إيلي الحاج من بيروت: قدم التحالف الذي يشكل الغالبية البرلمانية والحكومية في لبنان من خلال مذكرة نوابه ال 70 الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي- مون، والتي طالبت بتشكيل المحكمة الدولية بقرار من مجلس الأمن، نموذجاً لما ستكون عليه انتخابات رئاسة الجمهورية في الصيف المقبل في حال سارت المعارضة في الخطة التي تلوّح بها من اليوم ، أي مقاطعة جلسة الإنتخاب بما يحول دون اكتمال نصاب الثلثين في مجلس النواب.

والواضح من مجمل التصريحات والمواقف التمهيدية أن قوى 14 آذار/ مارس عازمة عندما يحين الإستحقاق، وتحديداَ في الأيام العشرة الأخيرة التي تسبق إنتهاء ولاية الرئيس إميل لحود الممدّدة، على عقد اجتماع لنوابها ال 70- من أصل 128- إذا لم يدع رئيس البرلمان نبيه بري إلى جلسة إنتخابية، أو إذا تبين إصرار لدى كتل المعارضة على منع اكتمال نصاب الثلثين - وذلك من أجل اجراء انتخابات الرئاسة في مكان يتعذر على أنصار المعارضة عرقلة الوصول اليه، وبالتالي انتخاب مرشح من صفوف الغالبية أو قريب منها رئيسا للجمهورية . على ان تستحصل على اعتراف عربي ودولي فوري بشرعيته، وفرض الرئيس الجديد أمرا واقعا على المعارضة.
وهكذا تكون الغالبية قد أحكمت السيطرة تماما على المفاصل الرئيسية للحكم في لبنان.

أما في المدى المنظور فنقلت خطوة الغالبية- التي زادت في ارتباك قوى المعارضة المتحالفة مع المحور السوري- الإيراني- المعركة السياسية المفتوحة الى مرحلة جديدة في عناوينها ومحاور التفاوض والتجاذب فيها . وأبرز ما في هذا الواقع الجديد سقوط الحوار الثنائي بين الرئيس بري ورئيس quot;تيار المستقبلquot; النائب سعد الحريري لسببين: الأول تعمق أزمة الثقة بين الرجلين بعد فشل تجربة أولى جدية جرت برعاية سعودية . والثاني تصدع قاعدة هذا الحوار وأساساته التي ارتكزت على التلازم بين إقرار المحكمة وتشكيل حكومة الوحدة الحكومة.

وغني عن القول إن خروج المحكمة الدولية من دائرة الصراع السياسي اللبناني الداخلي وعودتها إلى مجلس الأمن، أسقطا فكرة أو نظرية المقايضة بين المحكمة والحكومة. وبالتالي ستبحث الغالبية من اليوم فصاعداً عن مقايضة جديدة لحكومة الوحدة برئاسة الجمهورية بدلا من المحكمة، بينما ستبحث المعارضة عن مسألة أخرى غير المحكمة التي لم تعد ورقة مساومة أو مقايضة أو ضغط، ولم يعد مبدأ quot;أعطونا حكومة وخذوا محكمةquot; صالحا كأساس للحوار والتفاوض.

جدير بالتذكير في السياق أن إعادة موضوع إقرار المحكمة الدولية إلى مجلس الأمن بعد إخراجها من النطاق المحلي اللبناني هو تحوّل يحيي المواجهة بين سورية والمجتمع الدولي ، ويسحب من يد النظام السوري ورقة التذرع بالخلاف اللبناني الداخلي على المحكمة، والذي كان يتيح له عدم اعلان موقف مباشر لوجود المحكمة في الملعب اللبناني .

وكان المستشار القانوني للأمين العام للأمم المتحدة نيكولا ميشال أبلغ المسؤولين اللبنانيين ان الأمم المتحدة فاوضت سورية على نظام المحكمة، خلافاً لما تدعيه دمشق من خلال القول ان المحكمة لا تعنيها، وانها بعثت بكتب الى الأمم المتحدة تقول فيها ان أي تفاوض لم يجر معها حول هذا الموضوع. وأوضح ميشال أن التفاوض حصل عبر وفد المكتب القانوني الذي اعتمدته سورية، وتحديدا قبل ان تقدم روسيا ملاحظاتها الى مجلس الأمن ويتم تعديل نظام المحكمة ثم تبنيه على قاعدة إعطاء حصانة لرؤساء الدول من أجل quot;طمأنةquot; الرئيس السوري بشار الأسد. وقال ميشال انه يملك وثائق وأدلة وأسماء الشخصيات التي فاوضت الأمم المتحدة بتكليف سوري رسمي، وانه يمكن ان يكشف كل التفاصيل المتعلقة بالأرقام والتواريخ ولديه كل المحاضر التي تثبت ذلك.

