تقرير بيكر ndash; هاملتون يغيّر التعامل مع طهران ودمشق
هدية سورية الجولان وليس لبنان

إيلي الحاج من بيروت: يحمل تقرير لجنة بيكر- هاملتون في كل سطوره اعترافاُ ضمنياً بالإخفاق الأميركي في العراق وبعدم القدرة على مواصلة السياسة التي باتت مكلفة وغير مجدية، والتي أوصلت الى وضع خطر ومتردٍ بعد أربع سنوات من الغزو، والى تضاؤل التأثير الاميركي في الأحداث. كما أنه يقدم صورة متشائمة عن مسار الوضع المتدهور في العراق ومستقبله، متوقعا الإنزلاق هناك الى الفوضى الكاملة واشتداد العنف الطائفي، وانهيار الحكومة العراقية، وحدوث كارثة إنسانية، وتدخلات من دول الجوار واهتزاز صورة الولايات المتحدة في العالم.

ويوصي التقرير صراحة باتباع استراتيجية انسحاب تدريجي ومشرِّف بأقل الخسائر من المستنقع العراقي. ومع أنه لا يحض على انسحاب فوري لأنه سيكون كارثياً بالتأكيد ، كما لا يحدد برنامجا زمنيا للانسحاب، فإنه حدد سقفا زمنيا له هو السنة 2008. وسيكون هذا التحديد كافياً لزعزعة وضع حكومة المالكي ومعنوياتها ولتحفيز الجماعات المناهضة للاميركيين في العراق وحتى في المنطقة أيضاً على التصعيد والإقدام على مزيد من الهجمات.

أما دعوة التقرير ادارة الرئيس جورج بوش الى فتح مفاوضات مع سورية وإيران حول مستقبل العراق، واتاحة الفرصة لهما للتأثير في الأحداث والسعي الى استقطابهما بسبل بناءة ، فإنها تتناقض مع السياسة الاميركية المتبعة منذ خمس سنوات والتي صنفت إيران في محور الشر وسورية دولة مارقة وداعمة للإرهاب، ومارست عليهما حصارا دبلوماسيا وضغوطا سياسية وإقتصادية.

ويدعو التقرير إلى خفض الدعم العسكري والاقتصادي للحكومة العراقية اذا لم تحرز تقدما جوهريا على صعيدي الأمن والمصالحة، بمعنى quot;معاقبةquot; العراقيين على عدم احرازهم تقدما في مجال الأمن خصوصا ورمي مسؤولية الوضع عليهم بعد تغيير مهمة القوات الاميركية التي ستركز على تكثيف التدريب لقوات الأمن العراقية لتسليمها المهمات والمواقع تدريجياً. كما يحض على الربط بين حرب العراق والقضية الفلسطينية ليصبح العراق جزءا من أزمة الشرق الاوسط، وليكون حل هذه الأزمة مؤثرا إيجاباً في الوضع في العراق ومستقبله. وهو يحث الرئيس بوش على ان يعالج بحزم النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني لتقليص التوترات الاقليمية الحدودية التي تغذي نزاع العراق. ويعتبر ان هناك ضرورة ومصلحة حيوية لحل الصراع العربي الاسرائيلي، وإلا فإن الولايات المتحدة لن تستطيع تحقيق أهدافها في الشرق الاوسط. وتظهر فيه دعوة الى رسم مسارين في عملية السلام: مسار أول بين اسرائيل والفلسطينيين الذين يعترفون بحق اسرائيل في الوجود أي استثناء quot;حماسquot;، ومسار آخر بين اسرائيل وسورية ولبنان، أي ان هناك تلازما بين المسارين اللبناني والسوري.

