رحل عن الدنيا سامي (شموئيل) موريه، الاديب والباحث اليهودي من أصل عراقي، عن عمر ناهز الـ 85 عاما ، في مدينة القدس يوم الجمعة ، ويطلق عليه البعض لقب (حبيب العراقيين) كونه ظل شاخصا بعينيه وقلبه وروحه الى العراق الذي حنينه اليه لم ينقطع وظل في كتاباته يتأسى بالعودة وهو القائل (لـَيْـتـَنِي أعُودُ إلى العِـرَاقِ يَوْمًا، فَأُحَدّثـُهُ بـِمَا فـَعـَلَ الفِرَاق) .
وشموئيل موريه ..اسمه الأصلي بالعربية: سامي المُعلِّم، قبل ان يحوَّرَهُ بالعبرية ، اديب وباحث يهودي إسرائيلي من أصل عراقي. ولد في حي البتاويين ببغداد في شتاء عام 1932، وهو القائل “قضيت طفولتي الباكرة في محلة حنون صغير في بغداد القديمة حيث كنا نسكن مع سِيدي (جدي) الحاخام مئير معلم رحمين مؤلف كتاب (مقتطفات من كلام الرب) المطبوع في بغداد، في مطبعة شوحيط، في الثلاثينات، وكنت أراه طوال ساعات لا نهاية لها جالسا وهو يؤلف كتابه هذا دون ملل أو تعب، وقد ترك مهنة الصياغة التي اشتهرت بها عائلته ليتجنب الغش الذي يمارسه بعض الصياغ في خلط المعادن الثمينة بالخسيسة، وذلك عن تقوى وحبّ في الأمانة وطاعة الرب وليتفرغ لواجباته الدينية في سبيل الدين والعلم، يحقق ويؤلف ويراجع المخطوطات والكتب الضخمة. ولكي يكرّس وقته لوجه الله والعلم قامت جدتي (مسعودة) بإدارة مشغل لتطريز المقصيات بخيوط الذهب والفضة تعمل فيه ما لا يقل عن ثلاثين عاملة لإعالة الأسرة”.
تهجيره من العراق
وعاش أ.د. شموئيل سامي موريه في العراق حتى سن الثامنة عشرة، حين تم إسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق بقرار رسمي حكومي، في العام 1950، بدفع من السفارة الإنكليزية في بغداد، والحركة الصهيونية، ورئيس الوزراء العراقي آنذاك توفيق السويدي، مما تسبب بتهجير أكثر من 140 ألف يهودي عراقي بالقوة، ويذكر "وضرب القدر ضربته ورحلنا ، وانهمكنا في الدراسة والعمل لنداوي بها جراحات الماضي وأهوال الحاضر بانتقالنا من عزّ العراق، مهما كان ثمنه، إلى ذلّ الحاضر، في خيام معسكرات اللاجئين الجدد، من جميع أرجاء العالم، والوقوف في طوابير الماء وبيت الخلاء والخبز وشراء اللحم والبيض والزبد بالكابونات والعمل كعمال بسطاء، رغم ثقافتنا، في البناء لنقل أكياس الإسمنت والحصى والرمل على ظهورنا كما كان يفعل "العمّالة" الذين كانوا يعملون عند والدي في البيوت التي كان يبنيها! بكيْتُ عندما جاء أخي ريمون يبشرني: "والله عندك حظ ! أول يوم وشِفتْ (وعثرت على) شِغِل بالعمالة (البناء)!" قلت له: "ما هذا الفرح بعمل حقير حصلت عليه بعد عزّ العراق!"، و"ما تعرف خيري لما تجرب غيري"، صرنا نشتغل بالبناء مثل الفقراء؟ ويل العراق، ماذا فعل بأبنائه المخلصين.
