ما عادت التقنية الجديدة في خدمة الإنسان بقدر ما هي في خدمة العولمة الجديدة، التي نقلت الإنسان إلى حقبة مختلفة من الحياة، تحكمها أفضليات، ما عاد النأي بالنفس عنها متاحًا.&

إيلاف: ما علاقة تدجين الجمل بالديناميات الاقتصادية للعولمة؟. يقول الاقتصادي ريتشارد بولدوين، في كتابه "التقارب العظيم: تقنية المعلومات والعولمة الجديدة "The Great Convergence: Information Technology and the New &Globalization (منشورات جامعة هارفرد) إن الجمل كان من العوامل الأساسية في نمو التجارة الدولية في عام 1000 قبل الميلاد، ليتيح نقل البضائع المصنوعة في مكان وبيعها في مكان آخر.

التقنية في خدمة العولمة الجديدة

ومن الابتكارات أو الحوادث التاريخية المماثلة لاستخدام الجمل على امتداد الألفيات التالية: التحسينات التي أُدخلت على تكنولوجيا الملاحة البحرية والوصول إلى الشواطئ، وانتشار وباء الطاعون أو "الموت الأسود" الذي أنهض أوروبا الغربية من سبات توازنها الإقطاعي الريفي في القرن الرابع عشر، ونهاية الحروب النابوليونية في القرن التاسع عشر، والحربان العالميتان في القرن العشرين، وقيام السلام بدور كبير في تيسير التجارة، وفي عهد أقرب تخفيف الحواجز الجمركية بدفع من صندوق النقد الدولي، ورفع الضوابط المفروضة على الاستثمارات الخارجية المباشرة.&

حقبة إيجابية
هذه، قطعًا، ليست قائمة كاملة بالعوامل التي شجّعت عولمة التجارة عبر العصور، لكنها تقدم فكرة عن المساحة التاريخية الواسعة التي يغطيها كتاب بولدوين. فهو في هذا السفر يتناول بدراية 200 ألف سنة من الممارسات التجارية البشرية، مستخدمًا منجزات علم الآثار والأنثروبولوجيا وعلم المناخ والتاريخ الاقتصادي والدراسات التنموية وفروعًا معرفية أخرى.

يأخذنا بولدوين في رحلة من العالم القديم إلى القرن الحادي والعشرين، ومن الشمال المعولم إلى الجنوب النامي، لتقديم مشهد السنوات الخمس والعشرين الماضية من العولمة.

يرى بولدوين أن الحقبة الأخيرة كانت إيجابية عمومًا بالنسبة إلى البلدان النامية التي استطاعت أن تشارك في سلسلة القيم العالمية، أو بكلمات أخرى التنافس في مجالات معينة لإمداد الاسواق العالمية بالمكونات، ما أسهم بقسط كبير في تيسير مشاركتها التطورات التي حدثت في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ذللت، على غرار استخدام الجمل، عقبة كبيرة كانت تعترض التجارة العالمية، أي الكلفة الباهظة في السابق لنقل المعلومات وإيصال الأفكار والمعرفة عبر مسافات شاسعة.

أفضليات العولمة
بولدوين داعية متحمّس لما يسمّيه "أفضليات العولمة المعاصرة". وهو يخلص إلى أن "العولمة الجديدة" تأتي بالمعرفة والخبرة وفرص عمل جيدة، حُرمت منها البلدان النامية في المراحل المبكرة من العولمة.

لكن تداعيات اجتماعية بالغة الأثر ارتبطت بالعولمة، وما البطالة في منطقة "حزام الصدأ" في الولايات المتحدة إلا أحد الأثمان الاجتماعية للعولمة. والذين ما زال لديهم عمل، بمن فيهم منتجون مبدعون وعمال ماهرون وأصحاب اختصاصات نادرة، يُجبرون على توقيع عقود غير مضمونة ومنخفضة الأجور.

وهذا جانب من جوانب إناطة العمل بجهات ثالثة من طريق الإنترنت، يقول بولدون إنه سيزداد اتساعًا نتيجة "الحصول على معلومات عن بُعد" خلال السنوات المقبلة. وأخيرًا، فإن السياسة الشعبوية والقومية التي ظهرت أخيرًا في العالم الصناعي تعكس مشاعر القلق العميقة بين الذين استُبعدوا من التمتع بثمار العولمة.&

يعترف بولدوين ببعض هذه التطورات السلبية، لكن بشكل عابر. وهو يذهب إلى أنه من الضروري إيجاد عقد اجتماعي جديد لحماية الأشد تضررًا بالعولمة، ويقترح إعادة نظر جذرية بسياسات التصنيع والتدريب والإعداد وتكوين المهارات. لكن، إزاء الإجراءات التقشفية التي تتخذها بلدان عديدة لا يبدو أن هناك فرصة كبيرة لتوفير قدر أكبر من الحماية الاجتماعية في الاقتصادات الأطلسية أو الاوروبية، بل على العكس، كما تلاحظ جوليت ويبستر، الباحثة المتخصصة في الإعلام والاتصالات في كلية لندن للاقتصاد.
&