علي الرز


لم تعد القضية في لبنان تعطيل المحكمة الدولية... تغيرت الاجندة.

راقبوا ما حصل... طار ميليس حط براميرتز، وتحولت الشتائم واللعنات ضد الالماني مدائح واشادات بحق البلجيكي.صار التحقيق الدولي quot;مهنيا وحرفيا وتقنيا وغير مسيسquot; من وجهة نظر دمشق، وصارت التقارير التي يصدرها براميرتز في الامم المتحدة تتحدث بايجابية عن تعاون سورية في التحقيق، وانتقل الارباك الى الاطراف التي استهوت طريقة عمل ميليس والقنابل السياسية والاعلامية التي كان يطلقها من حين الى آخر.

تابعوا ماحصل... رفض براميرتز تسمية اي متهم او مشتبه فيه، وركز بدلا من ذلك على المحكمة الدولية وحصد المزيد من التعليقات المستحسنة لعمله الدقيق والكتوم، لكن الحال تغيرت على مشارف انشاء المحكمة واتضح جليا ان الاستحسان والايجابية والاشادة كانت بالونات اختبار لتقطيع وقت جديد تتغير فيه المعطيات على الارض من افغانستان وحتى غزة، وان الترحيب بالمحكمة كان شعارا لتعاون فيما جوهره الحقيقي رغبة في اطالة النقاش حولها لسنتين جديدتين على اساس ان تعقد المحكمة بعد انتهاء التحقيق تماما وليس بعد انتهاء اجراءاتها، وفي هذا الوقت الاضافي تتعاظم المآزق الاميركية في المنطقة وتتقارب اكثر quot;السياسات المساعدةquot; من الصين الى روسيا وتتكاثر على الارض الازمات السياسية اللبنانية لشل الحياة العامة وخلق وضع جديد يقيد يد السلطة الحالية شبه المطلقة في التناغم مع العالم بالنسبة الى قضية المحكمة تحديدا.

لاحظوا ما حصل... اطلق quot;حزب اللهquot; عملية quot;الوعد الصادقquot; وردت اسرائيل باجرام مبالغ ولا مثيل له واستبسل رجال المقاومة. سقطت الولايات المتحدة مرة اخرى في اختبار الاخلاق والقيم، دعت الى شرق اوسط جديد على اشلاء ضحايا المجازر وارسلت ادارتها الغبية صواريخها الذكية الى تل ابيب علها تعوض جزءا من خسارة الجيش الذي علمنا المقاومون انه يقهر ويقهر ويقهر. لعبت حكومة السنيورة المربكة دورا بالغ الاهمية في الحفاظ على مكتسبات مجريات الحرب رغم غصة التوقيت ورفض التفرد بقرار من هذا النوع، وحصدت اشادات من الرئيس بري ومن سيد المقاومة ايضا رغم غصتهما من توقيت بعض المواقف فيما الرجال على خط النار.

انتهت العملية وانكشف لبنان على اخطاء من مختلف الفرقاء، انكشف على اطلال، وبين الاطلال لا حواجز تحد من تمرير المواقف بل استفادات من الساحات الفاضية التي تصفر فيها ريح الفتنة. انطلق امر العمليات في الخطاب الشهير quot;فهذه الغالبية يجب ان تسقطquot;... العنوان داخلي ومتغير والاهداف متعددة متقاطعة بين داخل وخارج لكن اهمها بالنسبة الى الخارج المحكمة الدولية. بدأ الحديث عن غرف مغلقة واخرى معلنة، عن مؤامرات حيكت بليل، عن تحول رموز في السلطة وشركاء في الوطن الى quot;عملاءquot;، عن غياب الثقة وضرورة المشاركة والثلث المعطل والثلث الضامن، عن الشارع وما ادراك ما الشارع، عن سلمية تحرك تبدأ باغلاق طريق المطار وتنتهي بمحاصرة مجلسي النواب والوزراء، عن رفض اقرار المحكمة الدولية قبل درسها. انسحب الوزراء الشيعة من الحكومة، وانتفض الرئيس لحود معتبرا انها لم تعد دستورية ولا شرعية وارسل مذكرة الى الامم المتحدة بهذا المعنى محذرا من اقرار المحكمة.

واكبوا ما حصل... المحكمة اقرت دوليا وارسلت الى لبنان ليصادق عليها، وظهر واضحا ان التحفظ الروسي حده في الاخير منطق الامور، فالمعاهدة يجب ان يصادق عليها وفق الاجراءات الدستورية اللبنانية، لكن رفض رئيس الجمهورية اللبنانية التوقيع بعد كل هذا الجهد القضائي الدولي وكل المراجعات التي خضعت لها المعاهدة ورفض مجلس النواب اللبناني المصادقة يعنيان خللا في منطق الامور سينقل الموضوع من الصيغة المشتركة اللبنانية ndash; الدولية الى الصيغة الدولية... وربما الى الفصل السابع.

دققوا في ما حصل... استوعبت سورية سريعا قرار مجلس الامن وقالت علنا ما عجزت عبارات الاشادة والمديح عن اخفائه: quot;لا للمحكمة الدولية ولا علاقة لنا بها بصيغتها الحاليةquot;، ولا بد ان يأتي رفض سوري اعظم لمضمون تقرير براميرتز الجديد في حال نحا - خلافا للتقارير السابقة ndash; منحى ادعائيا يتضمن بعض الاسماء.

المشكلة لم تعد المحكمة الدولية، فموضوعها quot;اكبر قليلاquot; من زواريب بيروت وجلسات الحوار والتشاور والاستقالة والمقاطعة. المشكلة صارت الدفع باتجاه حرب اهلية داخلية صورتها محلية واطارها خارجي، اي quot;اهليةquot; وليس quot;محليةquot;... تماما.اغتيل بيار الجميل في كمين ما بعد المحكمة الدولية.

راقبوا ما حصل، لاحظوا ما حصل، تابعوا ما حصل، واكبوا ما حصل، دققوا في ما حصل... ولا بأس من الصلاة من اجل عدم الوصول الى يوم نترحم فيه على ما حصل.