لا يمكن استبعاد أن تكون البحرين أو أية دولة أخرى في منأى عن العنف، في ظل وجود بيئات تفريخ فكرية، سياسية، واجتماعية، يمكن أن ينكرها البعض، بيد أن ما جرى طوال السنوات الماضية يثبت وجودها. بيئات فكرية يمكن أن تنشاً من المراكز الدينية، والمنشورات، التي لا تخفي تأييدها لقتل «الصليبيين والكفار». تعززها بيئات اجتماعية قد تكون منطلقة من شعور بالغبن والتهميش، بغض النظر عن صحة هذا الشعور، الذي يمكن أن يكون محركا ودافعا، أو أن «يستثمر» باتجاهات معينة.

أضف إلى ذلك بيئة سياسية مثالية، تتمثل في الاحتلال الأميركي للعراق، وجدت فيه حركات متطرفة ضالتها للانتقام من «قائدة العالم الكافر»، ومن يتعاون معه، ويتعاطف.

السلطات في البحرين تدرك ذلك، وربما يكون تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة كاشفا عن هذا الإدراك، حين قال ـ قبل أسابيع ـ بأن «هناك خطب جمعة، وفتاوى، ومخيمات وأشرطة واجتماعات، ومواقع وأموالا تجمع باسم الخير، وبعض هذه جزء من شبكة تدفع باتجاه الفكر المتطرف، وعلينا ان نتوجه لمعالجتها وألا نلوم الآخرين فقط».

كما أن وزير الدفاع الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة أشار إلى أن «بعض الدول تزعم وتعتقد ان هناك مجموعة أو اثنتين، ولكن لم يحدث شيء حتى الآن، والبحرين آمنة، ونحن لا نتهاون ولن نتهاون مع الإرهاب. وقواتنا تستطيع ردع كل خطر».

وقد سبق أن مرت البحرين بحالة من الإرباك بسبب بلاغات كاذبة أو حوادث حقيقية. في ديسمبر الماضي تم العثور على قنبلة وهمية في إحدى ضواحي المنامة. وفي يوليو الماضي أخلت قوات الأمن مجمع الشيراتون التجاري في قلب العاصمة، وأغلقت جميع المحلات فيه، بعد تلقي البنك السويسري الذي يقع في المجمع إنذارا بأنه سوف يكون عرضة للتفجير، واتضح فيما بعد أن البلاغ «كاذب».

وفي الفترة ذاتها، أعلنت السلطات اعتقال «خلية» تعد للقيام «بأعمال خطيرة» تستهدف الأمن العام، قررت النيابة العامة في وقت لاحق الإفراج عنها، بيد أنها مازالت ممنوعة من السفر، ويقول متابعون أن المنع قد يكون مفيدا للمجموعة المتهمة التي لا يمكن أن تضمن عدم تعرضها للملاحقة في الخارج، خصوصا وأن اعتقالها تم بناء على معلومات خارجية في الأساس.

هذا يشير إلى أن عناصر «نايمة» قد تكون متواجدة، ربما لا تشجعها المساحة الصغيرة للبلد والواقع الاجتماعي على الاستمرار في عمل عنيف إذا ما بدأته، لكن المبادرة قد تحصل ولو لمرة واحدة، إذا ما كان ينوي الشخص «الاستشهاد»، في عرف هذه الفئة.

في هذه الأجواء، التي يعززها القلق من حوادث الإرهاب الأخيرة في قطر والكويت وعُمان، أحالت الحكومة البحرينية الأسبوع الماضي، مشروع قانون لمكافحة الإرهاب، إلى المؤسسة التشريعية للتصديق عليه بصفة عاجلة.

وقد أثار المشروع القلق في أوساط سياسية عدة، ذلك أن بعض مواده بدت متناقضة مع مضامين حقوق الإنسان، التي يكفلها الدستور، والشرعة الدولية، ما يجعل من ديباجة المشروع التي تتحدث عن أن القانون جاء في سياق مشاركة البحرين للتصدي الدولي لمكافحة الإرهاب، محل جدل، لأسباب عدة، ذلك أن الشرعة الدولية لا تحصر الصراع مع الإرهاب في القوانين ذات الطابع الأمني.

الأمم المتحدة كانت دعت الدول الأعضاء فيها، من خلال القرار الدولي 1373 لسنة 2001، إلى تبني حزمة من القوانين لمكافحة «الإرهاب».