ولكن قبل ذلك كان شموئيل موريه قد درس في مدرسة السعدون، ومدرسة “فرنك عيني” ثم في “شماش”،وحين هاجر إلى إسرائيل درس العربية وآدابها في الجامعة العبرية في القدس وتابع دراساته العليا في لندن، ليحصل على الدكتوراه، حول الشعر العربي، وعاد إلى إسرائيل، ليرأس قسم اللغة العربية في جامعاتها في السبعينات والثمانينات، مؤسساً رابطة الأكاديميين اليهود النازحين من العراق، وانصرف شموئيل موريه، إلى دراسة الذات العربية من بوابة الأدب، مركزاً على أبعاد مختلفة لم يكن معظمها دائراً حول اليهود العرب، ولكنه فكّك في اللغة والأدب وساهم في قراءة تطورهما تاريخياً، وأحيل الى التقاعد في العام 2002 ولكنه ما يزال يحاضر في الجامعة العبرية ويقوم بكتابة أبحاثه العلمية وذكرياته والإشراف على رسائل الدكتوراه، وأستاذا زائرا في جامعات أوروبية وأميركية، ألّف وحقق وأشرف على نشر عشرات الكتب، وكتب المئات من المقالات العلمية عن الأدب العربي، أصد عدداً كبيراً من الكتب مثل “الشعر العربي الحديث 1800-1970″، و”دراسات في النثر والشعر العربي الحديث” و” المسرح البشري العربي والأدب الدرامي في العالم العربي في القرون الوسطى” و”مساهمة اليهود في المسرح العربي في القرن التاسع عشر”، مع د. فيليب سادجروف، وكذلك “عبدالرحمن الجبرتي، حياته، أعماله، مخطوطات كتبه، ومكانته في التاريخ المصري الحديث”.
لا يصلح للتجارة
ويحرص هو وكثيرون ممن قرأوا سيرته على التمييز بينه وبين شموئيل موريا، رئيس وحدة التجسس الإسرائيلية المعروف، وهو سليل أسرة ثرية، (يخجل من وصفها بذلك ويكتفي بالقول إنها كانت فوق المتوسطة) ووجد نفسه في إسرائيل (أرض الميعاد) مضطراً للعمل كالفقراء والمعوزين، وتم إجباره على الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، بدلاً من أن يترك ليتفرغ للعلم وتطوير موهبته كشاعر وروائي، “منذ صغري أدركت بأني لا أصلح للتجارة التي كان يمارسها الكثير من يهود العراق”.
سامي موريه .. عمل استاذ متقاعد في الجامعة العبرية ، درس الادب العربي الحديث، والشعر العربي المعاصر، والمسرح العربي في القرون الوسطى، والمسرح العربي في البلاد العربية، مع الاستاذ فيليب سادجروف، وحقق تاريخ الجبرتي في اربعة اجزاء على النسخة المحفوظة في جامعة كامبردح في انكلترا، والحقه بفهرس شامل بالاعلام والاماكن والعلوم الدينية والادبية والادارية والمعمارية (2012)، كما حقق كتاب "الغرباء" لابي الفرج الاصفهاني من البروفيسورة باتريشيا كرون، في سلسلة منشورات جامعة برينستون، 2000. وقام بنشر كتاب "الفرهود" بالانكليزية مع د. صفي يهودا من مركز تراث يهود العراق في اور- يهودا، ومركز دراسة اللاسامية – فيديل ساسون، الجامعة العبرية، 2010، وله العشرات من الدراسات في المجلات الاوروبية والاميركية المحكمة. حصل عام 2000 على جائزة إسرائيل في مجال الأبحاث الاستشراقية.&ويعد الراحل من كتاب (ايلاف) التي بفضلها كتب سيرته الشهيرة "يهود العراق ذكريات وشجون". وقد بقيت إيلاف منبره الأول والأخير الى بضعة ايام قبل رحيله.
كتبه بالعربية
للراحل الهديد من المطبوعات العربية التي ألفها أو نشرها وهي :
الأدباء والعلماء اليهود 1863-1973، القدس: معهد بن تسيفي لدراسة الجاليات اليهودية في الشرق، 1973.
فهرس المطبوعات العربية في إسرائيل 1948-1972، القدس: مركز جبل سكوبوس، 1974.
القصة القصيرة عند يهود العراق 1924-1978، القدس: دار النشر ي.ل. ماغنس، 1981.
مختارات من أشعار يهود العراق الحديث، القدس: معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية، 1981.
بغداد حبيبتي: يهود العراق، ذكريات وشجون، حيفا: مكتبة كل شيء، 2012.
عجائب الآثار في التراجم والأخبار، القدس، 2014.
من كتاباته
احن الى العراق
نضب الشباب في العروق
منتظرا شربة من ماء العراق
وصرت امشي بدل رياحين بغداد
على اليابس من الورود
واحن الى الشباب الحلو في التصابي
وروائح الجنة في عطر العراق
وأبكي شهداءه واطفاله اليتامى
ويا حسان العراق، كيف بالله
اصبحن ارامل العراق،
نسيت قيثارتي على صفصاف دجلة
تتدلى اغصانها النائحات على مجد العراق
وهرمت منتظرا لياليك الحسان،
وحسان بغداد ينشدن:
بغداد، يا بلد الرشيد
ومنارة المجد التليد
ويا ارض اجدادي، سقاك الحيا
واحيى موات النخيل في رفرف الخلد من واديك!
متى احظى برؤياك؟
التعليقات