لا مفر لدول أوبك وغيرها من العودة إلى الرياض والقبول بمقترح خفض الانتاج. فالواقع يقول إن تثبيت أسعار النفط على المدى القريب (أو البعيد) ليس ممكنًا من دون موافقة السعودية.

عودة أبو ردينة: تسبب هبوط أسعار النفط على المدى القصير في انخفاض أرباح صناعة النفط الأميركية بنسبة 76 في المئة في عام 2015. ويحدث الشيء نفسه لشركات نفطية في أوروبا والصين وأفريقيا وروسيا. ويؤثر هبوط اسعار النفط، إذا استمر، تأثيرًا حادًا في القطاع المصرفي النفطي، حيث انخفضت بالفعل أسهم بنوك كبيرة في الغرب بنسبة 30 في المئة.

وفي الولايات المتحدة وحدها، أُقترضت شركات نفطية وغازية 276 مليار دولار، وتعثرت 25 في المئة من هذه الديون، وربما يتعين شطبها. ومحا هبوط اسواق الأسهم أخيرًا 2.9 ترليون دولار من قيمة الاسهم.&
&
الشركات الصغيرة تذوب

عمليًا، لا توجد الآن آبار في الولايات المتحدة حفرها مربح. وأجبر هذا بعض الشركات النفطية على انتاج النفط لدفع الفوائد المترتبة على ديونها، لا أكثر. والأشد تضررًا كانت شركات النفط والغاز الصغيرة التي أنفقت مليارات الدولارات على شراء أراضٍ لاستخراج النفط الصخري في اماكن مثل غرب تكساس وشمال داكوتا ونيو مكسيكو. فإن تطوير اراضي النفط الصخري باهظ الكلفة، لأن هذه الأماكن تقع في مناطق نائية، بنيتها التحتية بدائية.

يؤثر هبوط أسعار النفط تأثيرًا حادًا في القطاع المصرفي النفطي

&

على سبيل المثال، امدادات الكهرباء المحدودة أجبرت عدة شركات نفطية على شراء مولدات ديزل غالية لتشغيل الآبار. وحين كانت أسعار النفط تزيد على 70 دولارًا للبرميل، كان بمقدور هذه الشركات الصغيرة أن تغطي تكاليف انتاجها وفوائد ديونها. لكن الآن، إذ تحوم اسعار النفط حول 30 دولارًا للبرميل، لا تستطيع هذه الشركات تحقيق ربح، ناهيكم عن تسديد الفوائد على ديونها. واذا استمر هذا الوضع، فإن مقرضي العديد من هذه الشركات سيستحوذون عليها.

يجري بالفعل غلق آبار نفطية. وتستخدم شركات نفطية حاليًا تقنيات لاعتصار النفط من الآبار الموجودة تتسبب في تعطل هذه الآبار القديمة. ولا تملك أغلبية هذه الشركات المال لتصليح هذه الآبار، الأمر الذي سيؤدي إلى هبوط حاد في انتاج النفط.&
&
صدمة اقتصادية

يمكن أن يتسبب هذا الوضع في إفلاس نحو 150 شركة نفطية وغازية. ومن شأن هذا الوضع أن يسفر عن تخفيضات شديدة في الانفاق الرأسمالي على حقول نفطية، والذي بلغ 400 مليار دولار في عام 2013.

سيضر هذا الهبوط الكبير في الاستثمارات والمصروفات على حقول نفطية شركات تصنيع/تجهيز مرتبطة بالقطاع النفطي، كما سيؤدي إلى تراجع كبير في الطلبيات على معدات استثمارية وبضائع وسيطة، بينها المحركات والآلات الناقلة والأنابيب والأدوات الدقيقة وقطع الغيار للمكائن. ومع انخفاض الاستثمارات في حقول النفط، ستمتد آثاره إلى القطاع الخدمي في الولايات المتحدة الذي يشكل 70 في المئة من الاقتصاد الاميركي. فالعائلة الاميركية الاعتيادية تنفق 70 في المئة من دخلها على المأكل والمسكن والخدمات العامة والنقل والتأمين الصحي.

وحين تصبح العائلات الاميركية قلقة بشأن دخلها اللاحق أو فرص العمل، فإنها لا تتوقف عن دفع ايجاراتها أو تلغي خدمة هواتفها الخلوية، بل تقتصد في الانفاق على السيارات واللوازم المنزلية والسلع الترفية والاجازات، التي تشكل كلها 25 في المئة من إنفاق العائلة.

&تطوير أراضي النفط الصخري باهظ الكلفة

&

واسفرت الصدمات الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع اسعار النفط في الأعوام 1973 إلى 1975 و1980 و1981 و1990 و1991 عن ثلاث فترات مديدة من الركود وارتفاع البطالة. وهذه المرة قد يكون هبوط اسعار النفط هو سبب الركود.

كما أن هبوط اسعار النفط لن يشجع على الاستثمار العالمي في قطاع الطاقة، الأمر الذي سيخفض الطاقة الانتاجية النفطية بحلول نهاية 2016. يضاف إلى ذلك أن هبوط اسعار النفط سيضعف الاستثمار في رمال كندا النفطية والقطب الشمالي.&
&
العودة الى الرياض

يستطيع الاقتصاد العالمي في هذا الوقت أن يتجنب حدوث ركود كبير إذا ادركت دول مثل روسيا وايران وغيرهما من اعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط "اوبك" في أفريقيا واميركا اللاتينية وآسيا الوسطى انها لا تستطيع التنافس مع السعودية حين يتعلق الأمر بالتكاليف، وأخذ حصة من السوق. فالطريقة الوحيدة لاعادة التوازن إلى الأسواق النفطية هي الموافقة على مقترحات المملكة العربية السعودية بخفض الانتاج.

وهناك العديد ممن يُسمَون محللين هذه الأيام يدَّعون أن القوة النفطية السعودية خرافة. لكن الواقع يقول إن تثبيت أسعار النفط على المدى القريب (أو البعيد) ليس ممكنًا من دون موافقة السعودية. فالبلدان النفطية في اوبك وخارجها تحتاج إلى السعودية. ويعني هذا الذهاب إلى الرياض والموافقة على مقترح السعودية، فمفتاح تثبيت اسعار النفط واعادة توازنها بيد الملك سلمان وولي ولي العهد محمد بن سلمان.

في أسواق النفط، لا أحد يستطيع أن ينافس السعودية، لأنها القوة النفطية العظمى الوحيدة. كما أن روسيا والولايات المتحدة لا تستطيعان مضاهاة القوة النفطية السعودية.

بسبب الفائض النفطي، الوضع الحالي هو نتاج السياسة السعودية لاحتواء منافسيها الجيوسياسيين، ويمكن أن يعتمد التوصل إلى اتفاق يحقق استقرار اسواق الطاقة ايضًا على محادثات السلام في سوريا وتعديل ايران سياستها تجاه السعودية ومجلس التعاون الخليجي.&