وتعد قوى المعارضة المتحالفة مع سورية في لبنان لإرسال مذكرة مضادة إلى الأمم المتحدة ، ولكن من غير المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة سوى إلى تقوية منحى التدويل للوضع اللبناني، أقله في موضوع المحكمة، من دون أن تؤثر في النتائج التي باتت مرسومة ، وأصبح معها إقرار تشكيل المحكمة دولياً مسألة وقت لا غير.
ولعل من أبرز نتائج هذه التطورات المتسارعة هو استمرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حتى انتخابات رئاسة الجمهورية لأن سحب المحكمة من التداول يعني تلقائيا سحب الحكومة من التداول بحكم الترابط الذي أقيم بينهما، وتحوّل انتخابات رئاسة الجمهورية محور المرحلة والمعركة السياسية للأشهر المقبلة . وهذا وضع يقود إلى ارتفاع حدة التوتر السياسي مع الانتقال من مرحلة المفاوضة على قاعدةquot; لا غالب ولا مغلوبquot; الى مرحلة مواجهة تمتد حتى انتخابات للرئاسة الأرجح ان يكون فيها خاسر ورابح، وسيكون التوتر السياسي مصحوبا بتوترات وأخطار أمنية.

ويجمع فريق الأكثرية على أنه ما كان ليخوض في مركب المواجهة الخشن لو لم يتكوّن لديه اقتناع بأن المعارضة ومن ورائها النظام في سورية تمعن في سياسة كسب الوقت في موضوع المحكمة، وتحجم عن إعطاء اشارة ايجابية تعكس رغبتها في التفاهم على اخراج المحكمة من السجال الداخل، وحتى انها رفضت وما زالت الافصاح عن ملاحظاتها على مشروع قانون تشكيلها. وكذلك لولا التأكد ان رئيس البرلمان نبيه بري ليس في وارد دعوة المجلس للانعقاد من أجل النظر في مشروع المحكمة بذريعة ان الحكومة غير شرعية وغير دستورية.

ولكن الذريعة الأولى التي توقفت عندها الأكثرية وأثارت قلقها هي المتعلقة برفض بري تسلم أي مشروع قانون وعدم إدراجه في جدول أعمال الهيئة العامة ما لم يحمل توقيع رئيس الجمهورية إميل لحود، الذي تعتبره الغالبية ضابطاً في جيش الرئيس السوري بشار الأسد، والذي لا يكف عن المطالبة بإخراج ضباطه الأمنيين الأربعة الكبار من السجن، حيث هم موقوفون في ملف إغتيال الرئيس رفيق الحريري .

فوق ذلك جاء منطق المقايضة الذي اعتمده فريق المعارضة بين المحكمة والحكومة وتأكيده ان لا موافقة عليها ما لم يسبقها إقرار من الأكثرية بالثلث زائد واحد للمعارضة في الحكومة، وهي نسبة تتيح للأقلية الحكومية والنيابية وفق الدستور اللبناني تعطيل الحكومة ومنعها من إتخاذ أي قرار بعد تعطيلها رئاسة الجمهورية ومجلس النواب. وأكثر من ذلك طلبت المعارضة من الأكثرية حسم أمرها من موضوع الثلث المعطل في مقابل وعد مبهم وغير مضمون بدرس مشروع إنشاء المحكمة الدولية وادخال تعديلات عليها لم تعلن ما هي.

لكن للرئيس بري رأياً مختلفاً في مذكرة الأكثرية النيابية وما رافقها من ملابسات وظروف، مختصره أن ما تريده الغالبية هو التحكم في البلاد وليس المحكمة، وان ارسال المذكرة الى الأمم المتحدة هدفه جر لبنان الى التدويل، ويكرر ان المشكلة لم تكن يوما في مشروع المحكمة بل في الحكومة.