طوفان من الاحتجاجات انفجر في الجامعات الأميركية على مدار الأيام الماضية لتأكيد الرفض الطلابي للحرب على غزة، ومطالبة رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن بسحب الاستثمارات الأميركية من إسرائيل اعتراضاً على أعمال العنف ضد الشعب الفلسطيني، والتصفية والإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان المحتل ضد الشعب الأعزل.

ومع اتساع الحراك الطلابي وانتقاله من جامعة أميركية إلى أخرى في مختلف الولايات، قوبلت الاحتجاجات بأعمال عنف من قبل الشرطة الأميركية، التي اتهمت الطلاب بمعاداة السامية، بينما دفع الطلاب عنهم التهمة وتمسكوا بموقفهم الرافض للدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي على حساب أطفال وشعب غزة، وأكدوا استمرارهم في التظاهر والاحتجاج لحين وقف إرهاب تل أبيب ضد فلسطين.

وانتقلت عدوى الاحتجاجات إلى الدول الأوروبية، التي تخشى أن تتمدد إلى جامعاتها بصورة أكثر شراسة، خاصة في البلدان التي تحتضن جاليات إسلامية كبيرة مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها. وأكثر ما يدعو للإحباط هو محاولة فض الاحتجاجات الطلابية بالقوة في الجامعات الأميركية، ففي تكساس تدخلت الشرطة لفض الاحتجاجات مستعينة بخيالتها، كما شهدت جامعات ييل وكولومبيا وساوثرن كاليفورنيا، حملات اعتقالات طالت مئات الطلاب وبعض الأساتذة المحاضرين، وكانت الشرطة اعتقلت أكثر من مئة طالب، إثر نصبهم "مخيماً احتجاجياً" في حرم جامعة كولومبيا في نيويورك، ولكن لاحقاً أوقف العديد من الطلاب في جامعة كولومبيا وغيرها عن الدراسة، مما أدّى إلى دعوات تطالب بإسقاط أو إلغاء الإجراءات التأديبية بحقهم.

بالرغم من ذلك، لا تزال الاحتجاجات مستمرة في جامعات أميركية عدة في وقت يقول طلاب محتجون إنَّهم يتعرّضون للتهديد باستدعاء الشرطة إذا لم يفضّوا احتجاجاتهم، كما رفض طلبة من جامعة ستانفورد، التي تقع في سيليكون فالي بولاية كاليفورنيا، ما وصفوه "أساليب الترويج للخوف"، وتحدوا أوامر بإخلاء المخيم المؤيد للفلسطينيين.

ما سبق يستدعي التساؤل: هل يهدد حراك الجامعات الأميركية علاقات إسرائيل مع واشنطن في المستقبل؟

إقرأ أيضاً: غزة وسياسة الأرض المحروقة

الأكيد أن زلزال هذه الجامعات أربك الحسابات الأميركية الإسرائيلية، وهز ثقة رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو بالدعم الأميركي المنقطع النظير سلطة وشعباً. وهو فتح الباب لما يقرب من 190 منظمة مناصرة للإشادة بشجاعة الطلاب وسط حملة القمع المستمرة على المعسكرات في جميع أنحاء الجامعات، في ظل فشل الإدارة الأميركية في إيقاف كرة الثلج بالتسهيل لنتنياهو المضي في حربه التدميرية التي تنعكس سلباً على الداخل الأميركي.

وبات من الواضح أن الإدارة الأميركية باتت في خشية من أن تتحول الجامعات إلى وسيلة ضغط لتغيير مسار العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وقد لا نبالغ إذا قلنا إنَّ شرارة الغضب التي أشعلت الجامعات الأميركية قد تتحول إلى وقود لثورة قد تحضر لميلاد زعيم أميركي مناهض لإسرائيل قد يحكم أميركا يوماً ما.

إقرأ أيضاً: مصالح السنوار الشخصية تغلب على أوجاع شعب غزة

تداعيات هذا الحراك على دوائر القرار لن يكون قوياً في المدى القريب، ولكنه سيكون مؤكداً في المستقبل البعيد، فهؤلاء الطلبة سيكونون في الدوائر الحكومية بعد تخرجهم، كما أنهم سيكونون مدعومين من جيل ناشئ على الانفتاح على وسائل الإعلام غير التقليدية، وهو ما سيجعل مهمة إسرائيل صعبة للغاية، وسيلعبون دوراً في التأثير على دوائر صنع القرار في المستقبل.

بالرغم من كلّ الإجراءات القمعية ضد هؤلاء الطلبة، إلا أنَّ الاعتصامات مازالت مستمرة، اذ يواصل طلاب من جامعة هارفارد بولاية مساتشوستس اعتصامهم المفتوح داخل الحرم الجامعي احتجاجاً على استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مطالبين بسرعة وقف الدعم الأميركي لإسرائيل في هذه الحرب، ومنددين بما وصفوها بحرب الإبادة ضد أهالي غزة، فهل يستجيب العالم الغربي لصوت المستقبل؟