من علاوي إلى القتل إلى الحشرة المرعبة !!
المثليون... حكايات عراقية مغلفة بالحياء والرفض
إيلاف تفتح ملف المثليين في العالم العربي
عبد الجبار العتابي من بغداد: على الصدى المقبل من آلة تسجيل ، وهو يحمل لون اغنية شعبية: ( علاوي نور عيوني يا علاوي / جوزي قميصه وبي مطرز وردة ) ، اهتز الرجل الخمسيني طربًا وألمًا ، وتخيلت... وانا اتأمل اهتزازاته... شكل تلك الذاكرة التي يحملها لعلاوي، اغمض عينيه وسبح في الخيال وكاد يسقط عن كرسيه ، لكنه جلس على الارض ، كانت صورة علاوي تتراءى لي بصباه المفرط وعيونه الكحيلة ، ومع توسلات الرجل الهائم في عوالم غريبة من الشغف والصخب ، كانت الازمنة تزيد ملامحه قسوة ، كنت ارى سيلا من الازمنة حطم اشياء كثيرة في داخله ، ومن فرط فضولي تجرأت ان اسأله عن الصورة المفعمة التي ظهر عليها ، فقال وهو يهز رأسه : انا علاوي !!، ثم اردف بحسرة : ذهب زماني .. ، احكي لك عن صغري وشبابي ، وبعد صمت قال : يا لها (حدبقة الامة) من مستودع لحكاياتنا ، كان صديقي معي ، نلهو معا ، ونتقلب على عشب الحديقة و(الكلاص) ثالثنا ، ثم اطلق صوته الخشن : آآآآآآآآآآ يا ويلي ، اآآآآآ .. يا ويلي ، (حبيب امك متقبل من احاجيك / روحي امعلكة بيك) ، وانطفأ وجهه تمامًا .
كان هذا قبل سنوات ، وراحت بعدها السنوات تتراكم على بعضها وتتجاذب الظواهر وتفتح الابواب للموبقات في النهار والمساء ، تتهافت الحروب وتضج من حولها الخزعبلات ، وتبرز الظواهر المعتمة شاخصة سافرة ، ويتكاثر (العلاويون) ونتوءات صامتة تطل من بين ترهات المجتمع وجراحاته التي تنز تحت ظلال الانهيارات والبكاءات ، وليس غريبة تلك العادات وليست مستوردة ، فهي قديمة قدم الانسان وتطورت معه، وجدّنا النبي الكريم (لوط) ابتلى بناسه ، وما عليك سوى الاستماع الى الفاظ الشوارع الخلفية لتهب عليك عواصف من الكلام البذيء مما يسمى بالعامية (الفشورات) التي تتناغم مع الاعضاء الذكورية وتفاصيل عملها ، ولا يمكن ان يتعارك اثنان دون ان يكون التنابز بـ (الامام والخلف) عنوانًا صارخًا لا يتبرقع بأي برقع ، حتى كأنها تقاليد لابد منها ، وربما هي في حقيقتها بريئة لكنها من تراكمات وموروثات لمجتمع ازدهرت فيه (الشقاوات والفتوات) ومن ثم الطبقة الدنيا ، اما النكات التي تتناولها فهي اكثر مما تعد وتحصى .
ظهور علني... وعقاب علني
سأترك خلفي السنوات، وانسى (علاوي وصاحب علاوي والعزيز الراحل ابو خالد ) وادخل في واقعنا الحالي ، وعليّ ان ادرك التراكم الهائل الذي اصبح مفضوحًا ، ثمة ملامح لبني البشر تمتلك السماء التي يقطن داخلها ذلك الشكل المسمى (الخنثوي) ،بملاحمه التي تلفت النظر جدًا ، كنت ادرك ان (ابراهيم) الشاب لاب عراقي وام فرنسية والذي عاش مع امه في باريس ردحا من الزمن ، عاد بتلك الحركات المستفزة للاخرين والشكل القابعة فيه خنوثة تتحرق شوقا الى البروز بشكل استفزازي ، اسأله فيهتز صوته بموسيقى ترن نغماتها مائعة ومثيرة ، لا يتصنعها ، لكنني ادرك انها طبع في البدن وفي الروح، ينغمس بنزوات جينية تملأه اختلافًا .. ولا مفر منها ، يكاد يقول لي : (انه قدري )، وانه مهما حاول كبح جماح خنوثته لا يستطيع ويشعرها طاغية ، بل انه وجد جسده محط الانظار ، وسمع كلامًا هازئًا فيقول بلهجة هازجة: (اووووي عيني ، اشأسويلهم ، خلي يحجون .. اشمعجبهم ، هاي خلقة الله) ، الالفاظ تأتي مائعة وبجرس رخو مطاط ، فاصبح ابراهيم محاطًا بأذرع الرغبات التي يمارسها طوعا كـ (مثليّ) مع من ينجذب اليه ، يقول : اصبحنا نعيش معا حياة مترفة بالجنوح .
