الآن وقد وضعت الحرب أوزارها، أود أن أتقدم بالتعازى لكل ضحايا هذه الحرب العبثية، وفى نهاية أى نشاط إنسانى (عسكرى، إقتصادى، إجتماعى، أم سياسى)، لابد وأن يقدم القائمون على هذا النشاط بيان الأرباح والخسائر، لحملة الأسهم، وهم فى هذه الحالة الشعب اللبنانى، ولما كان زعماؤنا لا يقومون بتقديم كشف حساب من أى نوع، وهم دائما منتصرون والحمد لله، وأنا أعتقدأن الشيخ حسن نصر الله لن يجد لديه الوقت الكافى لتقديم حساب الأرباح والخسائر لأنه مشغول جدا بصفته أصبح quot;زعيم الأمةquot; وقد بشرنا على شاشات التليفزيون بإهداؤه النصر للبنان وللأمة، وهذا :quot; كلام جميل.. كلام معقول ..مأقدرش أقول حاجه عنهquot;، ولكن ماكان أجدر quot;بزعيم الأمةquot; أن يهدى لمواطنيه ألف ومائتين تابوت للضحايا، ومليون بطانية للمشردين، وأسأله سؤال دائما نسأله فى مصر عندما لا نكون متيقنين من شئ ما، إذا كنت تقول أنك quot;إنتصرتquot;، :quot;بأمارة عليه ياشيخ حسنquot;!! ماهو دليل هذا الإنتصار، النصر بمعناه العسكرى :quot;هو أن تدمر جيش عدوك وأن تجبره على الإنسحاب وأن تحتل أرضهquot;، وبمعناه السياسى:quot;هو أن تفرض إرادتك على العدوquot; فهل فرضت إرادتك على إسرائيل ؟ ولكن يبدو أن النصر فى مفهوم بلادنا الجميلة هو أن يظل quot;زعيم الأمةquot; على قيد الحياه، وquot;طظquot; بعد هذا فى أى شئ.
.....
تعالوا الآن نحاول أن ندرس حساب الأرباح والخسائر بطريقة علمية وموضوعية تماما.
..................
كان لهذه الحرب عدة أطراف، أطراف مباشرة : لبنان، إسرائيل، حزب الله.
وأطراف غير مباشرة : إيران، سوريا، أمريكا، فرنسا، العرب.
أولا : لبنان:
الخسائر البشرية :
حوالى ألف ومائتين مواطن لبنانى معظمهم من المدنيين والقليل منهم من المقاتلين. إصابة الآلالف معظمهم أيضا من المدنيين، تشريد حوالى مليون مواطن من منازلهم.
المكاسب البشرية: صفر
خسائر الأراضى:
خسارة شريط حدودى يتراوح عمقه بين عشرين وثلاثين كيلومتر حتى نهر الليطانى .
مكاسب الأراضى : سوف تستعيد الدولة اللبنانية quot;الشرعيةquot; السيطرة على الجنوب مرة أخرى بمساعدة القوات الدولية.
الخسائر المادية:
تهديم جزء كبير من البنية التحتية اللبنانية وحوالى 15 ألف مسكن (حسب تقديرات الشيخ quot;زعيم الأمةquot;) و تترواح الخسائر المادية بين 5-10 ملياردولار، خسارة الموسم السياحى، حدث شبه تجميد مؤقت فى النشاط الإقتصادى والمالى فى لبنان .
المكاسب المادية: صفر
الخسائر المعنوية والسياسية:
معاناة الشعب اللبنانى وخاصة أهل الجنوب من الحرب والتشريد، حرب لم يكونوا يتوقعوها و لا أرادوها.
المكاسب المعنوية والسياسية:
أظهر العرب تضامنا كبيرا مع الشعب اللبنانى (ولو بالكلام)، بالرغم من ضخامة الخسائر البشرية والمادية فإن الشعب اللبنانى لم ينكسر، وتوحد أثناء الحرب، وسف يستعيد السيطرة على كامل ترابه، بما فيه الجنوب. كثير من دول العالم أظهرت تضامنا مع الشعب اللبنانى، خرج فؤاد السنيورة من هذه الحرب كرجل دولة محترم بأن فرض شروطه السبع على العالم وتم تعديل قرار الأمم المتحدة رقم 1701 لكى تستوعب شروطه السبع.
ثانيا: إسرائيل:
الخسائر البشرية:
حوالى مائة وثلاثون، أغلبهم من العسكريين، وإصابة المئات ونزوح الآلاف من سكان شمال إسرائيل.
المكاسب البشرية : صفر (لا توجد مكاسب بشرية فى أى حرب) وقد إعتقلت إسرائيل حوالى العشرين من مقاتلى حزب الله.
خسائر الأراضى: صفر
مكاسب الأراضى:
مكسب شريط حدودى يتراوح عمقه بين عشرين وثلاثين كيلومتر حتى نهر الليطانى.
الخسائر المادية:
تهديم جزء كبير من المبانى فى شمال إسرائيل، بالإضافة إلى الخسائر فى المعدات العسكرية، وتكاليف الإعداد للحرب وإستدعاء قوات الإحتياط وغيرها من تكاليف الحرب والتى يقدرها الخبراء بمئات الملايين من الدولارات، خسارة الموسم السياحى فى إسرائيل، حدث شبه تجميد مؤقت فى النشاط الإقتصادى والمالى فى شمال إسرائيل .
