أسامة العيسة من القدس: تحظى الأثواب الفلسطينية، باهتمام عالمي متزايد، وتنشط مؤسسات فلسطينية، ونساء فلسطينيات، وأجنبيات، وحتى تجار إسرائيليون، في ترويج الأثواب الفلسطينية، على مستوى عالمي، حيث يزداد الطلب على المطرزات التي تعود إلى زمن الكنعانيين.
وتختلف الأثواب الفلسطينية، بشكل جذري عن ثقافة الأزياء العربية التي أدخلها العرب معهم، إلى البلدان، التي فتحوها، ما يشير إلى غلبة الهوية المحلية الفلسطينية على الأقل في مجال الأزياء.


وخلال السنوات الماضية، أدخلت تعديلات كثيرة على عالم التطريز الفلسطيني، وتم صنع عشرات القطع الحديثة المطرزة لتناسب مختلف الأذواق، ولم يعد الأمر يقتصر على الأثواب فقط.
ومن بين ابرز اللواتي يولين أهمية للأثواب الفلسطينية، الباحثة مها السقا، التي فازت بالمركز الأول في المسابقة الدولية لمنظمة السياحة العالمية حول افضل صورة سياحية لعام 2007، عن لوحة الازياء الفلسطينية التي تضم صور فتيات فلسطينيات يرتدين اثوابا تمثل المناطق الفلسطينية.
والتقت السقا، في الاسبوع الماضي، محمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية، الذي هنأها على الجائزة وثمن جهودها في مجال التراث الفلسطيني.

وتدير السقا مركز التراث الفلسطيني، الذي تأسس عام 1991، ويهدف إلى إحياء وتوثيق ونشر التراث الفلسطيني quot;من منطلق الإدراك لأهميته في إبراز الهوية والوجود والجذور الفلسطينية الممتدة لآلاف السنين quot; كما تقول السقا، معتبرة هذا التراث quot;إحدى قنوات نضال الشعب الفلسطيني من اجل ترسيخ هويتهquot;.
وتزور السقا، باستمرار دول العالم، حاملة معها ما تعتبره رسالتها، وتنظم معارض للتراث الفلسطيني، خصوصا الأثواب الفلسطينية، التي تمتلك منها مجموعة مهمة ونادرة.
وفي الذكرى الستين للنكبة أصدرت السقا خارطة أزياء فلسطين الشعبية، ثبتت عليها الأزياء الشعبية لـ 13 منطقة جغرافية في فلسطين الانتدابية التي تقع ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى الزي الشعبي الفلسطيني للرجال.
وقالت السقا لمراسلنا ان الخارطة جاءت نتيجة دراسة وبحث طويلين، وتضم الأزياء الشعبية لمناطق: القدس، ومنطقة بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، ومنطقة: الجليل، وصفد، وعكا، والناصرة، ومنطقة يافا خصوصا بلدة بيت دجن المعروفة بأحد اشهر الأثواب الفلسطينية، ومنطقة الرملة، ومنطقة اسدود والمجدل، ومنطقة غزة، ومنطقة: نابلس، وجنين، وطولكرم، ورفيديا، ومنطقة رام الله والبيره، ومنطقة أريحا، ومنطقة عرب التعامرة والعبيدية، ومنطقة الخليل وبيت جبرين، ومنطقة بئر السبع.
والثوب بالنسبة إلى المرأة الفلسطينية، اكثر من زي انه هوية، كانت تطرزه بيديها، لترتديه يوم عرسها، وتمتاز كل منطقة فلسطينية عن الأخرى بنوع الثوب.
ولكل ثوب اسم، مثل ثوب (الجنة والنار) وترجع سبب التسمية للونيه الأحمر (النار) والأخضر (الجنة).

وعن ذلك تقول السقا quot;التطريز السائد كان اللون الأحمر, لون كنعان, وهو الأرجوان المأخوذ من دم حيوان على ساحل البحر الأبيض المتوسط يسمى الموريكس, ونحن اكتشفنا أسرار لونه, منذ القدم, واشتهرنا بصباغته على الخيوط والقماش وبيعه والاتجار به في الأسواق الخارجيةquot;.
وتظهر الأثواب الفلسطينية على خارطة السقا متنوعة بشكل كبير مثل ثوب بيت لحم، وهو أنواع منه ثوب الفلاحة البسيطة الذي يتميز بقطبة على الصدر تسمى ndash;التلحمية- أو القصب، وكذلك ثوب العروس, وقماشه من الحرير المخطط بألوان زاهية ويمتاز بكثافة التطريز على القبة, أما جوانبه فتسمى البنايق وهي على شكل مثلث ومزدان برسومات المشربية والساعة، والأكمام واسعة ومطرزة, والتقصيرة (جاكيت قصير الأكمام) مصنوعة من قماش المخمل ومطرز بخيوط الحرير والقصب.
واللافت بشكل خاص في ثوب بيت لحم ذلك غطاء الرأس الطويل المسمى الشطوة والمرصع بالعملة الذهبية والفضة والمرجان, وكانت تتزين به المرأة الفلسطينية بوضعه على الرأس وقت عرسها وهو جزء من المهر المقدم لها.

