شائعة الطلاق التي تتأكد تدريجيا
quot;أكتوبر ساركوزي الأسودquot;
لا تعليق رسميا على انفصال ساركوزي وسيسيليا
قصي صالح الدرويش من باريس: المقالات الصحافية كانت جاهزة ولم يكن نشرها ينتظر سوى الضوء الأخضر المتمثل في إعلان رسمي عن انفصال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن زوجته سيسيليا. لكن مجلة لونوفيل اوبسرفاتور خرقت هذا الانتظار بعد حصولها على معلومات وصفتها بالمؤكدة، مفادها أن الزوجين ساركوزي كرسا انفصالهما أمام القضاء يوم الخامس عشر من الشهر الجاري. وجاء في المقالة التي نشرتها المجلة تحت عنوان quot; أكتوبر ساركوزي الأسود quot; أن سيسيليا هي التي حرصت على نشر الخبر وأنها تقضي وقتها متنقلة بين ضفاف بحيرة كليمان السويسرية ولندن، مضيفة أن أمين عام رئاسة الإليزيه جهد على العمل لتنفيذ الطلاق. وفي وقت لاحق أعلنت قناة الأخبار التلفزيونية إل سي أي رواية مختلفة في التفاصيل تقول إن سيسيليا توجهت إلى القضاء بمفردها وأن القاضي قصد في اليوم التالي قصر الإليزيه للبت في الموضوع مع الرئيس.
الخبر الذي احتل عناوين مختلف وسائل الإعلام ونشرات الأخبار لم يكن مفاجئا لأحد في الواقع، فالانفصال الذي لم يكذبه أي متحدث رسمي، رغم التمسك بعدم التعليق، كان متداولا على مواقع الانترنت منذ أيام وتعزز بعد إعلان القصر الرئاسي أن السيدة الأولى لن ترافق الرئيس في زيارة الدولة التي يعتزم القيام بها إلى المغرب، بل إن أحد المواقع أكد أن الإعلان الرسمي عن الطلاق سيتم يوم الأربعاء. هذه الشائعات ـ التي لا يبدو أنها كذلك ـ غذاها غياب سيسيليا الملحوظ عن المناسبات الرسمية التي يفترض أن تكون فيها إلى جانب زوجها، بدءا من تخلفها عن تلبية دعوة الرئيس بوش وزوجته، الدعوة التي وصلها ساركوزي متأخرا وعلل حضوره وحيدا بإصابة زوجته بالتهاب في الحلق، لكنها شوهدت تتسوق في اليوم التالي. ثم اختصرت إقامتها إبان قمة الدول الثماني التي استضافتها ألمانيا ووقفت متأخرة عن زوجها في الصورة الجماعية لرؤساء القمة وزوجاتهم. وتزايد الانطباع بوجود خلاف بين الزوجين بعد توجه الرئيس ساركوزي وحيدا في الرابع من الجاري إلى بلغاريا لتسلم الوسام الرفيع الذي منحته بلغاريا احتراما لجهودها في تحرير الممرضات والطبيب من السجن الليبي. وقد فسر غيابها آنذاك بالجدل السياسي الصحافي حول دورها في صفقة تحرير الممرضات والثمن الذي دفعته فرنسا لهذه الغاية. وأخيرا اعتذرت عن المشاركة في برنامج تلفزيوني خصص لرشيدة داتي وزيرة العدل ودعيت إليه نظرا للصداقة التي تجمعها بها.
هذا علما بأن سيسيليا حرصت على البقاء بعيدا عن الأضواء منذ اعتلاء زوجها سدة الحكم وكان آخر ظهور علني لها في جنازة طليقها السابق ونجم التلفزيون جاك مارتان. وإذا كانت شائعة الطلاق التي تتأكد تدريجيا حديثة العهد فإن الخلافات بين الزوجين ليست جديدة وتعود إلى عام 2005 حين اختفت سيسيليا عن الأنظار قبل أن تظهر في الولايات المتحدة بصحبة عشيقها ريشار عطية الذي لم يكن سوى أحد مستشاري ساركوزي وصارت هدفا لمصوري الباباراتزي يلاحقونها في مقاهي كان وباريس ونيويورك لالتقاط صور لها. أكثر من ذلك ذهبت في بداية العام 2006 لتقيم في الولايات المتحدة قبل أن تعود إلى بيت الزوجية في خضم حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية. لكن عودتها بقيت مشوبة بالتساؤلات فهي لم تتوجه إلى صناديق الاقتراع في الدورة الثانية للانتخابات وغابت جزئيا يوم فوز ساركوزي. ويعتقد البعض أن هذه العودة كانت مرتبطة بالانتخابات كونها تسهل نجاح المرشح ساركوزي نظرا لأن ابتعاد سيسيليا عنه وارتباطها بعشيق قد يؤثرفي ناخبي اليمين المتطرف، لكن هذا لا يعني أن علاقة الزوجين لم تكن قوية رغم ما شابها من توتر، فساركوزي متعلق بحبها ويتمنى استمرارها إلى جانبه وقد تحمل شخصيتها المستقلة المتقلبة بما حمل ذلك من مساس بالتقاليد البروتوكولية أحيانا. وهناك من يقول إنه مجنون بها وإنها الشيء الوحيد الذي استعصى عليه وأنه سخر في سبيل الفوز بها الحيوية نفسها التي وضعها للفوز بالسلطة.
