قصة المكالمة التي ترقبتها استخبارات العالم
هكذا قتلوا صهر بن لادن في جزيرة مدغشقر

تب نبيل شرف الدين: كان صهر زعيم تنظيم quot;القاعدةquot; أسامة بن لادن، جمال خليفة زوج شقيقته شيخة يعتقد أنه بأمان في تلك الجزيرة البعيدة والأكبر في العالم ، بأمان من الشبهات التي أرقت حياته ومن سلطات البلدان التي لاحقته مراراً ولم تثبت شيئاً ضده حول علاقة افترضتها له بالإرهاب. كان أشبه بمتقاعد في جزيرة مدغشقر المرتاحة عن مشاغل العالم في المحيط الهندي، على بعد 400 كيلومتر عن البر الأفريقي، جزيرة ظنت نفسها بمنأى عن أوجاع رأس الإرهاب العالمي وأخباره التي ضجت بها كل دول العالم.

ولكن ليل الثلاثاء الماضي حدث ما لم يكن في الحسبان ، إذ هاجمت عصابة من اللصوص تقدر بنحو 30 مسلحاً الرجل الذي اختلف مسار حياته لمجرد أنه نسيب بن لادن وقاتل معه في أفغانستان. أحاطوا من كل الجهات بيته القريب من منجم للأحجار الكريمة يملكه، وكان نائماً، ثم شنوا هجومهم وتسلقوا سوراً عالياً ثم فتحوا الباب الرئيسي للمكان على حين غفلة. وعندما أفاق جمال كان قد فات الأوان، فقتلوه بدم بارد، ثم نهبوا كل ما كان لديه من أحجار كريمة ومصوغات وأغراض نفيسة. لم يتركوا منها شيئاً. هذا ما روته الصحف في مدغشقر عن الجريمة.

وكانت أحوال جمال خليفة قد تدهورت لكثرة ما تعرض لملاحقات أدت إلى حصر أسفاره ، وأبرز تلك الملاحقات كان في الولايات المتحدة والأردن والفلبين. لم يكن أحد يصدق أن هذا الرجل الأقرب عاطفياً إلى بن لادن، صداقة من أيام جامعة عبد العزيز ، وقرابة بزواجه من شقيقته عام 1986 هو بريء من الإرهاب ، رغم أن شيئاً من ذلك لم يثبت عليه.

وقال شقيق الضحية مالك خليفة من جدة، أن جمال كان مجرد رجل أعمال سعودي ولم يكن يرتبط بأي علاقة مع تنظيم القاعدة. وكتبت صحيفة quot;مدغشقر تريبيونquot; الأبرز في الجزيرة أن شعوراً بالإنزعاج عمّ المسؤولين ومتعاطي الشأن العام هناك، لأنه حتى يوم الثلاثاء كان الإعتقاد السائد أن مدغشقر بعيدة عن أخبار كل ما يتعلق بالإرهاب. فضلاً عن أن الجريمة ألقت بظلالها على العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية ، وإن كان واضحاً أن المرتكبين هم من اللصوص.

ويشكل المسلمون نحو 15 في المئة من الجزيرة التي تعد الأكبر في العالم والمسيحيون 25 في المئة والوثنيون أكثر من النصف، وقد أدى هؤلاء المسلمون دوراً بارزاً في تاريخها إذ تصدوا للإحتلال البرتغالي ومنعوه من السيطرة عام 913 هجرية ، لكنه عاد بقوة أكبر في العام التالي وحكم مدغشقر ودمر معظم مدنها. وتعاقبت عليها الاحتلالات فحاولت بريطانية السيطرة عليها فى مستهل القرن الماضي وضمها إلى جزر موريشوس، لكن فرنسا تغلبت فى السباق واحتلت مدغشقر في سنة 1285 هـ -1868 م وظل الاحتلال الفرنسي فيها حتى نالت استقلالها فى (1385 هـ - 1965 م) ، وأطلق عليها العرب مع جزر القمر تسمية جزيرة القمر .