وفي ما يتعلق بإيران، جعل التقرير quot;فارقاquot; او فاصلا معيّنا بين الحوار الاميركي الايراني المقترح حول العراق وبين التفاوض الدولي مع ايران حول ملفها النووي... ولكن اذا كانت واشنطن تفصل بين العراق والملف النووي فهل ترضى طهران بهذا الفصل، أم انها تريد ثمنا ومقابلا لتعاونها في العراق؟

أما لناحية سورية فبدا التقرير أكثر تشددا في شكل أوحى ان الحوار معها في شأن العراق لا يعني إبرام صفقة معها على حساب لبنان، إذ شدد التقرير ان على دمشق التقيّد بخمسة التزامات . أولها التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان، ثانيها وقف أشكال المساعدة لquot;حزب اللهquot; وعدم استخدام أراضيها ممراً للأسلحة إليه، وثالثها وقف الجهود والتدخلات الآيلة الى تقويض حكومة لبنان المنتخبة ديمقراطيا برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، ورابعها التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية في الاغتيالات السياسية في لبنان من الرئيس رفيق الحريري الى الوزير بيار الجميل، وخامسها وقف الدعم والأسلحة من سورية وعبرها الى quot;حماسquot; والجماعات الفلسطينية المتشددة. أما سادس الإلتزامات وآخرها فبذل جهد أكبر من أجل إقفال حدودها مع العراق.

ويحدد تقرير اللجنة الجولان، وليس لبنان، محفزاً وهدية لسورية في مقابل مع الجهود الأميركية والدولية المبذولة للمنطقة ، على أن تكون اعادة الجولان إلى سيادتها في اطار اتفاق سلام شامل مع ضمانات أمنية أميركية.

وإجمالاً يقدم تقرير بيكر -هاملتون تقويما سلبيا وقاسيا عن السياسة الاميركية في الشرق الاوسط، ويضع بذلك حدا لحقبة quot;المحافظين الجددquot; او على الأقل يعلن تراجع نفوذهم وتأثيرهم على السياسة الخارجية، كما انه يسدد quot;ضربة معنوية مباشرةquot; إلى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. ويكتسب أهميته من كونه يشكل خلاصة مداولات استمرت لأشهر من أعضاء لجنة رسمية تجمع الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبالتالي تأخذ توصياتها في المبدأ صفة ملزمة، مع ان الرئيس بوش ليس مقيّدا بها ويستطيع انتقاء ما يناسبه فيه ويدعم سياسته وتوجهاته.

والى حين اتضاح سبل تعامل بوش مع التقرير، وهو ما سيظهر رسميا مطلع العام المقبل في الخطاب السنوي عن quot;حال الاتحادquot;، فإن تقرير بيكر- هاملتون يشكل تطورا نوعيا ونقطة تحوّل في مجرى السياسة الاميركية الشرق أوسطية، وكذلك في مجرى أحداث المنطقة وأوضاعها. والتقدير الأولي ان هذا التقرير يعلن بداية العد العكسي للخروج الاميركي من العراق وإن بعد سنتين، وسيشكل مصدر قلق لحلفاء اميركا في المنطقة بدءا من حكومة المالكي التي ستشعر ببداية تخلٍ اميركي، وبما في ذلك اسرائيل التي تشعر بتغير اللهجة الاميركية حيال إيران وبضغوط مقبلة عليها لمعاودة مفاوضات السلام ولنشوء حالة من عدم تطابق المصالح بينها وبين الولايات المتحدة .

والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة : هل يكون التقرير مصدر ارتياح لخصوم اميركا في المنطقة، فينظرون اليه على انه علامة تراجع وضعف وحافز لهم إلى مزيد من السياسة الهجومية أم السياسة التفاوضية؟ وهل تكون بيروت ساحة اختبار لرد فعل المحور المناهض للأميركيين، فيبدون قبولهم أو رفضهم للعرض الأميركي إنطلاقاً من محيط مقر رئاسة مجلس الوزراء، حيث الرئيس فؤاد السنيورة وحكومته محاصران بجموع حلفاء إيران وسورية المحليين؟ أيام ويظهر الجواب.