و(الشطوة) ليست غطاء الرأس الوحيد الذي تضعه المرأة الفلسطينية, فهناك (وقاية الدراهم) التي توضع على الرأس في منطقة الخليل و(العرقية) المزينة بالتطريز وبالعملة الذهبية أو الفضية لمنطقة رام الله إضافة إلى الخرق البيضاء والتي تلبسها كل النساء الفلسطينيات, وهناك الطواقي التي قد تلبس بمفردها.


وإذا كان الباحثون المهتمون, يعتبرون ثوب نابلس من أفقر أثواب فلسطين بالتطريز, لان المرأة كانت تشارك الرجل في الحقول وتساعده, ولم يكن لديها الوقت الكافي لتطريز ثوبها, كما أن الغرز لا تتناسب مع عمل الحقول, فان ثوب (رفيديا) ضمن مجموعة مها السقا, يكتسب أهميته لأنه مصنوع من خيوط الكتان والحرير ويعود تاريخه إلى عام 1930, ويمتاز بخطوطه الحمراء والخضراء إلى جانب الربطة الخضراء مع الشال المميز لمنطقة شمال نابلس.
و يمكن أن يصلح ثوب بئر السبع لحكاية درامية, فالثوب الذي يغلب عليه اللون الأحمر هو للعروس الفلسطينية واللون الأزرق للأرملة, أما التي تتزوج للمرة الثانية فتطرز إلى جانب اللون الأحمر الأزهار وبعض الصور. أما البرقع, غطاء الوجه, المزين بالقطع النقدية الذهبية والفضية, فيستخدم لعدة أسباب، فهو يحمي الوجه من لفح الشمس في الصحراء ومن عسف الرمل، وللحشمة بعد البلوغ ويدل على ثراء وذوق العروس.
ويمكن معرفة زي كل منطقة أيضا من خلال الألوان والزخارف, تقول السقا quot;اللون الأحمر بدرجاته له الغلبة, فالأحمر النبيذي لرام الله, والأحمر البرتقالي لبئر السبع, والزخارف والتطريز الموجود على كل ثوب تعكس البيئة المحيطة من أشجار وجبال ومعتقدات وتراثquot;.
ولدى السقا ثوب مصنوع من قماش الكتان الكحلي، منسوج في المجدل التي تقع ضمن حدود إسرائيل الان, ويمتاز بالتطريز الجميل على القبة, أما أكمام الثوب فهي ضيقة ومطرزة.

وتعتبر السقا أن الأثواب هي شهادة على الوجود والحضارة, وتقول إن ثوب اسدود مثلا ما زال شاهدا على ان اسدود لن تكون اشدود، كما يطلق عليها الإسرائيليون الان، ويمتاز ثوب هذه المدينة الفلسطينية الساحلية العريقة، بالتطريز الجميل الكثيف وبزخارف شجر السرو والنخيل.
ويمتاز ثوب أريحا، اقدم مدن الأرض، بالتطريز على طول الثوب والذي يمتد إلى اكثر من ثمانية اذرع ويتثنى لعدة طبقات, أما غطاء الرأس فهو عبارة عن الكوفية الحمراء أو منديل مشجر على شكل عصبة.

ومن اجمل أثواب فلسطين ثوب عروس بيت دجن والذي يمتاز بالكتان الأبيض وبالتطريز الكثيف على الصدر وجوانب الثوب ويزين الرأس غطاء يحوي قطع العملة الفضية، وهو الثوب الذي طالما خلب لب الرحالة والمستشرقين.
وتعتقد السقا أن شعبا له مثل هذا التراث هو شعب quot;باق لن يموتquot;، وتجري معركة غير منظورة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، للاستحواذ على الأثواب الفلسطينية، وعمدت شركة الطيران الإسرائيلية (العال) إلى استخدام الثوب الفلسطيني، لتجعله زيا لمضيفاتها، الأمر الذي اعتبره الفلسطينيون سرقة لتراثهم.


ولم يقتصر الأمر على ذلك كما تقول السقا، بل تم تسجيل أثواب فلسطينية باسم إسرائيل في الموسوعات العالمية، مثل ثوب عروس بيت لحم المعروف باسم (ثوب الملك) الذي سجلته إسرائيل باسمها في المجلد الرابع من (الموسوعة العالمية).
ويعتبر ثوب الملك من اجمل الأثواب الفلسطينية ويتميز بغطاء الرأس المسمى الشطوة، وعليه القطع الفضية والذهبية ومرصع بالمرجان، وتملك السقا ثوبا من هذا النوع يعود إلى عام 1885م, وتعتبره أمرا نادرا ونفيسا، وهو جزء من مجموعتها المهمة من الأثواب الفلسطينية.