وفي السياق نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن مصدر بوزارة الخارجية، أنه أعرب عن quot;بالغ الأسف والانزعاجquot; لاغتيال خليفة، كما نقلت قوله quot;إن الوزارة اتصلت، فور تلقيها النبأ بالسلطات في مدغشقر عبر سفارة المملكة لدى تنزانيا، لمعرفة ملابسات هذا الحادث الإجرامي وظروفه والأيدي التي تقف وراءه، إضافة إلى طلب تقرير الطبيب الشرعي، كما أجرت السفارة السعودية أيضاً اتصالات مع ذوي الفقيد لتسهيل نقل الجثمان، وترقبها لنتائج التحقيق، وقد اتجهت طائرة سعودية، على متنها عدد من أقارب خليفة إلى عاصمة مدغشقر انتاناناريفو، لنقل جثمان المستثمر السعودي إلى بلاده.

أسامة لا يعزي
يذكر أنه قبل أيام كانت ثمة مكالمة هاتفية ترقبتها كافة أجهزة الاستخبارات الكبرى حول العالم، هذا ليس من باب الإثارة ولا التشويق بل هي واقعة حقيقية حدثت بالفعل، حين شحذت أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية والعربية ـ وبالطبع الإسرائيلية ـ قدراتها، وتحققت من كفاءة أجهزة الرصد لديها لتعترض ثم تتبع مصدر مكالمة مرتقبة، من أبرز مطلوب في العالم، وهو بالطبع أسامة بن لادن، زعيم تنظيم (القاعدة) وقد أكدت رسائله الصوتية الأخيرة أنه يتابع كل ما يدور في العالم من أحداث، وبالتالي ليس مستبعداً أن يكون قد تلقى نبأ وفاة أحد أكثر أقاربه إلى قلبه ووجدانه، وهو عمه الذي وافته المنية في منزله بالمملكة العربية السعودية، في وفاة طبيعية نتيجة تقدمه في العمر وتكالب أمراض الشيخوخة عليه، غير أن أسامة الذي كان يعشق عمه، ويرتبط به ارتباطاً يقف في المنطقة الدقيقة بين منزلتي الوالد والند، لم يتصل للتعزية بعمه .

وبالطبع فنحن هنا لا نتناول هذه الواقعة من زاوية الأعراف ونظرة المجتمع لامتناع أسامة عن الاتصال للتعزية بعمه، فأسامة ليس مجرد تاجر أو رجل أعمال يبرم صفقة ما، هنا أو هناك، وحينها كان سينبغي عليه أن يدع كل ما في يده ليلحق بأول طائرة متجهة إلى السعودية ليكون بين صفوف من يتلقى واجب العزاء في عمه، الذي كان يراه صديقاً ووالداً في الوقت عينه، هذا لو كان الرجل يتجول بجواز سفر سعودي، ويقضي وطراً في شرق آسيا أو تخوم الشمال الأوروبي، أو حتى في بلاد واق الواق .

وكانت قد تواترت طيلة السنوات الخمس الماضية عدة روايات أو بالأحرى شائعات حول موت أسامة، كانت أبرزها تلك التي تحدثت عن وفاته بإحدى المدن الباكستانية، إثر إصابته بحمى التيفوئيد.وفي أوروبا سربت صحف فرنسية تقريرا للاستخبارات الخارجية الفرنسية المحدد بتاريخ 21 أيلول (سبتمبر) الماضي نقل عن مصدر موثوق قوله إن السلطات السعودية تحاول التأكد من التقارير المتعلقة بوفاة بن لادن جراء إصابته بالتيفوئيد في باكستان في الثالث والعشرين من آب (أغسطس) الماضي .

غير أن بيتر بيرغن، المراقب لقضايا الإرهاب بشبكة CNN شكك في تلك التقارير التي ألمحت إلى وفاة أسامة، قائلا إن المواقع المتطرفة لن تصمت حيال مثل هذا النبأ وأن أي شئ حول مصير أسامة بن لادن تنتشر كل عدة شهور، وأشار إلى أنه أجرى اتصالات مع جمال خليفة زوج شقيقة أسامة بن لادن وصديقه المقرّب خلال أيام الدراسة على مقاعد الدراسة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وقال خليفة إنه لم يسمع أي خبر في هذا الصدد لتأكيد ما نُشر حول وفاة أسامة .

وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن آخر شريط صوتي لأسامة كان قد بث على أحد مواقع الجماعات المتطرفة كان في 30 حزيران (يونيو) الماضي، حين بايع أبو حمزة المهاجر محل أبو مصعب الزرقاوي، بعد مقتله في العراق في غارة جوية في السابع من حزيران الماضي .