رندة تقي الدين

المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المجرمين الضالعين في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ضرورية للبنان ولمستقبله كما لتاريخه ولماضيه.

فالمحكمة عندما تنشأ ستكون رادعاً ضرورياً لكل الجرائم التي استهدفت خيرة السياسيين والمثقفين في لبنان.

فإذا استمر لبنان مسرحاً للاغتيالات السياسية والعمليات الارهابية، لن يستطيع استعادة استقلاله الحقيقي والحياة الديموقراطية القائمة على عدم التدخل الخارجي في شؤونه. واستناداً الى هذا المبدأ ومن أجل الوصول الى هذا الهدف يحاول الجميع التوصل الى حل للخلاف حول انشاء المحكمة.

لكن الأكثرية في لبنان على قناعة بأن سورية لا تريد المحكمة ذات الطابع الدولي، خصوصاً ان مسؤولاً سورياً رفيعاً ابلغ قادة laquo;حزب اللهraquo; أن سورية لا تريد المحكمة وانها مصرة على الثلث المعطل في حكومة وحدة وطنية. والحوار الذي دار بين رئيس تيار laquo;المستقبلraquo; النائب سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري، هو من أجل التوصل في نهاية المطاف الى تفاهم حول اقرار المحكمة الدولية من قبل البرلمان اللبناني بدلاً من فرضها من الخارج. وتعتبر عودة الحوار بين الحريري وبري أمراً ايجابياً لأنها تتيح تخفيف أجواء التشنج، خصوصاً ان هذا الحوار يغوص في صلب المواضيع الصعبة. لكن الحوار لا يمكن ان يؤدي الى نتيجة إلا إذا توفرت رغبة حقيقية بالتوصل الى النتيجة المرجوة.

ومنذ البداية كان الرئيس بري يقر لبعض المسؤولين في لبنان بأن تحركه محكوم بالرفض السوري للمحكمة. وقد يكون استعداده للحوار مع الحريري بطلب من الجانب السوري الذي يريد كسب الوقت للوصول الى قمة الرياض والاعلان عن اتفاق بين اللبنانيين وتحييد المسألة الجوهرية وهي المحكمة الدولية. فهذا هو معنى اعلان النيات وانشاء لجان لدرس موضوع المحكمة الدولية مع الإصرار على الثلث المعطل في إطار حكومة وحدة وطنية.

والمشكلة هي ان الديبلوماسية السورية اليوم هي كما كانت قبل التصويت على القرار 1559. وهي، كما في الماضي القريب، لم تصغ الى رسالة الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي نقلها مستشاره الديبلوماسي موريس غوردو مونتانييه حول ضرورة العمل على استقرار المنطقة. وهذه الديبلوماسية صماء إزاء الرسالة الاوروبية التي حملها منسق السياسة الخارجية خافيير سولانا الى دمشق، ولا تسمع نصائح المملكة العربية السعودية ومصر. كما انها لا تسمع نصائح حليفتها ايران حول ضرورة القبول بالمحكمة الدولية.

واليوم، وقبل القمة العربية، لا تزال سورية على موقف الرفض وستجد نفسها أمام المزيد من المصاعب والعزلة، لأن المحكمة الدولية إذا لم تقرها المؤسسات الدستورية اللبنانية فقد يتم فرضها من قبل مجلس الأمن الدولي. ومن الخطأ التقدير ان روسيا والصين ستعارضان قراراً جديداً حول انشائها لأن معلومات رؤساء الدول المعنية تفيد بأن الروس لن يعارضوا بل ربما يمتنعون عن التصويت.

وإذا فرضت المحكمة الدولية من قبل مجلس الأمن، وهو التوجه المتوقع في حال بقاء حلفاء سورية في لبنان على موقفهم، فإن الرهان السوري على عدم قدرة الاسرة الدولية على إقرار المحكمة عبر الفصل السابع يشكل خطأً ينبغي تجنبه.