وتجدر الإشارة إلى أن سيسيليا هي التي أرادت الانفصال، وأن موافقة ساركوزي ضرورية نظرا لمنصبه الذي يمنع مثوله أمام القضاء، وعليه فمثل هذا الطلاق لا يتم إلا حبيا وخصوصا برضا الرئيس نفسه. وربما يعود صمت الإليزيه حتى الآن إلى أن الرئيس ساركوزي لم يعتقد أن سيسيليا ستذهب إلى درجة طلب الطلاق والانفصال، بما يعني ذلك من غياب عن قصر الإيليزيه وحرمان من مزايا السيدة الأولى وما لها من قوة ونفوذ، على غرار ما فعلت السيدة دانييل ميتران زوجة الرئيس الراحل فرنسوا ميتران والتي استقلت عن زوجها وعن حياته الخاصة والعاطفية المليئة بالعشيقات ومنهن المرأة التي أنجبت له مازارين الإبنة التي أعلن رسميا أبوته لها قبيل وفاته. وكانت دانييل شخصية يسارية تتمتع بالحرية والثقافة ولها نشاطها وصداقاتها بين كبار رجال الدولة. وقبل ميتران كان فاليري جيسكار ديستان معروفا بمغامراته النسائية التي لم تتناولها الصحف وقبلت زوجته الوضع وأدت كافة مهامها كسيدة أولى. وكذلك تناولت الشائعات السيدة بومبيدو زوجة الرئيس جورج بومبيدو، لكن الأمر لم يصل إلى حد الانفصال. وقضايا الطلاق والخيانات الزوجية عديدة في الحياة السياسية الفرنسية فهناك ميشيل روكار رئيس الحكومة قد طلق زوجته وتزوج بعدها وكذلك بالنسبة إلى يونيل جوسبان الذي تزوج مرة أخرى مع أستاذة جامعية وكذا الأمر بالنسبة للمرشحة الرئاسية السابقة سيجولين رويال التي انفصلت عن والد أطفالها فرنسوا هولاند وكانت قد انفصلت قبله عن جاك اتالي مستشار الرئيس فرنسوا ميتران.
في كل الحالات السابقة كان الإعلام الفرنسي يلتزم بقاعدة أخلاقية مهنية تمنع الخوض في الحياة الخاصة لرجال السياسة رغم أن المعلومات كانت معروفة في الأوساط الصحافية المطلعة، إلا أن الجديد في حالة الثنائي ساركوزي أن الطلاق هو سابقة في تاريخ الرؤساء الفرنسيين وقد يطرح بعض الإشكالات البروتوكولية، حيث سيجد نفسه وحيدا بين الرؤساء الذي يحضرون مع زوجاتهم، كما أن للسيدة الأولى نشاطات إلزامية لا يعرف من سيؤديها طالما بقي الرئيس دون زواج. الجديد أيضا أن ساركوزي وضع نفسه وزوجته تحت الأضواء فهو سمح بتصويره في بيته وهو يمارس رياضته اليومية وهو الذي طالما تحدث عن زوجته وأهميتها في حياته، الأمر الذي تشير إليه وسائل الإعلام في تبريرها لنشر تفاصيل الطلاق الرئاسي.
يبقى أن خبر الطلاق جاء صبيحة اليوم العالمي لمكافحة البؤس الذي سجل نموا في فرنسا العام الماضي وعشية إضراب يتوقع أن يحدث شللا كبيرا في المرافق العامة quot;أكتوبر ساركوزي الأسودquot; عنوان موفق للأسبوعية الشهيرة.
التعليقات