أدمون صعب



quot;ان ايمان المرء بنفسه وبمجتمعه لا يعني بالضرورة اساءة فهم الآخر، او اقصاءه، او اضطهاده. وان مواجهة quot;التعصّب المضادquot; تكون برفض أي اندفاع لتشويه الآخرquot;.

الأمير الحسن بن طلال

quot;ان الاحتكام الى الشارع في القضايا الوطنية بدلاً من الحوار، كأن تقوم تظاهرة من هنا وتظاهرة من هناك، أمر ينطوي على مخاطر كثيرة، وخصوصاً اذا كان اهل الحكم شكّلوا انفسهم فريقاً، ولم يصدف ان يتظاهر من في يده السلطان، بل العكس هو الصحيح فيتظاهر الشعب احتجاجاً على من في يده السلطانquot;.

هذا الكلام قاله حكماء لبنان المطارنة الموارنة قبل سنتين بالتمام والكمال اثر اجتماعهم الشهري في 1 كانون الاول 2004 في عز معركة تنفيذ القرار 1515 يوم كان الرئيس عمر كرامي يهدد بالتظاهرة المليونية التي لم تجمع اكثر من مئة الف. وقد استغربت بكركي آنذاك، مع سيدها، تهديد اهل السلطة بالتظاهر في وجه الشعب المطالب باستعادة السيادة والاستقلال والقرار الحر، معترفة بحق هذا الشعب في quot;التظاهر احتجاجاً على من في يده السلطانquot;، وخصوصاً عندما يصبح صاحب السلطان quot;فريقاًquot; لا حَكَماً، وتنقطع معه لغة الحوار.
وصادف ان انطوى بيان المطارنة آنذاك على دعوة الى quot;اصدار قانون للانتخابات النيابية. وهذه شكوى قديمة، ليست دليل براءة، ان لم تكن دليلاً على نية مبيتة. وهذا خطأ ارتكب سابقاً اربع مرات وأورث البلد مصائب كبيرة، لذلك نحذّر من تكراره لئلا يفقد الشعب حريته في اختيار ممثليهquot;.

واننا اذ نعود الى بيان المطارنة بعد حال quot;التوحشquot; التي شهدها الشارع المسيحي اخيراً اثر استشهاد الوزير بيار الجميّل، وكاد العنف الذي اجتاح ذلك الشارع ان يشوّه الصورة النضالية للمسيحيين الذين قادهم البطريرك الماروني والمطارنة الاجلاّء ضد نظام الوصاية الذي كان يهدد بأجهزته واستخباراته وارهابه وحتى quot;متظاهريهquot; المطالبين بالحرية ndash; نعود الى البيان في يوم التظاهر الشعبي ضد quot;السلطان الاستقلاليquot; المتهم بأنه فريق بعد زوال quot;السلطان المتسلّطquot; الذي كان quot;فريقاًquot; حلل المطارنة التظاهر ضده بعدما حظّر الحوار، لنسأل:

هل يدفع الشعب الآن ثمن الخطأ الذي حذّر المطارنة من quot;مصائبه الكبيرةquot;، في حال لم يصدر قانون انتخاب يعتمد الدائرة الصغيرة التي طالبت بها بكركي ووافق عليها الرئيس رفيق الحريري واعلن ذلك من الصرح، وعلى هذا الاساس اعد الوزير سليمان فرنجيه مشروعا به قبل استقالته بعد استشهاد الرئيس الحريري؟

في الواقع ان الانتخابات التي جرت بضغط الخوف من الوقوع في الفراغ بعد انسحاب القوات السورية في 26 نيسان 2005، وبموجب اسوأ قانون للانتخاب طالما شكا منه جميع اللبنانيين، وبكركي في مقدمهم ndash; ان هذه الانتخابات مسؤولة عن قسم كبير من المشكلة التي يواجهها اللبنانيون منذ سنة تقريبا، اي منذ اعتكاف وزراء quot;املquot; وquot;حزب اللهquot; في 12 كانون الاول الماضي اثر اقرار مجلس الوزراء مطالبة الامم المتحدة بإنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الشهداء الآخرين وصولا الى جبران تويني الذي كان القرار رداً على استشهاده ذلك النهار.

