قصة شيقة كتبها جاك شينكر عن إطاحة حسني مبارك عام 2011، يميزها وجوده في أحياء مصر الفقيرة، حيث بدأ المصريون يشككون في علاقاتهم بحكامهم. يعبّر شينكر عن اليأس من سوء اقتصاد البلد، كما يعبّر عن أمل مفاجئ بالمستقبل بفضل شباب لم يعد مستعدًا لتحمّل الحماقة السائدة في البلاد.

إيلاف: بعد قرابة ثلاثة عقود في السلطة، وبعد 18 يومًا من الاضطرابات، بدا كأن حسني مبارك قد أصبح جاهزًا ليرخي قبضته عن مصر.&

لكن، حين تحدث ليلة العاشر من فبراير 2011، كان واضحًا أنه لم يكن مستعدًا للتنحّي. قال: "أتوجّه إليكم من القلب، أبًا يخاطب أبناءه وبناته"، قالها قبل أن يقترح تنازلات قليلة، لا قيمة لها، فكان آخر حاكم مصري يؤكّد دوره في الأبوية القومية. ورفض الناس أول مرة أداء دور الأبناء المطيعين، فتنحّى مبارك في اليوم التالي.

تركوا مطارقهم

شاهد عيان يروي.. هذا ما جرى في مصر

حين فقد مبارك السيطرة على مصر، كان جاك شينكر، مراسل صحيفة الغارديان، في ميدان التحرير، في قلب الانتفاضة. ما يميّز كتابه "المصريون: قصة راديكالية" The Egyptians: A Radical Story (منشورات ألين لين. 528 صفحة؛ 15.99 جنيهًا إسترلينيًا) أن روايته هي رواية شاهد عيان، كان في أحياء مصر الفقيرة بين مصانعها ومنازلها، حيث بدأ المصريون يعيدون النظر في علاقتهم بحكامهم، الذين كانوا يصنعون لأنفسهم الثروات الطائلة، بحجة الإصلاح الاقتصادي.&

واعتبر كثيرون في الغرب أن الشباب المتحرر، الذي شكل شريحة واسعة من المتظاهرين في ميدان التحرير، هو جوهر ثورة مصر، غير أن العمال المخضرمين في المدن المنسيّة هم من وجّه أولى الضربات وأقواها إلى نظام مبارك.

لم يكن ذلك مستغربًا، فمنذ ثلاثة آلاف سنة، عندما كان حرفيو رمسيس الثالث يبنون قبور الفراعنة في وادي الملوك، تركوا مطارقهم للمطالبة بالمزيد من الطعام. وصارت التظاهرات العمالية أمرًا طبيعيًا في أواخر عهد مبارك إلى حد يصعب فيه تحديد نقطة التحول بدقة.&

لكن شينكر يسلّط الضوء على النزاع حول التعويضات في معمل الأقمشة الكبير في منطقة "المحلة"، الذي شكّل بؤرة الانتفاضة في عام 2006. وأكثر ما قام بتعرية العلاقة بين الدولة والعمّال هو ترتيب المقاعد خلال المباحثات بين الطرفين. ففي جهة، جلس رئيس الشركة ومسؤولو السياسة المحلية، وإلى جانبهم الرئيس المعيّن للاتحاد العام لنقابات عمّال مصر، ممثلًا ظاهريًا لقادة الإضراب العمالي المنتخبين الذين جلسوا في الجهة المقابلة.

سياسات إصلاح السوق
يزعم شينكر، الذي غالبًا ما يستشهد بفقرات من كتاب توماس بيكيتي "رأس المال في القرن الواحد والعشرين"، أنه يمكن ربط جذور معظم مشكلات مصر بسياسات إصلاح السوق التي اعتمدتها قياداتها. ويرثي قائلًا إن مصر تُعاني بسبب "أنماط دولية متجذرة من التراكم التفاضلي والحرمان الشامل"، بوصفها نتيجة مباشرة للرأسمالية النيوليبرالية.

لوم شينكر على تفكيره بهذه الطريقة صعب. ففي مواجهة الأزمة الاقتصادية في أوائل تسعينيات القرن الماضي، تبنت مصر خطة صندوق النقد الدولي، التي تدعو إلى خفض الإنفاق والدعم وخصخصة المؤسسات العامة. تحرّك مبارك بوتيرة سريعة في تنفيذ الخطة، متجاهلًا أبناء الطبقة الوسطى، الذين اعتمدوا دائمًا على تقديمات الدولة. وأثار النمو القوي للناتج المحلي إعجاب المؤسسات المالية الدولية، فأشادت بمبارك. غير أن المنافع ما طالت الجميع، ما سبّب خيبة أمل للشعب كله.

يستعين شينكر بمشكلات مصر، ليدحض المقولات النيوليبرالية، لكنه يصف بدقة كيف كانت إصلاحات مبارك مجرد خدعة، وكيف ولّدت "واجهة من المنافسة والتعددية". فقد استبدلت مصر الاحتكارات الحكومية بالاحتكارات الخاصة، وهو في ذلك يوجّه الاتهام إلى الاقتصاد الريعي الفاسد أكثر منه إلى الأسواق المفتوحة.

عود على بدء
يقابل يأس شينكر من الاقتصاد المصري أمل بالمستقبل. ووفقًا لأحد الثوار الشباب المتعَبين، الذين تملأ شهاداتهم كتاب شينكر، "فلم يعد جزء كبير من الشعب المصري ينظر بالطريقة عينها إلى نفسه، وإلى السياسة، ولن يحتمل المزيد من الهراء بعد الآن".

حاول الصحافيون الغربيون جاهدين الوصول إلى استنتاج إيجابي من الانتفاضة الفاشلة، ويُعتبر شينكر في هذا المجال أكثر إقناعًا من معظمهم.

أما الآن فيحيي عبد الفتاح السيسي، الرئيس الحالي، الخطاب الأبوي، ملاقيًا استقبالًا إيجابيًا من الكثير من المصريين. يقول: "أحب شباب مصر، وأعتبرهم أولادي". إذًا، ظاهريًا، يبدو أن مصر الآن عادت إلى ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير 2011.


أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرّف نقلًا عن «ذي غارديان» و«ذي أستراليان». المادتان الأصليتان منشورتان على الرابطين أدناه:
https://www.theguardian.com/books/2016/feb/01/the-egyptians-radical-story-jack-shenker-review

http://www.theaustralian.com.au/arts/review/middle-east-turmoil--the-egyptians-a-radical-story-a-rage-for-order/news-story/9d3bfa74347995ad5102d94603ea3b7d
&