وتتضمن هذه الحزمة اثني عشر اتفاقا دوليا، فضلا عن اتفاقات أخرى أنجزتها المنظومات الإقليمية، ليصل عددها إلى نحو تسعة عشر. من بينها: اتفاق مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، واتفاق قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني، واتفاق الأمم المتحدة لمنع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها، والاتفاق الدولي لمناهضة أخذ الرهائن، واتفاق الأمم المتحدة الدولي لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، واتفاق الأمم المتحدة الدولي لقمع تمويل الإرهاب، واتفاق جامعة الدول العربية لقمع الإرها��، واتفاق منظمة المؤتمر الإسلامي لمحاربة الإرهاب الدولي.. وغيرها من الاتفاقات.

وقد صدق البرلمان البحريني أخيرا على الانضمام للاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل؛ والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، من دون جدل كبير في أوساط الرأي العام، فيما سجل بعض النواب تحفظه إزاء غموض مفهوم الإرهاب، بيد أن الدستور البحريني لا يعطي المؤسسة التشريعية فرصة تعديل الاتفاقات الدولية، فله أن يقبلها أو يرفضها كما هي.

وسبق للبحرين أن وقعت أيضا على الاتفاق العربي لمكافحة الإرهاب، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي.

لا خلاف على أن الحاجة ماسة، اليوم قبل الغد، للتعاطي مع إشكالية الإرهاب. شرط أن يتفادى ذلك المعالجات الانتقائية. ومن دون أي تردد، يمكن القول إن خطوات البحرين، مثلها مثل الكثير من الدول العربية، تركز أساسا على البعد الأمني، دون أن تعطي للأبعاد الأخرى أهمية. مع أن تقرير فريق الأمم المتحدة الذي كلف بعيد إرهاب الحادي عشر من سبتمبر،2001 بإعداد تقرير عن المسألة، حذر من انتهاك حقوق الانسان بدعوى محاربة الإرهاب.

هذا التقرير يسجل بوضوح أنه «على الرغم من أن الأعمال الإرهابية عادة ما ترتكبها مجموعات دون قومية أو مجموعات عبر وطنية، فقد لجأ البعض في شتى الأزمان إلى استخدام الرعب كأداة للسيطرة. ويمكن أن يستخدم عنوان مكافحة الإرهاب لتبرير الأفعال التي ترتكب لدعم خطط سياسية، مثل توطيد السلطة السياسية، والقضاء على المعارضين السياسيين، وحظر الانشقاق المشروع و/أو قمع مقاومة احتلال عسكري.

فإلصاق تهمة الإرهاب بالمعارضين أو الخصوم تعتبر وسيلة لخلع صفة الشرعية عنهم وتحويلهم إلى شبه شياطين، وهي وسيلة أثبت طول استعمالها مدى جدواها. وينبغي للأمم المتحدة أن تحذر من تقديم غطاء أو مساندة تلقائية أو من أن يفهم أنها تقدم غطاء أو مساندة تلقائية لجميع التدابير المتخذة باسم مكافحة الإرهاب».

الخشية هنا، أن نصوص المشروع الذي اقترحته السلطات يستهدف فيما يستهدف قمع النشاط السياسي، حين يشير مثلا، في المادة (6) إلى أنه «يعاقب بالإعدام كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار، على خلاف أحكام القانون، جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة أو فرعا لإحداها، أو تولى زعامة أو قيادة فيها، يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها.

أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون أو الإضرار بالوحدة الوطنية، إذا كان الإرهاب من الوسائل التي تستخدم في تحقيق أو تنفيذ الأغراض التي تدعو إليها الجمعية أو الهيئة أو المنظمة أو الجماعة أو العصابة أو أحد فروعها».

إن العجلة في نقاش موضوع حساس وخطير، ومحاولة تمريره لأن أغلبية حكومية موجودة في البرلمان، أمر لن يوفر المقومات اللازمة لقمع «الإرهاب»، الذي يحتاج التعاطي معه إلى سياسة أشمل، من بينها «إقناع الفئات الساخطة بالعدول عن اعتناق الإرهاب وبعدم جدواه»، كما ورد في تقرير الأمم المتحدة، وهو ما يستدعي نقاشا علنيا وصريحا.

يساهم في تفاهم البحرينيين على تعريف محدد أو شبه محدد للإرهاب، في ظل وجود جماعات نشطة سياسيا وتاريخيا، يمكن أن يوصم عملها بالإرهابي، مع إتاحة الفرصة كاملة لدراسة «الخيم، والأشرطة»، وفتح المجال للإعلام للكشف عما يسمى البنى التحتية للفكر المتطرف الذي قد يكون موجود بين ظهرانينا... ذلك أن إصدار قانون، مهما كانت صوغه منضبطا، لن يفي بالحاجات الأساسية لمكافحة الإرهاب.