قبل ايام في بغداد .. اشتعل بريق غريب ، انتشرت اخباره حول مقتل اشخاص قيل انهم (مثليون) ، لكن تناولها كان خجولاً، عبارة عن كتلة من الحياء، ليس بمقدور احد ان يفصح عن تفاصيله ، وليس ما يثير في الامر سوى الفعل المضاد (القتل) لانه ظاهرة مستحدثة ، ولابد من اسباب موجبة له ، فكما قلت فالامر ليس جديدًا ولا غير معروف ، ورحت ابحث فوجدت ان هؤلاء المثليين ، قد شكلوا جماعات اصبحت معروفة ومكشوفة وهي مرفوضة بالطبع داخل المجتمع كأمر واقع ، لا بل انهم جاءوا بأمر جديد جدًا وهو انهم ارتدوا (حفاظات) لاظهار حجم كبير للمؤخرات لديهم، وكانوا يتغنجون بها ، انها صورة لحالة نفسية مضطربة ، مليئة بالبؤس ، وقد قال لي مواطن : من المخجل ان نرى هؤلاء الشباب على هذه الصورة في العراق ، لا نقول ان العراق يخلو من هذا المرض ولكن ان يظهر بهذا الشكل العلني المستهتر هو المرفوض لانه امر مخزي وخادش للحياء ، مثلما يحرمه الدين ، و لا اعرف كيف يمكن لهؤلاء التجاوز على ما حرم الله ونهى عنه .
حرية شخصية... لكنها تلحق العار
حاولت ان استطلع اراء الناس لمعرفة : كيف ينظرون الى ما حدث ؟ الذين استطلعت اراءهم كانوا (50) شخصا ، من الجنسين ومن شرائح واعمار مختلفة ، والغريب انني وجدت بعضهم لايعرف معنى (مثليّ) ، وجميعهم اتفقوا ان ظاهرة المثليين هي حالة مرضية ، وان من يمارسونها مرضى ، فيما قال خمسة منهم انه : (حرية شخصية) واستدركوا ان في مثل هذا الشيء يجب ان تمارس هذه الحرية بسرية لانه فعل يلحق العار والاحتقار بصاحبه واهله وعشيرته حتى ، وشرح بعض ان هذا المرض بعضه فطري وبعضه مكتسب ، فالفطري : هو حالة جينية منذ الولادة وليس للانسان الا الرضى بها كونه يمتلك مقومات الجنس الثالث (الخنثى) ، حيث التركيبة الجسمانية قابلة لحدوث تطورات الاستجابة للاخر كأنما ثمة رائحة في الجسد الاخر تجتذبه ، والمكتسب : من اصدقاء السوء والاغتصاب ومن التعرض للادمان عليها بسبب الضغوط والخوف والجبن ، اشاروا الى ان من يلجأ الى ممارسة هذا العمل جبان في الاغلب ، وهذا يبدأ من الطفولة على الاغلب ، فيما رفض الاغلب ان يتعرض هؤلاء الى القتل بينما القلة منهم اكدوا انهم يستحقون القتل لان ينشرون الفاحشة بشكل علني .
قال لي عامر انه اضطر الى الممارسة هذه حينما كان اسيرًا في ايران ، حيث اجبره الاخرون على فعله والا يتعرض للاذى ، فما كان لي الا ان احتمي بالقوي واكون (فتاه) المدلل ، وحين عدت الى بغداد لم استطع تركها بل انني اردت ان انتقم فكنت اتحرش بأي كان صغيرًا وكبيرًا ولم اتقرب من امرأة ابدًا ، اما الشاب احمد (19 سنة) فقال لي : وجدت نفسي بلا اب ، لا اعرف سوى امي واخواتي البنات ، كنت الوحيد بينهم الذكر ، انا الاصغر والمدلل بينهن ولا يرفضن ما اطلب ، حتى انني صرت ارتدي ملابسهن ، وحين اقمت علاقة صداقة مع جار لنا تعلقت به ، وحين راودني عن نفسي استجبت ، وقال اخر : انا ارغمت على هذا العمل ، من قبل اصدقائي كون شكلي جميلا ، واهلي لايعلمون ، لكنني ادمنت عليه ولا استطيع التخلص منه .
رأي علم الإجتماع
استاذ علم الاجتماع (ج . جليل ) قال : باختصار .. حالة (المثلية) ليست ظاهرة لان لها جذورا تاريخية عميقة ، وهي غير منقطعة على مر العصور ، والمعروف انها بشكليها (ذكر وذكر وانثى وانثى) تمارس بالسر شأنها شأن العلاقة بين الرجل والمرأة ، وتتباين النظرة الاجتماعية للعلاقة المثلية بين المجتمعات ، لكنها عند في المجتمعات الاسلامية والعربية مرفوضة تماما وتنال تحقيرا ، لانها شكل من اشكال الزنا ، وتعد من الجرائم التي يجب ان يحاسب عليها مرتكبوها ، والمثلية تزدهر في المجتمعات الفقيرة والمترفة على حد سواء ، لاسباب تتعلق بالنشأة او نوعية العلاقة ما بين الابوين ، ولست مع الرأي القائل انها وراثية ، لكنني اعتبرها مرضا نفسيا قابلا للشفاء ولكنه سيترك اثاره السلبية على شخصية الانسان .
لكنني سأتوقف اخيرًا .. عندما حدثني به ابو هادي ، الرجل الريفي عن شاب في قريته ، قال: عرفناه يمتلك النعومة ، وكان املط ، لاشعر في وجهه او صدره ، وصوته ناعم ، ولكونه ابن قرية وعائلته معروفة فقد كان يقاوم القدر في داخله ، فكان يهرع كل ليلة الى وتد مثبت في الارض ، فيخلو به ، وتدور بينهما معركة تنتهي بسقوط الولد مغميا عليه ، ويضيف ابو هادي : انتبهت اليه ذات مرة وراقبته ، وبعد ان اغمي عليه شاهدت حشرة تخرج منه ، حشرة صغيرة قبيحة الشكل ، فسارعت الى سحقها بقدمي وقتلها ، ومنذ ذلك اليوم والشاب في عافية .
التعليقات