واخيرا وبعد طول عناء وشدّ وجذب واجتماعات متواصلة وسفر مضنٍ ورحلات مكوكية وابتسامات مصطنعة وخائبة& بين مفاوضي 5 + 1 تنفس وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الصعداء وهدأت اساريره& بعد توقيع اتفاقية لوزان مطلع الشهر الجاري وأشار لأهله الايرانيين ان شاركوني فرحتي واهزجوا في الساحات والشوارع& واملأوا بلاد فارس زعيقا وموسيقى ورقصا ولتظهر اغانيكم الى العلن فلا مكان للتخفّي عن انظار وعيون العمائم المانعة للتعبير عن الخلجات النفسية بالفنّ والموسيقى وقد انتهى زمن الخشية من عيون الدرك والمراقبين ومتلصصي السابلة بعد الان حينما تغنون وترقصون وليظهر صداحكم الذي منعناه من قبل& من الدندنة والغناء والتعبير عن الفرح امام الملأ وليسمع العالم كله ويرى كيف يحتفل الايرانيون وقد يستعيدون ليالي " الدشت " والمقامات الاعجمية وحناجرهم المطربة تعلو بنبرتها الشرقية " أمان .. أمان "
السيد محمد جواد ظريف تذكر فتوّته الاولى المحرومة من الطرب والغناء والانتشاء بالموسيقى وهزج طربا وكأني به اراد ان يعوّض ايام حرمانه السالفة اذ يقال والعهدة على القائل بانه لم يصغِ يوما الى اغنية او صوت موسيقى او وتر عود او نفثات ناي منذ ان شبّ يافعا سنوات مراهقته ، تماما كما حرمته زوجته المتصلبة جدا من مشاهدة التلفاز طوال عشر سنوات وها هو يعوّض سنوات الكبت ويظهر على شاشات التلفزيون مرارا وتكرارا ويوسع من ابتسامته ويطيل من لقطاته ، وما الضير من ذلك طالما انه حرم امدا طويلا من الاصغاء للفن السامي والبحلقة امام الشاشة منذ نشأته الاولى وها هو الان نجم لامع يحيطه الاتحاد الاوروبي بالرعاية ويأخذه وزير الخارجية الاميركي " كيري " بالاحضان كلما التقيا معا على طاولات المباحثات
والشيء بالشيء يذكر فقصة الحرمان من الفن وكل ماهو مؤنس للسمع والبصر شائعة كثيرا في المجتمعات الشيعية المتزمتة واتذكر ان والديّ في مدينة النجف كانا يحرموننا مع اخوتي من الاستماع للموسيقى والغناء عبر الراديو وكنا نختلس السمع بصوت خافت جدا وكثيرا ماعوقبنا بالعصيّ واللوم الشديد والتقريع على اخفّ الاحوال حينما كنا نترقب اذاعة القاهرة اخر الشهر عندما تطل ام كلثوم في اغنياتها الجديدة
اما في ايام وليالي عاشوراء وصفر فالويل الويل لمن يصغي الى الغناء او يشاهد التلفزيون عندما بدأ عهده في البثّ ولم انسَ امي عند اول حلول محرم الحرام فكان اول شيء تعمله هو ان تقمّط جهاز التلفزيون بقطع من الاقمشة وتحزمه وتخبئه بعيدا عن انظارنا وكذا الحال مع الراديو ونبقى شهرين متعاقبين بلا موسيقى ولاغناء ولاحتى اخبار او تمثيليات وكل مانسمعه هو تعازي الخطب والردّات الحسينية المشوبة بالبكاء وإثارة الحماس لكي ننحب وتسيل دموعنا مدرارا حالما نسمع حكاية المقتل الحسيني او شعر الندب والنحيب على اهل البيت الكرام في مذبحة كربلاء
ليس هذا فحسب بل كان اهلنا يلزموننا على لبس السواد ولاشيء غير السواد والامتناع عن الضحك واللعب بما في ذلك الالعاب البريئة الخاصة بالصغار طوال محرم الحرام وصفر ، فليس بمستغرب ان يلقى السيد& جواد ظريف نفس هذا العنت والتحريم بسبب التوافق المذهبي بين شيعة العراق وخصوصا السكّان في النجف وكربلاء المدينتين الصارمتين وبين شيعة ايران التي ترى في هاتين المدينتين رمزا مقدسا ومهوى لأفئدتهم