ومنذ ذلك التاريخ حصل الطلاق بين quot;حزب اللهquot; وحركة quot;املquot; وما عرف بـquot;التحالف الرباعيquot; الذي تم التفاهم عليه في السعودية بين هذين الطرفين وquot;تيار المستقبلquot; وquot;اللقاء الديموقراطيquot; وكان ضربة للديموقراطية أضيفت الى quot;قانون غازي كنعانquot; الانتخابي الفاسد والذي انتج الغالبية الحالية عبر quot;تواطؤquot; بين quot;املquot; وquot;حزب اللهquot; مع quot;المستقبلquot; quot;واللقاء الديموقراطيquot; ضد القوى المسيحية الطالعة بقيادة العماد ميشال عون، بعد انضمام quot;القوات اللبنانيةquot; الى التحالف وتوفير تغطية مسيحية له ترجمت باقرار مجلس النواب قانونا بالعفو عن قائد quot;القواتquot; سمير جعجع.
واذ اكد اطراف التحالف ان توافقهم سياسي وليس انتخابياً، اي ليس quot;رفقة طريقquot;، لم يجد quot;حزب اللهquot; غضاضة في طمأنة الطرف المسيحي الى صدق تحالفه معه، باعلان امينه العام السيد حسن نصرالله في احد المهرجانات الانتخابية الضخمة في الضاحية الجنوبية عن استعداده لتبني شعار الشيخ بشير الجميل quot;لبنان 10452 كيلومتراً مربّعاًquot;، شرط ان يشمل مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا والقرى السبع.

وقد اخاف هذا التحالف مع quot;حزب اللهquot; خصوصاً والذي كانت quot;القواتquot; طرفه الخامس، سائر المسيحيين في المتن وجبيل وكسروان، الامر الذي اتاح للوائح الجنرال ميشال عون جرف مقاعد خصومه فيها. وامتدت مفاعيل هذا الجرف الى زحلة.

ولقد كان هذا quot;الانقلابquot; على الديموقراطية فرصة ذهبية لسوريا التي خرجت من لبنان من الباب، لتحاول العودة اليه، بالنفوذ لا بالعسكر، من الشباك.
... واخذت الرياح في الهبوب، وعصفت مع تفكك التحالف الرباعي بإخراج quot;حزب اللهquot; وquot;املquot; منه، ثم بالتقارب بين quot;حزب اللهquot; وquot;التيار العونيquot; اللذين جمعهما العزل لهما من جانب الاكثرية في السلطة التي ابعدت كتلة quot;التغيير والاصلاحquot; عن المشاركة في القرار السياسي، ثم دفعت خلافاتها مع quot;حزب اللهquot; وquot;املquot; الى خروجهما من الحكومة، وسحب رصيدهما الشعبي والسياسي من حساب الاكثرية التي اصبحت بالنسبة اليهما quot;وهميةquot;.

وربما كان السلوك الاسلم، وان يكن في اطار قانون للانتخابات مرفوض من الاستقلاليين في الدرجة الاول، خوض هؤلاء بمن فيهم العماد ميشال عون وتياره الانتخابات لانتاج اكثرية تمثل quot;ثورة الارزquot;، من اضطهاد بطل المنفى quot;المشاكسquot; على خلفية الهواجس التي انتابت افرقاء في حركة 14 آذار حيال خياراته. وقد اثبتت الايام فداحة هذا الخطأ.
ويتطلع المسيحيون الى انفسهم اليوم متسائلين لماذا لم تحصد الاغتيالات سواهم، ولماذا استهدفتهم محاولات الاغتيال من الوزير الياس المر الى الاعلامية مي شدياق، واجتاح الجنون شارعهم بعد اغتيال الوزير بيار الجميل؟

لقد كان مقدّراً لقانون جديد للانتخاب بعد quot;ثورة الارزquot; ان يعيد الى لبنان الحياة السياسية الطبيعية بعد تعطيل لها دام قرابة ثلاثة عقود، إلا ان ذلك لم يحصل ويا للاسف، وقد ظهر ذلك بوضوح في العنتريات التي مارسها سياسيون كثيرون حيال حق المعارضة في التعبير السلمي عن مطالبها.

ان التظاهر السلمي الذي هو حق ديموقراطي، يجب ان يؤدي الى التفاهم على اعتماد قانون للانتخاب هو جاهز في درج الرئيس فؤاد السنيورة، واجراء انتخابات مبكرة على اساسه تنبثق منها حكومة اتحاد وطني بعد انتخاب رئيس استقلالي للجمهورية. اذ لا امل من المجلس الحالي في انتاج رئيس جديد، يكون وفاقياً.
ان الديموقراطيين، وليس الاحرار فقط، يجب الا تخيفهم التظاهرات او الاضرابات والاعتصامات. بل ينبغي ان تزيدهم تعلقاً بالحوار الذي لا بد ان يكون الهدف الاسمى للمتظاهرين والمضربين والمعتصمين... والا عمّ الخراب.

ان باب الحوار لا يزال مفتوحاً ولا بديل منه كما قال سيد بكركي أمس، رغم نعيق الغربان بقرب زوال لبنان.
ولبنان لا يزول.