تعددت أسباب تراجع الدراما السورية في الآونة الأخيرة، لكن ثمة من يلقي باللائمة الكبرى على مقاطعة خليجية مفترضة لهذه الدراما، ويقول إنها المسؤولة الأولى عن هذا التراجع.


الرياض: يضعصناع الدراما السورية ونقادها quot;المقاطعة المفترضةquot; من قبل القنوات الخليجية للدراما السوريةفي الصف الأولللتراجع الجلي الذيأصاب صناعة الدراما في بلادهم، والتي لا تعود مظاهره إلى الأشهر الثمانية عشرة الأخيرة التي أعقبت اندلاع الثورة وما شهدته من خلافات سياسية بين حكام دمشق والدول العربية، بل إلى ما قبل ذلك بما لا يقل عن عام.

ويرى المتابع لبرامج العروض لعدد من القنوات الخليجية الرئيسية خلال رمضان الماضي أن الدراما السورية شغلت حيزًا لا بأس به في عدد من هذه المحطات، سواء كانت خاصة أو حكومية، فشاهدنا عروضاً لأعمال سورية في قنوات أبو ظبي ومجموعتي روتانا وmbc وغيرها.

وتراجع الدراما السورية بعد سنوات من الازدهار لا يعود إلى سبب واحد بكل تأكيد، بل إلى تضافر مجموعة من الأسباب عبّدت طريقًا واضحًا يقود إلى هاوية الانحدار.

أول هذه الأسباب كان تواضع السوية الإبداعية للأعمال السورية، فبعد فترة من النهوض شهدت تقديم أعمال حفرت لنفسها مكانة في تاريخ الدراما العربية بشكل عام والمحلية بشكل خاص منها على سبيل المثال quot;التغريبة الفلسطينيةquot; وquot;الزير سالمquot; وquot;غزلان في غابة الذئابquot; وquot;ربيع قرطبةquot; وquot;تخت شرقيquot; وquot;زمن العارquot; وquot;الانتظارquot; وحتى بعض الأعمال الكوميدية مثل quot;ضيعة ضايعةquot; وبعض لوحات quot;بقعة ضوءquot;، تراجعت الدراما السورية لاحقًا ووقعت في فخ التكرار والنمطية.

ثاني هذه الأسباب كان اقتصار العرض الدرامي السوري على الموسم الرمضاني المليء بالمنافسة مع دراما مصرية حاضرة دائمًا وأخرى خليجية صاعدة، في ما أفسح المجالفي باقي أشهر السنة أمام سيطرة المسلسلات المدبلجة القادمة من تركيا وفنزويلا والمكسيك وغيرها، وتكمن المفارقة في أن استهلال العروض المدبلجة عربيًا كان بأصوات وشركات إنتاج سورية، كانت هي نفسها أحد عوامل نجاح الأعمال السورية قصير الأمد السابق.

ثالث هذه الأسباب كان غياب دعم الحكومة السورية، وعلى الرغم من أن هذه الأخيرة حاولت ملء الفراغ خلال العام المنصرم بعد إنشاء المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني التي أنتجت خمسة أعمال في رمضان الفائت واستقطبت بعض الأسماء المهمة على صعيد التمثيل والإخراج والكتابة، لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة جدًا في ظل الأزمة السورية الحالية، إذ أصبحت الدولة السورية تعاني في تأمين الحاجات الأساسية لمواطنيها ولن يكون بإمكانها لاحقًا دعم الصناعة الدرامية بشكل وافٍ.

وكما كان لغياب دعم الدولة دوره فيتراجع الدراما السورية إضافة إلى عدم نضوج القطاع الخاص الذي كان سببًا آخر للتراجع، إذ عجز القطاع الخاص السوري المنتج للدراما عن استثمار سنوات النجاح وفشل في تحويل الدراما إلى صناعة مؤثرة في المشهد الاقتصادي الوطني، واعتمد في جزء منه على رأس المال الخليجي تحديدًا في الإنتاج، وكان العرض السوري معتمدًا في كثير من الأحيان على الطلب الخليجي المقتصر في غالبيته على مسلسلات البيئة الشامية.

للدولة أيضًا مسؤولية أخرى في تراجع الدراما السورية وخصوصًا خلال العامين الأخيرين، إذ استمرت العقلية الرقابية الأمنية في فرض نفسها على الموضوعات التي تتناولها المسلسلات التلفزيونية، ولم يرتفع السقف الرقابي كثيرًا على الرغم مما تشهده البلاد من تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية حادة، فلم تنعكس هذه التحولات على الأعمال المنتجة، مما أدى إلى تقديم أعمال منفصلة عن الواقع السوري وحتى العربي وإلى اتساع الفجوة التي تفصلها عن المشاهد.

أخيرًا، يبدو أن الوضع الاقتصادي والأمني الصعب الذي تعيشه سوريا شكَّل سببًا إضافيًاقاد إلى المزيد من التراجع، فإنتاج المسلسلات أصبح عملية صعبة مع استحالة التصوير في العديد من المدن السورية، وصعوبة تصوير المشاهد الخارجية بشكل عام، واستحالة بناء مواقع تصوير في المناطق الريفية أو البادية، إضافة إلى هروب رأس المال السوري إلى الخارج وانتقال العديد من الفنانين السوريين من مخرجين وممثلين وفنيين وكتاب إلى خارج البلاد للحفاظ على أمنهم أو بحثًا عن فرص عمل.