وعلى الرغم ان ظريفا هذا يعدّ من جماعة " عصابة نيويورك " كما يسميهم الراديكاليون المعممون في ايران وهم نخبة من السياسيين الأكثر ليبرالية وانفتاحا على الغرب وأميركا ويعتبر من ألدّ خصوم احمدي نجاد والمحافظين الكثر المهيمنين على البرلمان الايراني وانضوى تحت خيمة روحاني بانضمامه الى مركز الابحاث الستراتيجية الذي كان يرأسه حسن روحاني باعتداله المعروف قبل ان يعتلي رئاسة الجمهورية غير انه اليوم اضحى وجها متألقا ديبلوماسيا ومحاورا ناجحا وسيسعى جاهدا الى نزع بعض العقوبات عن بلاده واستمرار تدفّق النفط الايراني الى بقاع اوسع في العالم شرقا وغربا لو جرت الاحوال بلا عقبات او منغّصات من ينعت امريكا بالشيطان الاكبر من قبل الجماعات الشيعية المتطرفة ، كل ذلك بسبب مرانه الديبلوماسي وخبرته السياسية الطويلة الامد في منظمة الامم المتحدة كسفير لإيران في هيأة الامم المتحدة منذ اواخر ثمانينات القرن الماضي حتى عام / 1992 وقبلها كان احد المفاوضين مع حميمه روحاني بعد ان وضعت حرب الخليج الاولى اوزارها في آب اغسطس سنة& /1988 بين العراق وايران .. وعمل& قرابة الخمس وعشرين سنة في اروقة الامم المتحدة ممثلا لايران منها سنوات طوال كان فيها سفيرا لبلاده في هذه المنظمة الدولية اضافة الى كونه مفاوضا واسع الصدر يعرف كيف يجسّ النبض الاميركي والاوروبي نتيجة إلمامه الواسع بالثقافة السياسية الاميركية ومن المناصرين للديبلوماسية العلنية الظاهرة ولايأنس التدليس والإخفاء في اظهار وجهة نظره وتعمية شعبه ومايحاك خلف الاستار وفي الغرف المظلمة
اضافة الى كونه يمتلك إلماما واسعا بالقانون الدولي واكاديميا حاصلا على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الاميركية ( جامعة دينفر في كولورادو ) وعاش ردحا طويلا هناك وملمّا بالثقافة الاميركية وخصوصا السياسية منها كما اكسبته خبراته ان يخوض المفاوضات العديدة الاطراف بينه من جهة وبين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من جهة اخرى وفي اعقد القضايا الصعبة كقضية المفاعلات النووية الايرانية وخرج منها مفاوضا ناجحا صلب العود
ويبدو ان ظريفا هذا زاد من تبختره ونفش ريشه زهوا بعد ان حقق نجاحا اوليّا في لوزان وها هو الان يريد ان يستعرض عضلاته في عرض ثانِ& ويمدّ لسانه ويده لحل ديبلوماسي في مشكلة اليمن فطار سريعا& ليحلّ ضيفا على باكستان المسلمة عسى ان تساهم معه في ارساء السلام وتغيير معادلة الحرب القائمة الان ضد حلفاء ايران الحوثيين في اليمن وثم رحلته الأخرى الى مسقط ليقّدم شكره وامتنانه للسلطان العماني قابوس لأنه نأى بنفسه عن المشاركة بالحلف ضد الحوثيين
هونا عليك ياسيد ظريف ياصديق الشباب والمثقفين ، ليتك تخفف من زهوك قليلا ، نعرفك رجلا انيقا حاذقا ومريدوك يكثرون يوما بعد يوم على صفحات التواصل الاجتماعي فما زال الطريق طويلا وأبعد مما تظنّ ، وقد تكون خطوتَ خطوة واثقة متزنة لكن عليك ان تحسب انك قد تكبو ليس لمرة واحدة لأن امامك عثرات العمائم الراديكالية الكثيرة في برلمانكم فالاتفاق النهائي لم يحن اوانه بعد والعقوبات الدولية بقيت جاثمة على الصدور مع اننا نأمل رفعها وعليك الان ان تصغي جيدا وتعيد قراءة كلام وتصريحات السيد الخامنئي بان الاتفاق مازال غير منجز بصيغته النهائية ولم يُتّخذ ايّ موقف بعد حول الاتفاق النووي ولايعدو الامر سوى " تفاهم أوّلي " على المعايير الرئيسية ومابرحت المخاوف قائمة بشأن السياسة الايرانية التي تتهم بأنها احدى راعيات الارهاب باعتبارها لم تفلت بعد من وصمة التسمية بانها واحدة من دول محور الشرّ ولم تخفف من عدائها الشديد لإسرائيل وربما تجري الرياح بما لاتشتهي السفن فالريح كما تعلم لاتستقرّ على حال وخصوصا الرياح السياسية المتقلبة المزاج

[email protected]&