المكاسب المادية: صفر
الخسائر المعنوية والسياسية:
معانة سكان شمال إسرائيل من العيش فى الملاجئ فترة لم يعايشوها من قبل، التخبط بين الساسة الإسرائليين والعسكريين ورجال المخابرات أدت إلى زيادة الخسائرنسبيا وتمديد فترة الحرب، وقد كان الجانب الإسرائيلى يعتقد أنه بإمكانهم القضاء على حزب الله بالغارات الجوية فقط فى خلال أسبوع أو إسبوعين على الأكثر، ولما ثبت فشلهم فى ذلك لجأوا إلى القوات الأرضية . كان إستمرار سقوط صواريخ حزب الله على شما ل إسرائيل أسوأ الأثر على معنويات جيش وشعب إسرائيل lsquo; فرغم عنف القصف الإسرائيلى نجح حزب الله فى إطلاق حوالى 4000 صاروخ (حسب التقديرات الإسرائيلية)، صحيح أن معظمها أخطأت أهدافها، ولكن مجرد إطلاق هذا العدد المذهل من الصوارخ على شمال إسرائيل سبب ذعرا شديدا، وفشلت القوات الإسرائيلية فى الإفراج عن الأسيرين، حتى أن قرار مجلس الأمن لا يضمن الإفراج عنهما، بدأ حزب الليكود فى الهجوم على حزب كاديما وعلى أولمرت بسبب إدارته للحرب، وقد يكون أولمرت أحد ضحايا هذه الحرب .
المكاسب المعنوية والسياسية:
كسبت إسرائيل إبتعاد حزب الله عن حدودها الشمالية وسوف تعود السيطرة على جنوب لبنان للجيش البنانى quot;النظامىquot; بالإشتراك مع القوات الدولية، وبهذا يصبح شمال إسرائيل أكثر أمنا بعد أن يصبح خارج مرمى صواريخ حزب الله .
ثالثا: حزب الله:
الخسائر البشرية :
لا نعرف على وجه التحديد الخسائر البشرية لمقاتلى حزب الله، ولكنى أستطيع أن أضيف إلى قائمة خسائر حزب الله بضمير مرتاح خسارة أرواح حوالى ألف ومائتين مواطن لبنانى إلى جانب إصابة الآلالف، و تشريد حوالى مليون مواطن من منازلهم .
المكاسب البشرية: أسيرين، وفى المقابل خطف الجيش الإسرائيلى حوالى عشرين من مقاتلى حزب الله .
خسائر الأراضى:
خسارة كل أراضى حزب الله فى الجنوب حتى نهر الليطانى.
مكاسب الأراضى : لم يستعد حزب الله شبرا واحدا من مزارع شبعا التى وضعها فى أولوياته.
الخسائر المادية:
تدمير الجزء الأكبر من البنية التحتية لميليشيات حزب الله وتدمير جزء كبير من أسلحته.
المكاسب المادية: صفر
الخسائر المعنوية والسياسية:
معانة أهل الجنوب من الحرب والتشريد. قد تقرر هذه الحرب نهاية الميليشيات العسكرية لحزب الله، وسوف يبقى كحزب سياسى قوى على الساحة اللبنانية .
المكاسب المعنوية والسياسية:
خرج حزب الله quot;منتصراquot; فى هذه الحرب فى أعين معظم العرب وبعض المراقبين الغربيين والإسرائيليين، وخرج حسن نصر الله من هذه الحرب quot;زعيما للأمةquot; مثله مثل عبد الناصر وصدام حسين.
رابعا:
سوريا وإيران والعرب:
وقفت سوريا وإيران والعرب موقف المتفرج فى هذه الحرب، بالرغم من الشعارات البراقة، ولكنهم يبدو أنهم كانوا على إستعداد لللإستمرار فى هذه الحرب حتى آخر لبنانى. لذلك فَهم فى موقف الخاسر سياسيا ومعنويا
خامسا:
أمريكا:
خسرت أمريكا معظم البقية الباقية من مؤيديها فى الشرق الأوسط، بسبب تباطؤها فى قرار وقف إطلاق النار على أمل أن إسرائيل سوف تقضى على حزب الله، ولما تبخر هذا الأمل وإرتفعت الخسائر على الجانبين، بدأت بجدية فى دفع مشروع وقف إطلاق النار.
سادسا:
فرنسا:
فرنسا قد تكون الفائز الوحيد فى تلك الحرب، فسوف تعود قواتها مرة أخرى إلى لبنان بعد ستين عاما من الإستقلال، وكانت لها كلمة مسموعة فى مجلس الأمن .
سابعا: وأخيرا
الإنسانية:
هى الخاسر الرئيسى فى هذه الحرب، ومرة أخرى يثبت أن أرواح الناس وممتلكاتهم لا قيمة لها، ومرة أخرى يثبت الإنسان بأنه أحط المخلوقات على الكرة الأرضية، فهو الكائن الوحيد على الأرض الذى يقتل بأعداد مهولة لأسباب معظمها عبثية، وأحيانا يقتل لمجرد القتل أو تحقيق مطامع سياسية أو مجرد تحقيق شهوته للقتل والإنتقام، ويرسل زعماء الشعوب أبنائهم ليلقوا حتفهم لأسباب تافهة وبعد أن يفقدوا حياتهم وهم فى ريعان الشباب يجعلوا منهم أبطالا وشهداء لتخفيف الشعور بالذنب لدى هؤلاء الزعماء والذين عادة يختبئون مثل الفئران أثناء الحروب، والقليل منهم (من عنده دم) ينتحر بعد الهزيمة .
.......
وأختم بمقولة لنجم الكوميديا سمير غانم فى أحدى مسرحياته وكان يقوم بدور ماسح أحذية إسمه (عبد السميع اللميع)، وكان يقول لصديقه: quot;أنا آخد بالجزمة ... لكن كرامتى فوق!!quot;.
[email protected]
التعليقات