانية في الوقت الراهن. وقال :quot;عند كل أزمة فتش عن هذه المحكمة ترها في الخلفيةquot;. وأشار إلى ما تردد عن احتمال أن تتولى المملكة العربية السعودية كلفة المحكمة، مستنتجاً أن ذلك يؤكد المدى الإقليمي لا بل الدولي لهذه القضية التي يبدو أنها غير قابلة لإسدال الستار عليها، ليس لأن تيار الرئيس الحريري ( quot;المستقبلquot;) هو الأقوى في لبنان ويستحيل أن يتراجع بقيادة نجله النائب سعد الحريري عن المطالبة بالعدالة الدولية، بل أيضاً لأن السلوك السوري الحالي في لبنان يقلق دولاً كثيرة تعتبر أن تشكيل المحكمة يمكن أن يحمي المسؤولين والقادة اللبنانيين من الإسترسال في قتلهم بطرق شتى، واحداً تلو الآخر، وهذا احتمال مرعب لأنه سيؤدي إلى منزلقات خطرة جداً على هذه البلاد يخشى المجتمعان العربي والدولي مجرد تصورهاquot;.
في هذا الوقت قدم رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتز في نيويورك إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة نيويورك تقريره الثالث عما توصلت اليه التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، على أن يناقشه أمام ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن في الأيام المقبلة. ووصف مطلعون تقريره مرة أخرى بأنه quot;إجرائي ووضعيquot; وليس quot;اتهاميا ونهائياًquot;، وبالتالي لا يتضمن أسماء متهمين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري والجرائم اللاحقة بها وإن كان يشير إلى أن مرتكبيها جهة واحدة ، فيحتفظ براميرتز بما لديه من معلومات واتهامات ولا يكشفها الا أمام المحكمة .
التعليقات